مع استخدام العنف ضد المتظاهرين في لبنان، يؤكد مركز الخليج لحقوق الإنسان على ضرورة وفاء السلطات بالالتزامات القانونية التي تفرض حمايـة الحق في التجمع السلمي.
تم نشر هذا المقال أولاً على موقع مركز الخليج لحقوق الإنسان بتاريخ 27 تشرين الاول 2019
بقلم مدافعة حقوق الإنسان والأكاديمية الدكتورة خلود الخطيب
يحمي القانون الدولي ويعزز احترام حقوق الإنسان، والتي هي حقوق مترابطة وغير قابلة للتجزئة. لا يمكن حماية أي حق إنساني واحد دون ضمان احترام الحق في حرية الرأي والتعبير والحق في التجمع السلمي. أن هذا بحاجة لتطبيقه في لبنان، حيث تدخل اليلاد الأسبوع الثاني من الاحتجاجات ضد فساد الحكومة والأزمة الاقتصادية المتفاقمة. لقد بدأت الاحتجاجات، التي أطلق عليها اسم “ثورة الضرائب” و “ثورة الواتس آب”، بعد أن فرضت الحكومة الضريبة على الغاز والتبغ واتصالات الواتس آب.
وفقًا للأبحاث التي أجراها مركز الخليج لحقوق الإنسان، فإن لبنان ملزم قانوناً باحترام حقوق المتظاهرين، الذين سئموا من حكومة غير فعالة تقدم خدمات سيئة.
أنه من المستحيل حماية حق الإنسان في الحياة والأمان، حقه في العمل، حقه في المساواة أمام القانون، حقه في عدم التعرض للتمييز، حظر التعذيب والمعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، وجملة من الحقوق الأخرى، دون حماية حق الأفراد والجماعات في التعبيرعن رفضهم لحكومة قائمة لا نحترم حقوقهم الأساسية، وتفعيل قدرتهم على محاربة الفساد وتكريس الحق بالوصول إلى المعلومات والمحاسبة.
إن مجموعة الحقوق المرتبطة بتحقيق الكرامة الانسانية ترتبط بشكل مباشر بحرية الرأي والتعبير وخاصة الحق في التجمع السلمي، وتشكل أدواتاً أساسية لتصويب أداء السلطة وتعزيز المواطنة والمشاركة السياسية للمواطنين. تكون هذه الحقوق مصانة بموجب الشرعة الدولية لحقوق الإنسان ويعزّز الالتزام بها انضمام لبنان إلى العديد من الاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، كما يحميها الدستور والقانون اللبناني. أن هذا الالتزام يستوجب على الحكومة أن تضمن تعامل قوات الأمن مع المتظاهرين بما يتوافق مع التزامات لبنان الدولية فيما يتعلّق بحقوق الإنسان، عبر حماية ممارسة الحق في التجمع السلمي. وباعتبار لبنان طرفاً في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، فإنه ملتزم باتخاذ كل التدابير الضرورية الهادفة لحماية حق المتظاهرين في التجمع السلمي.
التزام لبنان القانوني بحماية الحق في التجمع السلمي
يضمن الإطار القانوني الدولي والوطني المعمول به في لبنان الحق في الحياة، الحق في الحرية، سلامة الأشخاص، كذلك حق المواطنين في حرية التعبير والتجمع السلمي.
أن التجمّع السلمي هو حق أساسي من حقوق الإنسان يتمتّع فيها جميع الأفراد والجماعات ولا يُمكن فصله عن الحريات العامة، وهو حق وجوهري لحماية مجتمع تعددّي. ويُشّكل الحق في حرّية التجمّع السلمي عنصراً جوهرياً من عناصر الديمقراطية، ولا يجوز أن توضع قيود على ممارسة هذا الحق إلا تلك التي تُفرض طبقا للقانون على أن تشّكل تدابير ضرورية، لصيانة الأمن، السلامة العامة أو النظام، حماية الصحة العامة أو الآداب العامة، أو حماية حقوق المواطنين.
