في أعقاب تصاعد مثير للقلق في الهجمات على حرية التعبير، أنشأت المنظمات غير الحكومية اللبنانية ائتلافًا لمعارضة محاولات السلطات لخنق حرية التعبير.
تم نشر هذا البيان أولاً على موقع مؤسسة مهارات بتاريخ 13 تموز 2020
أعلنت 14 منظمة لبنانية ودولية عن تشكيلها لـ”تحالف للدفاع عن حرية التعبير في لبنان”، للوقوف بوجه محاولات السلطات اللبنانية لقمع حرية التعبير والرأي في البلاد.
وثّق أعضاء التحالف ارتفاعا مقلقاً في عدد الاعتداءات على حرية التعبير والرأي السلميين منذ التظاهرات الحاشدة في 2015، كما تصاعدت الاعتداءات إثر التظاهرات التي اندلعت وعمّت البلاد في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2019، حيث تم استدعاء ما لا يقلّ عن 60 شخصا للتحقيق معهم على خلفية منشوراتهم على وسائل التواصل الاجتماعي. في 15 يونيو/حزيران، نقلت الوكالة الوطنية للإعلام أن النائب العام التمييزي أصدر أمرا لأحد الأجهزة الأمنية بالتحقيق في التدوينات التي تطاول مقام الرئيس على وسائل التواصل، متذرّعاً بقوانين تُجرّم القدح والذمّ في البلاد، علماً أن عقوبة “إهانة الرئيس” – وفقاً للقوانين اللبنانية – قد تصل الى السجن لمدة سنتين.
وقال التحالف: “تقاعس سياسيو لبنان عن تأمين الاحتياجات الأساسية للمواطنين، وأهدرت ممارساتهم الفاسدة مليارات الدولارات من الأموال العامة، وبدلاً من العمل بمسؤولية تجاه مطالب المتظاهرين والتوجّه إلى المساءلة والمحاسبة، تشنّ السلطات حملة قمع ضد الذين يفضحون الفساد وينتقدون على وجه حقّ الإخفاقات الملحوظة للسلطة”.
رغم أنّ لبنان يُعتبر من البلدان الأكثر حرية في المنطقة العربية، تلجأ الشخصيات الدينية والسياسية ذات النفوذ بشكل متزايد إلى استخدام القوانين التي تُجرّم القدح والذمّ كأداة للانتقام من منتقديها وقمعهم. حيث تم، بشكلٍ خاص، استهداف الأشخاص الذين يقومون بانتقاد للوضع الاقتصادي والسياسي المتدهور في البلاد، وتحديداً كاشفي الفساد. إذ تبلغ حصيلة التحقيقات التي قامت بها السلطات اللبنانية بسبب التعبير السلمي منذ 2015 حتى اليوم، الآلاف.
لجأت النيابة العامّة والأجهزة الأمنية إلى سلوكيات غير ملائمة، وأحياناً غير قانونية، في معظم قضايا التعبير التي وثّقها أعضاء التحالف. في المقابلات التي قام بها التحالف، وصف الأشخاص مجموعة من تكتيكات الاستجواب النفسية والجسدية التي رأوا أنّها تقصّدت إذلالهم، ومعاقبتهم، وردعهم عن نشر محتوى يُعتبر مهيناً أو منتقدًا لأشخاص ذوي نفوذ.
كما لجأت النيابات العامة والأجهزة الأمنية التي تتولّى الاستجوابات إلى الضغط على الأشخاص لتوقيع تعهدات تلزمهم إمّا بعدم كتابة محتوى “تشهيري” ضدّ المدّعي في المستقبل أو بإزالة المحتوى فورًا، من دون السماح للمدعى عليهم باستشارة محام قبل مثولهم أمام المحكمة لتقديم دفاعهم؛ وفي بعض القضايا، حتى من دون توجيه اتهامات لهم. هذا في حين يؤكد المحامون اللبنانيون أنّ هذه التعهدات تفتقد إلى الأسس القانونية كونها تشكل تنازلاً عن ممارسة حقوق وحريات أساسية.
أضاف التحالف: “شكّلت قوانين تجريم القدح والذمّ في لبنان تأثيراً مثبطاً غير مقبول لحرية التعبير. كان للّجوء المتزايد إلى هذه القوانين والتحيّز الواضح من السلطات التي تتولّى هذه القضايا دوراً أساس في إنشاء بيئة معادية لحرية التعبير، ومنع الناس عن التعبير عن آرائهم بحرية”.
يضمن الدستور اللبناني، من ناحية، حرية التعبير “ضمن القيود التي يحددها القانون”. ومن ناحية أخرى، يجرّم قانون العقوبات اللبناني القدح والذمّ ضدّ المسؤولين العامين ويسمح بسجنهم حتى عام واحد في مثل هذه القضايا. كذلك، يسمح قانون العقوبات بالسجن حتى عامين لإهانة الرئيس وحتى ثلاثة أعوام لإهانة شعائر دينية. كما يجرّم قانون القضاء العسكري إهانة العلم أو الجيش اللبناني، وتصل العقوبة حتى ثلاث سنوات في السجن. في ظل هذه التناقضات، قالت المنظمات المشكّلة للتحالف إنّ القوانين التي تسمح بالسجن بسبب انتقاد سلمي للأفراد أو المسؤولين الحكوميين لا تتماشى مع التزامات لبنان الدولية بحماية حرية التعبير.
