في عدد خاص بالعام الجديد من موجز آيفكس الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يبحث نسيم طراونة في الجهود العالمية الرامية إلى محاسبة إسرائيل على جرائمها ضد الفلسطينيين
لطالما أدركت آيفكس بأنه يجب معالجة مناخ الإفلات من العقاب على الانتهاكات من أجل الحفاظ على الحق في حرية التعبير والمعلومات. لا يزال الصحفيون والأصوات المؤيدة للفلسطينيين يواجهون تهديدات متزايدة، في الوقت الذي تعقد فيه محكمة العدل الدولية التابعة للأمم المتحدة جلسات استماع بشأن الإبادة الجماعية التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي في غزة. يقدم ذلك لمحة عن التحديات المقبلة، داخل المحاكم وخارجها، في السعي لتحقيق العدالة بشأن الجرائم المرتكبة ضد المدنيين والصحفيين، والحق في الوصول إلى المعلومات.
تسعى معظم مجتمعات حقوق الإنسان في العالم إلى التنظيم حول السبل القانونية لمحاسبة إسرائيل، مع تجاوز عدد القتلى اليومي للفلسطينيين في الحرب الإسرائيلية على غزة عدد القتلى في أي صراع رئيسي آخر في القرن الحادي والعشرين، بالإضافة إلى تجويع الناجين النازحين وسط الهجمات المستمرة.
بدأ العام بقضية جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية، في صدارة الجهود الرامية إلى مكافحة إفلات إسرائيل من العقاب.
استحوذت جلسات الاستماع العامة، التي استمرت لمدة يومين، على اهتمام عالمي، حيث قدم الممثلون القانونيون لجنوب إفريقيا قضية موثقة جيدًا، توضح كيف تعكس كلمات وأفعال الحكومة الإسرائيلية في غزة نية ارتكاب الإبادة الجماعية. رفضت إسرائيل هذه الاتهامات ووصفتها بأنها “مريعة ومنافية للعقل”، كما قالت إن هجماتها على سكان القطاع، والتي أسفرت حتى الآن عن مقتل أكثر من ٢٥ ألف شخص ( ٧٠٪ نساء وأطفال)، كانت موجهة ضد حماس وليس المدنيين.
أعلنت أكثر من ١٥٠٠ منظمة في جميع أنحاء العالم عن دعمها لقضية جنوب أفريقيا، بمساندة من العديد من البلدان بما فيها تركيا، والأردن، والبرازيل، وكولومبيا، وبوليفيا، وباكستان، وماليزيا، والدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي التي يبلغ عددها ٥٧ دولة.
“تفتح قضية الإبادة الجماعية التي رفعتها جنوب أفريقيا الباب لعملية قانونية أمام أعلى محكمة في العالم للتدقيق بمصداقية في سلوك إسرائيل في غزة، على أمل وقف المزيد من المعاناة.”
بلقيس جراح، مديرة مساعدة لشؤون العدالة الدولية في هيومن رايتس ووتش.
ماذا بعد؟
يشير المراقبون إلى أنه على الرغم من أن إصدار الحكم النهائي بشأن هذه المسألة قد يستغرق بعض الوقت، فمن المرجح أن تصدر محكمة العدل الدولية إجراءات طارئة للدعوة إلى وقف الأعمال العدائية عند البت في القضية.
تضمن ملف جنوب أفريقيا، المؤلف من ٨٤ صفحة، لدى محكمة العدل الدولية عدة إجراءات مؤقتة ضد إسرائيل يمكن إصدارها “للحماية من الأضرار الجسيمة وغير القابلة للإصلاح لحقوق الشعب الفلسطيني”، وتشمل هذه التدابير الوقف الفوري لهجومها على غزة، ووقف التهجير القسري للفلسطينيين، وتيسير وصول المساعدات الإنسانية، والحفاظ على الأدلة.
