وفقا لـهيومن رايتس ووتش، استغلت السلطات الأردنية حالة الطوارئ بسبب كوفيد-19 لقمع الغضب العام بسبب الإغلاق الحكومي التعسفي لنقابة المعلمين.
تم نشر هذا البيان أولاً على موقع منظمة هيومن رايتس ووتش بتاريخ 2 أيلول 2020
قالت “هيومن رايتس ووتش” اليوم إن السلطات الأردنية استغلّت تفشي فيروس “كورونا” في البلاد حتى تُفرِّق بالقوة الاحتجاجات العامة على الإغلاق التعسفي لـ”نقابة المعلمين الأردنيين” والاعتقالات الجماعية لقادتها.
في 25 يوليو/تموز 2020، داهمت الشرطة مقر نقابة المعلمين في عمان و11 من فروعها في مختلف أنحاء البلاد، وأغلقتها، واعتقلت جميع أعضاء مجلس النقابة الـ 13 لأسباب قانونية مشكوك فيها. منعت السلطات الاحتجاجات أو فرّقتها بالقوة في مدن في أنحاء البلاد. اعتقلت السلطات أيضا العديد من المعلمين والمحتجين الآخرين وأبقت بعضهم في الاحتجاز. في 23 أغسطس/آب، أفرجت السلطات عن أعضاء مجلس النقابة بعد شهر من احتجازهم، لكن لا يزال قادة آخرون في النقابة وبعض المحتجين قيد الاحتجاز.
قال مايكل بَيْج، نائب مدير قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: “الحكومة الأردنية تستغل حالة الطوارئ لقمع الغضب الشعبي على الإغلاق التعسفي لنقابة المعلمين، رغم وعدها بعدم القيام بذلك. على الأردن ألا يستخدم تفشي فيروس كورونا كذريعة لقمع التعبير عن القلق العام في وجه هذه التدابير التعسفية”.
القانون الدولي لحقوق الإنسان يُجيز للسلطات أن تحدّ من التجمعات العامة لأسباب متصلة بالصحة العامة، لكن فقط على أساس كل حالة على حدة وليس حظرا عاما. عندما أعلن الأردن حالة الطوارئ في 17 مارس/آذار، تعهّد رئيس الوزراء عمر الرزاز بأنه سيطبق القانون “في أضيق الحدود”، وأعلن أنه لن يمس الحقوق السياسية، أو حرية التعبير، أو الملكيات الخاصة.
تقول السلطات إنها منعت الاحتجاجات العامة الناجمة عن إغلاق النقابة التزاما بقواعد الصحة والسلامة المتصلة بحالة الطوارئ في البلاد استجابة لتفشي فيروس كورونا. هذه القواعد تمنع تجمع أكثر من 20 شخصا، بينما لا تضع حدا لعدد رواد دور العبادة والمطاعم.
“نيتبلوكس” (NetBlocks)، وهي منظمة دولية غير حكومية تراقب الدخول إلى الإنترنت، نشرت بيانات شبكية تؤكد أن خدمة بث الفيديوهات المباشرة على فيسبوك حُجبت في الأردن في عدة أيام أواخر يوليو/تموز وبداية أغسطس/آب، والتي حصلت فيها احتجاجات.
قابلت هيومن رايتس ووتش ثلاثة متظاهرين، بالإضافة إلى أحد أقرباء المحتجزين، وصديق، ومصادر مقربة لثلاث محتجزين آخرين على التوالي، شاركوا في مظاهرات في إربد، والكرك، عمّان، والمفرق أواخر يوليو/تموز وأوائل أغسطس/آب. قابل الباحثون أيضا شخصا محتجزا بسبب دعمه الاحتجاجات على فيسبوك، وراجعت فيديوهات للاحتجاجات نُشِرت على فيسبوك وتويتر.
تشير الفيديوهات والشهود إلى أن الشرطة، “الدرك” و”الأمن الوقائي” ضمنا، فرّقت بالقوة احتجاجات كانت بمعظمها سلمية بوضوح في مختلف أنحاء البلاد، ووصل الأمر أحيانا إلى اشتباكات أو قطع طرقات لمنع المحتجين من الوصول إلى وجهتهم.
