تعرب الجماعات الحقوقية عن قلقها العميق إزاء القيود الشديدة المفروضة على الحق في حرية التعبير والتجمع السلمي.
نشر أولًا على هيومن رايتس ووتش.
تواصل السلطات الإماراتية اعتداءها المستمر على حقوق الإنسان والحريات، بما فيه استهداف النشطاء الحقوقيين، وسنّ قوانين قمعية، واستخدام نظام العدالة الجنائية للقضاء على حركة حقوق الإنسان. أدت هذه السياسات إلى إغلاق الحيّز المدني، وفرض قيود صارمة على حرية التعبير على شبكة الإنترنت وخارجها، وتجريم المعارضة السلمية.
منذ أكثر من 10 سنوات، تحتجز السلطات الإماراتية ظلما ما لا يقل عن 60 من المدافعين الحقوقيين ونشطاء المجتمع المدني والمعارضين السياسيين الإماراتيين، الذين اعتُقلوا عام 2012 بسبب مطالبتهم بالإصلاح والديمقراطية، أو لانتمائهم لـ “جمعية الإصلاح والتوجيه الاجتماعي” (’الإصلاح‘). تعرّض بعض أعضاء هذه المجموعة المعروفة بـ “الإمارات 94″، وهو عدد المتهمين في المحاكمة الجماعية، للإخفاء القسري والتعذيب وغيره من ضروب المعاملة المسيئة. حُكم عليهم بالسجن لمدد تتراوح بين 7 و15 عاما في محاكمة في 2013 لم تستوفِ الحد الأدنى من معايير المحاكمات العادلة.
أكمل أكثر من ثلاثة أرباع هؤلاء السجناء مدة عقوبتهم وما زالوا رهن الاحتجاز التعسفي حتى الآن. ترفض السلطات الإماراتية إطلاق سراحهم، بزعم أنهم ما زالوا يشكلون “تهديدا إرهابيا”، بناء على قوانين غامضة تسمح باحتجازهم إلى أجل غير محدد، في انتهاك صارخ للقانون الدولي لحقوق الإنسان.
تضم قائمة الـ 60 محتجزا نشطاء وأكاديميين ومحامين وأساتذة جامعيين وأفراد من الأسرة الحاكمة، من بينهم الدكتور محمد الركن، محام حقوقي بارز، والدكتور محمد المنصوري، خبير قانوني، وهادف العويس، عميد كلية الدراسات العليا في جامعة الإمارات العربية المتحدة، والشيخ سلطان القاسمي، عضو في الأسرة الحاكمة لإمارة رأس الخيمة.
بحلول منتصف 2023، سيكون العديد من المحتجزين قد أمضوا نحو 11 عاما خلف القضبان. حُرم بعضهم من الزيارات العائلية والتواصل مع عائلاتهم لمدة تصل إلى خمس سنوات.
في غضون ذلك، تعرضت بعض عائلاتهم لأعمال انتقامية بلا هوادة. في بعض الحالات، سحبت السلطات الإماراتية تعسفيا جنسية المحتجزين وعائلاتهم، وحرمتهم من حقوقهم كمواطنين إماراتيين وتركتهم بلا جنسية. في حالات أخرى، فرضت السلطات حظر سفر على أفراد عائلاتهم، ومنعتهم من الدراسة أو العمل، وجمدت حساباتهم المصرفية. في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، توفي في الإمارات محمد النعيمي، نجل المتهم في “الإمارات 94” أحمد النعيمي، الذي يعيش في المنفى الاختياري منذ 2012. وُضع محمد تحت حظر السفر انتقاما من نشاط والده، مما منعه من لم الشمل مع والديه وخمسة من أشقائه.