في حين لا يمكن استئناف قرارات محكمة العدل الدولية، إلا أن المحكمة تفتقر إلى آليات التنفيذ، كما إنها فشلت في فعل أي شيء لوقف النزاعات، حيث يتم تجاهل أحكامها في بعض الأحيان، كما هو الحال في الحكم الصادر عام ٢٠٢٢ والذي تضمن أمر روسيا بتعليق العمليات العسكرية في أوكرانيا على الفور. علاوة على ذلك، فإن قضاة المحكمة ما زالوا خاضعين لضغوط النفوذ السياسي من حكومات بلادهم، على الرغم من استقلالهم. من المتوقع أن تلعب الولايات المتحدة – الحليف الأقرب لإسرائيل والداعم الأقوى لها – دورًا محوريًا في تحديد مدى فعالية أي عقوبات أو إجراءات محتملة ضد إسرائيل.
لا يزال هناك أمل كبير في إصدار أوامر مؤقتة بوقف الحملة العسكرية الإسرائيلية. لكن بغض النظر عن قرار المحكمة، فإن قضية جنوب أفريقيا تمثل خطوة تاريخية ورمزية، بلا شك؛ حيث ساهمت في تحول نظرة العالم تجاه القمع الذي تمارسه إسرائيل ضد الفلسطينيين، كما أنها أثارت المزيد من الدعوات للمطالبة بالعدالة.
فعلا، لو كان قوس العالم الأخلاقي طويلًا، فإن جنوب أفريقيا قد بادرت إلى تطويعه نحو العدالة.
فضح جرائم الحرب والجرائم ضد الصحفيين
يتطلع العالم أيضًا إلى المحكمة الجنائية الدولية باعتبارها وسيلة محتملة للمساءلة، حيث تتولى المكسيك وتشيلي قيادة التحقيق الذي تجريه المحكمة الجنائية الدولية في جرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل في غزة.
أن إسرائيل ليست عضوا في المحكمة الموجودة في لاهاي، ولا تعترف باختصاصها القضائي، كما أنها أنكرت سلطتها في تحقيق سابق، لذ ينصب تركيز المحكمة على محاكمة الأفراد بتهمة ارتكاب جرائم حرب بدلا من محاكمة الدول، ويمكن أن توفر وسيلة لتأمين تحقيق العدالة للضحايا ومحاسبة الجناة.
زار كريم خان، المدعي العام للمحكمة، إسرائيل ورام الله في الضفة الغربية المحتلة في ديسمبر/كانون الأول، وأعلن أن أولوية المحكمة هي التحقيق في الجرائم المزعومة التي ارتكبها مقاتلو حماس والقوات الإسرائيلية منذ ٧ أكتوبر/تشرين الأول.
في المملكة المتحدة، زعمت مجموعة المناصرة، المركز الدولي للعدالة للفلسطينيين (ICJP) ارتكاب إسرائيل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في غزة، وقدمت ملفًا مكونًا من ٧٨ صفحة إلى شرطة العاصمة في لندن. تزعم الشكوى الجنائية المرفوعة ضد مسؤولين بريطانيين كبار تواطؤهم في جرائم حرب مرتكبة في غزة، وتشير إلى تورط مواطنين بريطانيين سافروا إلى إسرائيل للمشاركة في حملتها العسكرية.
تتضمن أدلة المركز الدولي للعدالة للفلسطينيين شهادات شهود عيان، وأدلة فوتوغرافية تظهر الهجمات على المدنيين، والبنية التحتية المدنية مثل المستشفيات والمباني الثقافية، واستخدام المجاعة كسلاح، واستخدام إسرائيل للفسفور الأبيض ضد المدنيين.
تحول الاهتمام إلى المساءلة عن وفاة الصحفيين، خاصة مع استمرار ارتفاع عدد القتلى غير المسبوق من بين صفوفهم في غزة؛ إذ تجاوز عدد الضحايا خلال فترة ثلاثة أشهر عدد الضحايا في أي بلد آخر في عام كامل.
كان الصحفيون الفلسطينيون عيون وآذان الحرب الإسرائيلية على غزة، وكان لهم دور فعال في توثيق جرائم الحرب العديدة التي تُرتكب.
