استُخدِمَ قانون الجرائم الإلكترونية لعام 2023 لمحاكمة وسجن المتظاهرين السلميين بسبب منشوراتهم على وسائل التواصل الاجتماعي التي تعبر عن تضامنهم مع سكان غزة.
نشر أولًا على مركز الخليج لحقوق الإنسان.
يشهد الشارع الأردني موجة عارمة من الغضب حول الأحداث السياسية والحرب في قطاع غزة، أدت إلى احتقانٍ في الموقف الشعبي، وخروج آلاف من المواطنين الأردنيين من رجال ونساء إلى الشوارع، معبرين عن تضامنهم مع سكان قطاع غزة المحاصر، ومطالبين الحكومة الأردنية باتخاذ القرارات الحاسمة للتعبير عن دعمهم لهم.
منذ بدء الهجمات العسكرية الإسرائيلية على قطاع غزة في 07 أكتوبر/تشرين الأول 2023، واستمرار جرائم الحرب الفظيعة التي أودت بحياة آلاف الفلسطينيين في غزة، استشاط الشارع الاردني غضبًا، معلنا حالة من الحداد والاستنفار من أجل التضامن مع أهالي قطاع غزة المحاصر ومن أجل التنديد بالجرائم البشعة التي طالتهم. خرج نحو مليون أردني للتعبير عن مواقفهم الوطنية والتنديد بالحرب على غزة من خلال مسيرات ووقفات سلمية في جميع المحافظات.
ساهمت الأحداث الأخيرة خلال شهر رمضان المبارك بتأجيج الغضب الشعبي والخروج للتظاهر يوميًا أمام سفارة إسرائيل في محيط منطقة الرابية بالعاصمة عمان. رفع المحتجون شعارات تندد بالجرائم المرتكبة في قطاع غزة وتطالب بقطع العلاقات مع تل أبيب وإلغاء اتفاقية السلام مع الحكومة الإسرائيلية. شهدت هذه المظاهرات حملات اعتقال واسعة قامت بها السلطات الاردنية على خلفية المشاركة في هذه المظاهرات، ووجهت الى بعضهم اتهامات ضمن قانون الجرائم الالكترونية الجديد الذي أقر في أغسطس/آب 2023، والذي جاء بمجموعة من المواد التي تُستخدم الآن من قبل السلطات من أجل تقييد الحريات وزيادة الرقابة على حرية التعبير عن الرأي.
أكدت التقارير الصحفية حصول اعتقالات واسعة لمئات من المواطنين، بعضهم من المستطرقين، خلال الاحتجاجات الشعبية المتضامنة مع سكان غزة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023 ولحد الآن. لقد تم استخدام قانون الجرائم الإلكترونية لسنة 2023 من أجل توجيه التهم ضد المحتجين السلميين وسجنهم بسبب ما قاموا بنشره على شبكات التواصل الاجتماعي من منشورات تعلن تضامنهم التام مع سكان غزة، وغضبهم لحجم الجرائم المرتكبة ضد المواطنين الأبرياء هناك وخاصة النساء والأطفال، ودعوتهم لقطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل وإلغاء الاتفاقيات الاقتصادية الموقعة معها، وكذلك دعوتهم لتنظيم احتجاجات شعبية وإعلان الاضراب العام في أرجاء البلاد.
دخلت الاحتجاجات الاخيرة مرحلة حاسمة في الأسبوع الأخير من شهر مارس/آذار 2024، حيث بدأ المواطنون بالخروج يوميًا مع تعدد المجازر في غزة، ولكن قوات الأمن الأردنية بدأت بالتدخل بشكل مباشر، وفضت بالقوة المظاهرات والمسيرات الداعمة لغزة. لقد قامت القوات الأمنية، بتاريخ 24 مارس/آذار 2024، باعتقال المئات من المواطنين وبضمنهم عدد من ناشطي وناشطات المجتمع المدني. تداول ناشطون كثيرا من المقاطع لتجمع المتظاهرين في محيط السفارة الإسرائيلية في اليوم نفسه، واعتقال الأمن الأردني لمحتجين بدعوى تخريب الممتلكات العامة.