قال شخص شارك في مظاهرة في المفرق في 9 أغسطس/آب: “بمجرد تجمّع خمسة محتجين تأتي الشرطة وتقول ’ممنوع أن تتجمعوا، عليكم الرحيل‘. استمروا بدفعنا حتى غادرنا المكان. لاحقا، تجمعنا جميعا في نقطة قريبة”. أمرت الشرطة المحتجين بالتفرّق، لكنهم أصروا على حقهم بالتظاهر. أضاف: “بعد دقيقتين، هجم الدرك علينا وبدأ الناس بالهرب ثم التجمع في نقطة قريبة، ثم يعاود الدرك الهجوم علينا… حتى تمكنوا من تفريق الجميع”.
تُظهر فيديوهات من الاحتجاج نُشرت على تويتر، مجموعات من الشرطة تُلاحق المحتجين وهم يتراجعون.
قال متظاهر آخر، وهو معلم من مدينة الكرك شارك في عدة مظاهرات أوائل أغسطس/آب: “[في المظاهرة] الأخيرة في 4 أغسطس/آب، هجم الدرك وانهالوا ضربا علينا مع مجموعة أخرى من الرجال بملابس مدنية. اشتبكنا مع القوى الأمنية، وبدأوا برمي الغاز المسيل علينا. لم يرموا الغاز عشوائيا في الهواء، بل علينا مباشرة”.
نشرت هيومن رايتس ووتش في السابق تقريرا عن ضرب الشرطة لصحفيَيْن كانا يغطيان الاحتجاجات في يوليو/تموز وأوائل أغسطس/آب.
قال شهود إن الشرطة ضايقت غالبا الأشخاص الذين يحاولون تصوير الاحتجاجات. قال متظاهر في مدينة إربد الشمالية الذي وصف لقاء مع شرطي بملابس مدنية في 9 أغسطس/آب: “أوقفني رجل بملابس مدنية ويرتدي قناعا أسود على وجهه، دون أن يعرف بنفسه. طلب مني أن أسلمه هاتفي. فتح الهاتف، وتفحّص صوري، أول صورتين أو ثلاث، ثم غادر”.
قال أحد المتظاهرين إن السلطات احتجزتهم ليلتين. قالت مصادر لديها اطلاع مباشر على احتجاز ثلاثة متظاهرين آخرين إنهم على ما يبدو قيد الاحتجاز الإداري غير القضائي. بموجب هذا النظام، يمكن للمحافظين المحليين، وهم مسؤولون في وزارة الداخلية، احتجاز الناس بقرار أحادي وتعسفي، بدون أي مراجعة قضائية. زعم شخصان محتجزان أن السلطات ضغطت عليهما لتوقيع تعهدات تجبرهما على عدم المشاركة في الاحتجاجات القادمة، أو الإدلاء بأي تصريح تحت طائلة دفع غرامة تتراوح بين 20 ألف دينار أردني (28,200 دولار أمريكي) و50 ألف دينار (70,500 دولار).
قال المعلم من الكرك إن الشرطة اعتقلته خلال احتجاج 4 أغسطس/آب، واحتجزته ليلتين في عدة مراكز في الكرك وعمان. قال إنهم اتهموه بالتحريض على التظاهر وطلبوا منه أسماء المعلمين والأشخاص الآخرين الذين شاركوا في الاحتجاجات. قال: “جعلوني أبدو وأشعر أنني مجرم، أو إرهابي. أنا لست ناشطا، لا أشارك في أي شيء غير [مظاهرات المعلمين]”. قال إن السلطات أجبرته على توقيع تعهد بعدم المشاركة بأي تجمعات أخرى تحت طائلة دفع غرامة 20 ألف دينار (28,200 دولار).
