في بيان مشترك، شجبت جماعات حقوقية الحملة العراقية القمعية على "المحتوى الهابط" على الإنترنت، على أساس تهديدها لحرية التعبير.
تُعرِب المنظّمات الموقّعة أدناه عن قلقها البالغ إزاء الحملة الأخيرة التي تُمارِسها السلطات العراقية لقمع “المحتوى الهابط” على الإنترنت، وهي حملة من شأنها أن تُخلّف تأثيرًا سلبيًا وتُقيّد حرّية التعبير في البلد. في الفترة الممتدّة بين 10 كانون الثاني/يناير من هذا العام، عندما أطلقت السلطات هذه الحملة، و13 شباط/فبراير، أعلنَ قاضي محكمة الكرخ الثالثة والقاضي المتخصّص في قضايا النشر والإعلام أنَّ المحاكم اتّخذت إجراءات بحقّ 14 متّهمًا حتّى الآن بسبب نشر محتويات “هابطة” أو “غير أخلاقية” على وسائل التواصل الاجتماعي، وقد صدرت بحقّ ستّة منهم أحكام بالسجن لمدّة تتراوح بين ستّة أشهر وسنتَيْن.
وصرَّحَ القاضي في الكرخ قائلًا إنَّ المتّهمين يُحاكَمون بموجب المادّة 403 من قانون العقوبات العراقي، التي تُجرِّم كلّ مَن ينشر أيّ مادّة “مخلّة بالحياء أو الآداب العامّة”. وأفادت وكالة “فرانس برس” بأنَّ بعض المتّهمين عُرِفوا بصناعة محتوى متعلّق بالموسيقى والكوميديا. وأضافَ القاضي أنَّ المحاكم باشرت الملاحقات بناءً على الشكاوى التي تُعرَض عليها من قِبل لجنة جديدة شكَّلتها وزارة الداخلية لمراقبة المحتويات “الهابطة” أو “غير الأخلاقية” على منصّات التواصل الاجتماعي، وكذلك الشكاوى المُقدَّمة عبر منصّة “بلّغ” التي أطلقتها وزارة الداخلية في 10 كانون الثاني/يناير 2023 للإبلاغ عن المحتويات المنشورة في مواقع التواصل الاجتماعي التي “تتضمّن إساءة للذوق العام وتحمل رسائل سلبية تخدش الحياء وتُزعزع الاستقرار المجتمعي”.
وبحسب بيان صادر عن وزارة الداخلية، تلقّت منصّة “بلّغ” أكثر من 96 ألف شكوى اعتبارًا من 13 شباط/فبراير. تخشى المنظّمات المُوقِّعة أدناه من استغلال لجنة وزارة الداخلية والمنصّة واستخدامهما لقمع الخطاب السلمي المشروع والمحميّ بسبب نطاق عملهما الواسع والعام، كما تخشى من أن يبدأ الأفراد في العراق بممارسة الرقابة الذاتية خوفًا من الملاحقة.
بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، بما في ذلك المادّة 19 من العهد الدولي الخاصّ بالحقوق المدنية والسياسية الذي صادقَ عليه العراق، يُعترَف بالحقّ في حرّية التعبير كحقّ أساسي من حقوق الإنسان، وهذا الحقّ، وفقًا للجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتّحدة، “يُغطّي التعبير عن رأي قد يُعتبَر مُهينًا للغاية”. وتسمح المادّة 19 فقط ببعض القيود على حرّية التعبير شرط أن تكون قانونية ومشروعة وضرورية ومتناسبة. تشمل الأهداف المشروعة حماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحّة العامّة أو الآداب العامة أو حقوق الآخرين. ولكن، يجب أن تكون هذه القيود “واضحة ومحدّدة وأن تستجيب لحاجة اجتماعية ملحّة؛ وأن تكون بمثابة التدبير الأقلّ وطأةً بين التدابير المتاحة؛ وألّا تكون شديدة العمومية، بحيث لا تؤدّي إلى تقييد حرّية التعبير بطريقة عشوائية أو غير هادفة؛ وأن تكون متناسبة بمعنى أنَّ المنفعة التي تعود على المصلحة المحميّة تفوق الضرر اللاحق بحرّية التعبير”. بالتالي، إنَّ القيود التي تستند إلى مصطلحات غامضة وعمومية جدًا مثل “الإخلال بالحياء أو الآداب العامّة” لا تستوفي هذه الشروط، كما أنَّ غموض هذه المصطلحات يفتح المجال أمام انتهاكات واسعة، بما في ذلك قمع المعارضة السلمية.