كما سجنت حكومة الإمارات ظلما مواطنين وأجانب خلال العقد الماضي، مثل الأكاديمي الدكتور ناصر بن غيث، والمدون البارز والفائز بـ “جائزة مارتن إينالز للمدافعين عن حقوق الإنسان” عام 2015 أحمد منصور، والسوري عبد الرحمن النحاس، والأردني أحمد العتوم، وعبد الله الحلو الذي انتهت مدة محكوميته قبل 6 سنوات، وعبد الواحد الشحي المهندس الذي أنهى عقوبته قبل خمس سنوات، وهم من بين من لا يزالون في السجن بعد سنوات من انتهاء مدة عقوبتهم.
في السنوات الأخيرة، أصدرت السلطات الإماراتية أيضا قانونا جديدا للجرائم الإلكترونية (رقم 34 لسنة 2021) لتقييد النشاط والمعارضة في الإنترنت، وأصدرت قانونا ينص على إنشاء “المركز الوطني للمناصحة” (رقم 28 لسنة 2019) بزعم “مناصحة وتأهيل حاملي الفكر الإرهابي أو المتطرف أو المنحرف”، وتوسيع نطاق قانون مكافحة الإرهاب لعام 2014 الذي يسمح باحتجاز سجناء الرأي إلى أجل غير مسمى بهدف “المناصحة”.
نظرا لاستضافة الإمارات “مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغيّر المناخ” (كوب 28) من 30 نوفمبر/تشرين الثاني إلى 12 ديسمبر/كانون الأول 2023، نُعرب عن قلقنا العميق إزاء حالة حقوق الإنسان في الإمارات، لا سيما القيود الشديدة التي تفرضها السلطات على حقوق الإنسان وحرية التعبير والتجمع السلمي، مما يقوّض بشكل خطير عمل المجتمع المدني وحيّز المعارضة السياسية في البلاد.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تحاول حكومة الإمارات استخدام رئاستها لمؤتمر كوب 28 للترويج على نحو مثير للسخرية لصورة الانفتاح والتسامح، رغم عدم احترامها الحق في حرية التعبير وتكوين الجمعيات والتجمع السلمي.
الإمارات واحدة من أكبر منتجي النفط في العالم، وتشكل أموال قطاع الوقود الأحفوري الواسع معظم الإيرادات الحكومية الإماراتية. أعلنت مؤخرا “شركة بترول أبو ظبي الوطنية”، الشركة الحكومية الرئيسية للوقود الأحفوري، أنها توسع جميع جوانب عملياتها، رغم الإجماع المتزايد على أنه لا يمكن تطوير استثمارات جديدة في النفط أو الغاز أو الفحم إذا أرادت الحكومات تحقيق أهداف المناخ العالمية وحماية حقوق الإنسان.
تخشى مجموعات المجتمع المدني من أن القيود الصارمة التي فرضتها السلطات الإماراتية في السنوات الأخيرة ستعيق المشاركة الكاملة والهادِفة للصحفيين والنشطاء والمدافعين الحقوقيين والمجتمع المدني ومجموعات الشباب وممثلي الشعوب الأصلية في كوب 28.
يتطلب النهوض بالعدالة المناخية وحقوق الإنسان نهجا شاملا لتصميم وتنفيذ السياسات البيئية، والتي تشمل معالجة المظالم الاجتماعية المتجذرة تاريخيا، والتدمير البيئي، والآثار غير المتناسبة لتغيّر المناخ على المجتمعات المهمشة، والانتهاكات الجسيمة من قبل الشركات، والفساد، والإفلات من العقاب، وعدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية. الأصوات الأكثر حيوية لمقاومة هذه المشاكل المنهجية لصالح العمل المناخي الهادف والطموح جاءت من المجتمع المدني.
ستعاني الأطراف الفاعلة في المجتمع المدني من أجل أداء دورها بفعالية في الضغط من أجل اتخاذ إجراءات طموحة لمعالجة أزمة المناخ، في دولة لها هذا السجل المزرى في مجال حقوق الإنسان. لذلك، بصفتها الدولة المستضيفة لكوب 28، تُعرّض الإمارات للخطر أي نتيجة إيجابية محتملة للمؤتمر إذا لم توقف فورا انتهاكاتها المستمرة لحقوق الإنسان وترفع القيود المفروضة على الحيّز المدني.