قال قريب لمتظاهر آخر في إربد إن عناصر من الشرطة، قالوا إنهم من “الأمن وقائي”، أوقفوه في منزله في 2 أغسطس/آب. قال أيضا إن السلطات أخبرت الأسرة أنه نُقل إلى المحافظ المحلي، ما جعلهم يفترضون أنه في الحجز الإداري، لكنهم غير متأكدين من الأساس القانوني للاحتجاز.
قال محامي متظاهر محتجز من عمّان إن موكله قال إنه قيد الحجز الإداري بسبب “تجمع غير قانوني”، وإنه قدم طلبين كفالة لمكتب المحافظ. قال مصدر على اطلاع مباشر على احتجاز متظاهر آخر من عجلون إن المتظاهر رفض توقيع تعهد بعدم التظاهر، فاحتُجز. لكن المصدر لم يتمكن من الحصول على نسخة عن أمر الاحتجاز.
قال رجل من جرش إنه استُدعي إلى “إدارة البحث الجنائي” في 3 أغسطس/آب بسبب منشور على فيسبوك في 29 يوليو/تموز والذي دعم فيه الاحتجاجات. ذهب في اليوم التالي، فاحتجزته السلطات بسبب “التحريض على تجمهر غير قانوني”، لكن إحدى المحاكم أمرت بالإفراج عنه في نفس اليوم. قال إنه لاحقا في اليوم نفسه احتُجز إداريا عند المحافظ، واحتُجز ليلتين. أُفرِج عنه بعض توقيع والده تعهدا بأنه لن يدعم بعد ذلك نقابة المعلمين أو الاحتجاجات على مواقع التواصل الاجتماعي، تحت طائلة دفع غرامة 50 ألف دينار (70,500 دولار).
في 25 يوليو/تموز، وجّهت السلطات الأردنية اتهامات رسمية إلى أعضاء مجلس النقابة الـ 13. تضمنت لائحة الاتهامات، التي اطلعت عليها هيومن رايتس ووتش، أربع تهم غامضة منها، “التأثير على حرية الانتخاب”، و”التحريض على تجمهر غير مشروع”، و”تشجيع الغير بالخطابة والكتابة للقيام بأفعال غير مشروعة”، و”التحريض على الكراهية” بأي وسيلة كانت في المؤسسات التعليمية. في 23 أغسطس/آب، أفرجت السلطات عن قادة النقابة بعد شهر من احتجازهم.
قال قريب أحد المعلمين وعضو في الهيئة المركزية في نقابة المعلمين، الذي احتُجز في 2 أغسطس/آب، إن أسرته تفاجأت عندما علمت أنه ضمن قوائم الاستيداع في وزارة التربية، فيما يبدو انتقاما من أنشطته في النقابة. قال أيضا أن المعلم استُدعي من قبل المحافظ في 29 يوليو/تموز، يوم شهدت عمان احتجاجا ضخما، ووقّع تعهدا بعدم المشاركة بالاحتجاجات بعد ذلك. قال القريب إن المحافظ رفض طلب الإفراج بكفالة، ولا يزال المعلم محتجزا.
المادة 21 من “العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية”، الذي صادق عليه الأردن في 1975، تكفل حرية التجمع. يجوز للسلطات تقييد الحق في حرية التجمع للحفاظ على الصحة العامة، كما تقول السلطات الأردنية أنها فعلت، لكن فقط “بعد تقييم متمايز أو فردي لسلوك المشاركين والتجمع المعني. القيود الشاملة على التجمعات السلمية غير متناسبة”.
على الأردن رفع الحظر فورا عن المظاهرات وحماية حق الأردنيين بحرية التجمع بما يتماشى المخاوف الصحية. على السلطات أيضا الإفراج عن كل المحتجزين تعسفيا في الاحتجاز الإداري، ومراجعة القانون لإنهاء هذه الممارسة التعسفية.
قال بَيِج: “تذرّع الأردن بالصحة العامة لمنع جميع المظاهرات، هو ذريعة واضحة لإسكات المعارضة السلمية. لكن هذا القمع قد يُثير في الواقع غضبا أوسع ضد القرارات التعسفية للسلطات”.