أكدت التقارير الصحفية إن من بين المعتقلين الناشط النقابي المهندس ميسرة ملص الذي تم اعتقاله في 30 مارس/آذار 2024، أثناء تواجده في محيط السفارة، كما قامت السلطات بمداهمة منزله وصادرت أجهزة الحاسوب والهواتف النقالة العائدة له.
تم كذلك في نفس اليوم، اعتقال الكاتب الفلسطيني والباحث في شؤون القدس زياد ابحيص، و ناشطتي المجتمع المدني رويدة أبو راضي و نور أبو غوش، بالإضافة إلى رئيس الهيئة العليا للقطاع الشبابي لحزب جبهة العمل الإسلامي، الناشط السياسي معتز الهروط، وأمين سر القطاع، الناشط السياسي حمزة الشغنوبي في العاصمة الأردنية عمّان في وقت سابق أمس. وذكرت المصادر أن الهروط تم اعتقاله في مكان عام، في حين اعتقل الشغنوبي من مكان عمله في منطقة النزهة بعمّان، وقد تم اقتيادهما إلى مركز أمن منطقة الرشيد، دون معرفة التهمة حتى اللحظة.
تأتي هذه الاعتقالات في سياق اعتقالات مكثّفة تقوم بها الأجهزة الأمنية الأردنية، شملت العشرات من الناشطين السياسيين من الذين شاركوا في الحراك الشعبي الأخير، ومعظمهم من الإسلاميين.
قامت القوات الأمنية باستهداف النساء المحتجات ومارست ضدهن العنف غير المبرر في انتهاكٍ فاضح لحقوقهن المدنية والإنسانية. بتاريخ 30 مارس/آذار 2024 ليلًا، اعتقلت القوات الأمنية مجموعة من النساء المشاركات في المسيرة الشعبية الحاشدة قرب السفارة الإسرائيلية، وكان من بينهن، المواطنات المحتجات إسراء خلفات، نور حمدان، وإسراء خريسات.
لقد أثار غضب المواطنين مقطع فيديو أنتشر بشكل واسع على شبكات التواصل الاجتماعي، حيت يظهر قيام افراد من القوات الأمنية باعتقال فتاة مشاركة في المسيرة الشعبية قرب سفارة إسرائيل، بعد أن قاموا بسحلها بقوة، وطالبوا بإقالة وزير الداخلية. إن هذا يعكس بوضوح ٍالقسوة التي تتعامل بها القوات الأمنية مع النساء اللائي يشاركن في الاحتجاجات الشعبية.
تعتبر هذه الاعتقالات التي طالت النساء والرجال خلال المظاهرات انتهاكًا صارخًا للاتفاقيات الدولية والبروتوكولات الخاصة بحماية الحق في حرية التعبير والحق في التجمع السلمي التي صادقت عليها الأردن وكفلها الدستور للأردنيين كافة.
يستنكر مركز الخليج لحقوق الإنسان بأقوى العبارات قيام الحكومة الأردنية بانتهاج هذا النمط القمعي الذي أصبح نمطًا شائعًا انتهجته في السنين الأخيرة، ويتضمن مصادرة الحريات العامة للمواطنين وعلى وجه الخصوص الحق في حرية التعبير والحق في التظاهر السلمي.
يطالب مركز الخليج لحقوق الإنسان السلطات الأردنية أن تقوم بالإفراج فورًا عن جميع الذين اعتُقلوا تعسفيًا، أو حوكموا فقط بسبب ممارستهم السلمية لحقهم في حرية التعبير والتجمع السلمي، وأن تُسقط جميع التهم الموجهة ضدهم. كما يجب عليها تعديل قانون الجرائم الإلكترونية لعام 2023 بما يتوافق مع المعايير الدولية وضمان حق المواطنين في التعبير عن الرأي.
على القوات الأمنية الكف عن استهداف النساء، وعليها أن تفهم أيضًا أن مهمتها هي حماية المواطنين بكافة السبل وليس قمعهم.