يناقش البرلمان حالياً اقتراح قانون جديد للإعلام بهدف تعديل أحكام القدح والذمّ لتشمل المحتوى المنشور. أعرب التحالف عن مخاوفه عمّا إذا ما أُخذت فعلًا المشاورات مع المجتمع المدني حول اقتراح القانون بعين الاعتبار، وعن قلقه بشأن أحكام في اقتراح القانون تقيّد حرية التعبير بشكلٍ خطير. رأى التحالف أنّ اقتراح القانون، إذا أُقِرّ، سيؤدي إلى تراجع أكبر في حماية حرية التعبير في لبنان.
حتى تاريخ اليوم، يرفض البرلمان مشاركة أحدث نسخة لاقتراح القانون مع أعضاء التحالف، على الرغم من الوعود المتكرّرة للنوّاب بإشراك المجتمع المدني في عملية صياغة القوانين. كما أن اجتماعات اللجان البرلمانية المكلّفة بمراجعة اقتراح القانون وتعديله هي أيضا غير مُعلنة أو مفتوحة أمام العموم. الّا أن أعضاء التحالف تمكنوا من الحصول على نسخة مسربة وغير رسمية لاقتراح قانون الإعلام الذي عُدّل في أبريل/نيسان 2019. ورغم أنّ هذه النسخة تحظر الحبس الاحتياطي لجميع جرائم النشر، بما فيها تلك على وسائل التواصل الاجتماعي، إلا أنها لا تُلغي عقوبة السجن للقدح والذمّ المزعومين، وتزيد في بعض الحالات عقوبة السجن وتُضاعف الغرامات.
بناءً على ما ذُكر، طالب التحالف النيابات العامة والأجهزة الأمنية في لبنان بوقف الاستدعاءات إلى التحقيق على خلفية ممارسة حرية التعبير وكشف الفساد، وعدم تجاوز صلاحياتها عبر إلزام المستمع إليهم بإزالة منشوراتهم أو توقيع تعهدّات غير قانونية قبل حصولهم على محاكمة عادلة.
كما طالب مجلس النواب بإلغاء السرية عن مناقشات القوانين في اللجان النيابية، ومن ضمنها مناقشة اقتراح قانون الإعلام. وطالب مجلس النواب بتعديل اقتراح قانون الإعلام لملاءمته مع التزامات لبنان بموجب القانون الدولي، بما في ذلك:
- إلغاء تجريم القدح والذمّ والإهانات، بحيث تقتصر على المسؤولية المدنية ولا تترتّب عليها أي عقوبات سجن
- عدم منح الشخصيات العامّة، بمَن فيهم الرئيس، حماية خاصّة من القدح والذمّ أو الإهانة. إذ لا يكفي مجرّد اعتبار أشكال التعبير مهينة لشخصية عامة لتبرير فرض العقوبات. جميع الشخصيات العامة عرضة للانتقاد والمعارضة السياسية بشكل شرعي، ويجب أن يعترف القانون بصراحة بالمصلحة العامة في انتقاد الشخصيات والسلطات العامة.
- منع المؤسسات الحكومية، بما فيها الجيش والأجهزة الأمنية، من رفع دعاوى قدح وذمّ.
- النصّ على أنّ الحقيقة ستكون الدفاع الفاصل في قضايا القدح والذمّ، بغضّ النظر عن الشخص المستهدف. ففي قضايا المصلحة العامة، يكفي أن يكون المدّعى عليه قد تصرّف بالعناية الواجبة لإثبات الحقيقة.
- إلغاء تجريم التجديف والقدح والذمّ أو الإهانات ضدّ الدين.
- حصر التجريم فقط بالتصريحات التي ترقى إلى التحريض على العنف أو الكراهية أو التمييز على أساس قومي أو عرقي أو ديني. كما أن يحدّد القانون بوضوح معنى كلّ من هذه المصطلحات، مستعيناً بـ”خطّة عمل الرباط” كدليل توجيهي.
- إلغاء جميع متطلّبات ترخيص الصحافيين، والحصول على الإذن المسبق للمنشورات. كما يجب ألا تكون الرسوم والشروط لتخصيص الترددات لوسائل البث شاقة ومكلفة، وأن تكون معايير تطبيق هذه الشروط والرسوم معقولة، وموضوعية، وواضحة، وشفافة، وغير تمييزية.
- إخراج المدنيين، وجميع القاصرين، من صلاحية القضاء العسكري.
وقال التحالف: “في هذه المرحلة الحرجة للبلاد، يحتاج لبنان إلى قوانين تحمي الأشخاص الذين يفضحون الفساد وسوء السلوك بدلاً من معاقبتهم. يتعيّن على البرلمان، فوراً، أن يجعل قانون الإعلام متماشيًا مع القانون الدولي وأن يمنح الأولوية لإلغاء تجريم القدح والذم والإهانات”.