تنصّ المادة 20 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنه، “لكل شخص الحق في حرية الاشتراك في الاجتماعات والجمعيات السلمية.” كما تضمن المادة 21 من العهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الحقّ في التجمع السلّمي.أن المادة 13 من الدستور اللبناني تضمن حرية التعبير، قولاً وكتابةً، وكذلك حرية التجمع وتكوين الجمعيات.
عمل الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون أثناء التظاهرات
يستند الأمن أيضاً إلى عدد من الصكوك الدولية، بما في ذلك مبادئ الأمم المتحدة بشأن استخدام القوة والأسلحة النارية من قبل موظفي إنفاذ القانون ومدونة الأمم المتحدة لقواعد سلوك الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون.
يتطلب هذا الإطار القانوني من الحكومة ليس فقط السماح بتسهيل التجمعات، ولكن أيضاً لتمكين تنظيمها، واتخاذ جميع تدابير الحماية للمتظاهرين، واتخاذ خطوات ملموسة لمنع إنتهاكات حقوق الإنسان أثناء المظاهرات، وضمان المساءلة، وتهيئة بيئة مواتية لجميع الأفراد والجماعات لممارسة حقهم في التجمع السلمي وحرية التعبير.
ترّتب الصكوك والآليات الدولية التزامات على الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون واجب إحترام الحقوق، أي أن يمتنعوا عن التدخل دون سبب مشروع (على سبيل المثال تقييد الحرية، فض التظاهر السلمي) وواجب حماية الحقوق، أي أن تتخّذ تدابير تمنع إنتهاكات حقوق الإنسان(الامتناع عن استخدام القوة المفرطة). أن هذا يعني عملياً أنه على قوى الأمن أن تضمن التوازن بين الحفاظ على الأمن والحق في التجمّع أثناء التظاهر، فتتخّذ التدابير اللازمة للحفاظ على “الحق في التجمّع السلمي” بشكلٍ إيجابي أثناء المظاهرات وأن تراعي مبادئ “الضرورة والتناسب والقانونية المشروعية.”
منذ بدء الاحتجاجات في لبنان في 17 أكتوبر/تشرين الأول، تعطلت البلاد مع إغلاق الطرق وإغلاق جميع الشركات والبنوك. لقد كانت الاحتجاجات سلمية إلى حد كبير في جميع أنحاء البلاد، ولكن بعض أعمال العنف ضد المتظاهرين أدت إلى العديد من الوفيات والإصابات. في عطلة نهاية الأسبوع الأولى من الاحتجاجات، تم اعتقال أكثر من مائة محتج، لكن تم إطلاق سراحهم في اليوم التالي. وفقاً للتقارير الإخبارية، لقد أصيب بعضهم بإصابات مختلفة.
في الوقت الذي قدمت فيه الحكومة بعض التنازلات للمتظاهرين، مثل إلغاء الضريبة المقررة على مكالمات الواتس آب، وتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية التي تشمل الفعاليات الحكومية ووقف الزيادات، بقي المحتجون في الشوارع ودعوا الحكومة بأكملها إلى الاستقالة، وليس فقط عدداً قليلاً من الوزراء.
يدعو مركز الخليج لحقوق الإنسان، السلطات في لبنان إلى احترام إلتزاماتها الدولية وعلى وجه الخصوص مايلي:
1. الإيفاء بالتزاماتها الدولية في حماية حريات التجمع والتعبير، من خلال السماح للمتظاهرين بالتجمع السلمي دون خوف من القمع أو الاعتقال، وضمان تشغيل وسائل الإعلام بحرية وعدم حظر الوصول إلى الإنترنت؛
2.عدم استخدام القوة المفرطة من قبل كافة القوات الأمنية والافراد الآخرين ضد المتظاهرين السلميين؛
3. عدم توقيف أو اعنقال أي من المتظاهرين السلميين؛ و
4. ضمان أن جميع المدافعين عن حقوق الإنسان في لبنان والذين يقومون بعملهم المشروع في الدفاع عن حقوق الإنسان، قادرون على العمل بدون مواجهة للقيود بما في ذلك المضايقة القضائية.