وثّق المجتمع الدولي، بما فيه منظمات حقوق الإنسان وخبراء حقوق الإنسان في “الأمم المتحدة”، الانتهاكات المستمرة التي ترتكبها السلطات الإماراتية منذ 2011.
منذ 2013، ذُكرت الإمارات في كل تقرير سنوي للأمين العام للأمم المتحدة بشأن الترهيب والأعمال الانتقامية ضد الأشخاص الذين يسعون إلى التعاون أو تعاونوا مع الأمم المتحدة، مما يدل على استمرار المضايقات التي يواجهها المدافعون الحقوقيون في الإمارات. يصف تقرير عام 2021 “حالات الاحتجاز التعسفي، والأحكام بالسجن لفترات طويلة، واستخدام تشريعات مكافحة الإرهاب لاستهداف المدافعين عن حقوق الإنسان [في الإمارات]، بمن فيهم أولئك الذين يواجهون أعمال الانتقام جراء تعاونهم مع الأمم المتحدة”، وينتقد “القانون رقم 7 بشأن مكافحة الجرائم الإرهابية (2014)، وأشاروا إلى أن من شأن تعريفاته الفضفاضة للغاية لمفهوم المنظمات الإرهابية أن تحد بشدة من عمل المدافعين عن حقوق الإنسان، بما في ذلك قدرتهم على المشاركة في المنتديات الدولية”.
في يوليو/تموز 2022، أعربت “لجنة مناهضة التعذيب” التابعة للأمم المتحدة، في “ملاحظاتها الختامية” بعد استعراض تقرير الإمارات عن “قلقها، بوجه خاص، إزاء ما تضمنته التقارير الواردة من تفاصيل عن نمط التعذيب وإساءة المعاملة ضد المدافعين عن حقوق الإنسان والأشخاص المتهمين بارتكاب جرائم ضد أمن الدولة الذين يخضعون، بحكم تهم أمن الدولة أو الإرهاب الموجهة إليهم، لنظام قانوني يوفر ضمانات إجرائية أقل وأكثر تقييداً”.
في سبتمبر/أيلول 2022، أصدر “فريق الأمم المتحدة العامل المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي” ادعاء عاما بشأن نمط الاختفاء القسري في الإمارات، يضم 12 سؤالا موجها إلى السلطات الإماراتية، لكنها لم تستجب حتى الآن. في نفس الوقت، تواصل السلطات الإماراتية منع خبراء الأمم المتحدة من إجراء البحوث داخل الدولة أو زيارة السجون ومراكز الاحتجاز.
التوصيات:
1. الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المحتجزين لمجرد ممارستهم حقوق الإنسان الخاصة بهم؛
2. إنهاء جميع الاعتداءات والمضايقات التي يتعرض لها المنتقدون والمدافعون الحقوقيون وأعضاء المعارضة السياسية المحتجزون وعائلاتهم؛
3. تعديل جميع القوانين القمعية التي تنتهك حقوق الإنسان، بما فيها قانون مكافحة الإرهاب وقانون العقوبات وقانون الجرائم الإلكترونية، وجعلها تتماشى مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان؛
4. إغلاق جميع مراكز الاحتجاز السرية؛
5. إنهاء جميع القيود المفروضة على منظمات المجتمع المدني، والسماح بإنشاء مؤسسات مجتمع مدني مستقلة تماما؛
6. إنهاء القيود المفروضة على الحيّز المدني، ودعم الحق في حرية التعبير وتكوين الجمعيات والتجمع السلمي لتمكين المشاركة الفعالة للمجتمع المدني والشعوب الأصلية في كوب 28؛
7. ضمان نتيجة طموحة ومتسقة مع حقوق الإنسان في كوب 28، بما فيه على سبيل المثال لا الحصر عبر اعتماد دعوة لجميع الدول للتخلص التدريجي من جميع أنواع الوقود الأحفوري وجميع أشكال دعم الوقود الأحفوري لتحقيق أهداف “اتفاقية باريس”.