وقالَ القاضي نفسه في محكمة الكرخ الثالثة عبر وسائل الإعلام إنَّ الإجراءات ستُتَّخَذ حتّى ضدّ صانعي المحتوى في الخارج إذا كانَ محتواهم يستهدف الشعب العراقي والمجتمع العراقي. وبحسب ما أعلنه القاضي، ستصدر بحقّهم أحكام غيابية بالإضافة إلى إعداد ملفّات استرداد بالتعاون مع الإنتربول في حال لم يُسلِّم الأفراد أنفسهم.
ووصفت الشبكة العراقية للإعلام المجتمعي (أنسم) الحملة ضدّ المحتوى “الهابط” بأنَّها “متحيّزة وانتقامية ورادعة”، مُضيفةً أنَّ “هدفها هو بثّ الخوف في نفوس المُدوِّنين الذين ينتقدون الإخفاقات السياسية المستمرّة في العراق”.
تعمل هيئة الإعلام والاتّصالات العراقية – وهي هيئة حكومية تُعنى بتنظيم الإعلام – على مشروع لائحة لتنظيم المحتوى الرقمي. ندعو الهيئة إلى التشاور مع منظّمات المجتمع المدني، وكذلك الصحفيين/ات والأكاديميين/ات والنشطاء، بشأن مشروع اللائحة للتأكُّد من أنَّها تنسجم مع التزامات العراق بموجب القانون الدولي لناحية احترام حقوق الإنسان وحمايتها، بما في ذلك الحقّ في حرّية التعبير. منذ عام 2019، قدّمت السلطات العراقية إلى البرلمان في مناسبات عدّة مشروع قانون جرائم المعلوماتية الذي ينتهك الحقّ الأساسي في حرّية التعبير. وعُلِّق القانون منذ ذلك الحين لاعتبارات تتعلّق بحقوق الإنسان.
لدى السلطات العراقية تاريخ حافل بالممارسات القمعية التي تنتهك الحقّ في حرّية التعبير وحرّية التجمّع السلمي. خلال احتجاجات تشرين التي بدأت في تشرين الأوّل/أكتوبر 2019، نفّذت القوى الأمنية العراقية، بما في ذلك قوّات مكافحة الشغب وجهاز مكافحة الإرهاب ووحدات الحشد الشعبي، حملةَ قمعٍ مروّعة ضدّ المتظاهرين/ات والنشطاء والصحفيين/ات والمُدافِعين/ات عن حقوق الإنسان وكلّ شخص يُعبِّر عن دعمه للتحرّك الاحتجاجي. قُتِلَ ما لا يقلّ عن 600 شخص بسبب التفريق العنيف خلال الأشهر القليلة الأولى، وتعرَّضَ الكثيرون للقتل المتعمّد والاختفاء القسري. وفي حين توقّفت المحاسبة على الانتهاكات التي حصلت أثناء احتجاجات تشرين، تصاعدت الملاحقات القضائية لما يُسمّى بـ “المحتوى الهابط”.
أطلقت الحكومة العراقية الجديدة برئاسة رئيس الوزراء محمّد شياع السوداني هذه الحملة ضدّ حرّية التعبير بعد أشهر قليلة من بدء ولايتها. إنَّ منظّماتنا تُناشِد السلطات العراقية لوقف حملتها المقلقة التي تهدف إلى قمع المحتوى “الهابط”، وإسقاط كلّ التُّهم التي تُعاقِب الأفراد لمجرّد ممارستهم حقّهم في حرّية التعبير، والإفراج فورًا عن جميع المحكوم عليهم بالسجن بموجب تُهم من هذا القبيل، والتشاور مع المجتمع المدني حول مشروع اللائحة المتعلّق بتنظيم حرّية التعبير، وإلغاء المادّة 403 من قانون العقوبات، والحرص على أن يكون القانون العراقي المحلّي مُنسجمًا مع الالتزامات الدولية لناحية احترام الحقّ في حرّية التعبير لجميع المواطنين/ات في العراق، سواء عبر شبكة الإنترنت أو خارجها.
يجب أن يكون العراقيون والعراقيات أحرارًا في التعبير عن أنفسهم/نّ عبر منصّات التواصل الاجتماعي، سواء لإلقاء النكات، أو نشر محتوى ساخر أو انتقاد السلطات أو مساءلتها أو مناقشة مواضيع سياسية أو دينية، أو تقديم أداء راقص مُبهِج، أو إجراء محادثات عامّة حول قضايا حسّاسة أو مثيرة للجدل. فالقانون الدولي لحقوق الإنسان يحمي كلّ هذه السلوكيات، ومن واجب السلطات العراقية أن تصونها وتحترمها.