“يمكنكم أن تفكروا في الأمر على أنها إبادة جماعية للصحفيين؛” نسبة إلى الصحفية شروق أسعد من نقابة الصحفيين الفلسطينيين في مقابلة أجريت معها مؤخرًا، وأضافت “إنها مذبحة”.
يعد عمل النقابة ضروريًا في الحفاظ على إحصاء دقيق للقتلى من الصحفيين والعاملين في الإعلام، بالإضافة إلى توفير الدعم لمساعدة الزملاء في غزة على البقاء على قيد الحياة، والعمل مع المنظمات الأخرى لإعداد الملفات القانونية للمحكمة الجنائية الدولية، من خلال عملهم في الميدان بشكل أقرب من نظرائهم الدوليين.
تمكنت منظمة مراسلون بلا حدود من الحصول على تأكيدات من خان بأن تحقيق المحكمة الجنائية الدولية سيشمل التحقيق في الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين.
أشار مكتب المدعي العام في بيانه إلى “قيام مكتب المدعي العام بفحص الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين، من بين جرائم محتملة أخرى، كجزء من التحقيق الجاري في الوضع في فلسطين، ويجب دعم أهداف منظمة مراسلون بلا حدود وإجراءاتها لأنها ذات أهمية بالغة في غزة وأماكن أخرى. يتمتع الصحفيون بحماية القانون الإنساني الدولي، ونظام روما الأساسي، ويجب ألا يتم استهدافهم تحت أي ظرف من الظروف أثناء ممارستهم لمهامهم الهامة.”
دعت لجنة حماية الصحفيين إلى إجراء تحقيق مستقل في مقتل الصحفيين حمزة دحدوح ومصطفى ثريا في ٧ يناير/كانون الثاني، في غارة جوية إسرائيلية بطائرة بدون طيار على سيارتهما.
“يجب إجراء تحقيق مستقل في مقتل حمزة الدحدوح ومصطفى ثريا وإخضاع المسؤولين عن قتلهما للمساءلة. يجب أن ينتهي القتل المستمر للصحفيين وأفراد عائلاتهم على يد الجيش الإسرائيلي، فالصحفيون مدنيون وليسوا أهدافًا”
شريف منصور، منسق برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في لجنة حماية الصحفيين
في أعقاب مقتل الصحفيين، حثت مراسلون بلا حدود مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على تطبيق القرار ٢٢٢٢، الذي يطالب الدول باتخاذ تدابير لحماية الصحفيين والإعلاميين، ليس فقط باعتبارهم أفرادًا من السكان المدنيين، ولكن أيضًا بسبب وظيفتهم الاجتماعية الخاصة. يحمي القرار حق المدنيين في حرية التعبير من خلال البحث عن المعلومات، وتلقيها، ونشرها، سواء عبر الإنترنت أو خارجها.
واجه العاملون في مجال الإعلام الفلسطيني، وخاصة في الضفة الغربية المحتلة، “موجة قياسية من الاعتقالات” حيث اعتقلت إسرائيل ما لا يقل عن ٣٨ صحفيًا فلسطينيًا منذ ٧ أكتوبر/تشرين الأول.
وفقًا لمنظمة مراسلون بلا حدود، يتم احتجازهم في معظم الحالات دون توجيه تهم إليهم، ومن الواضح أن الاعتقالات تتم “بهدف متعمد وهو إسكات وسائل الإعلام الفلسطينية.”
في الولايات المتحدة، دعت ست مجموعات حقوقية، من ضمنها مراسلون بلا حدود، ولجنة حماية الصحفيين، وهيومن رايتس ووتش، الرئيس بايدن إلى حماية الصحفيين وحرية الصحافة. لكن يشير رفض بايدن المستمر للدعوة إلى وقف إطلاق النار لحماية أي مدنيين، ودعم إدارته المطلق لتصرفات إسرائيل في غزة، إلى أن مثل هذه الدعوات من المرجح أن تقع على آذانٍ صماء.
قدمت نقابة الصحفيين الفلسطينيين أيضًا مذكرة ودية إلى محكمة اتحادية أمريكية لمنع المزيد من الدعم العسكري والدبلوماسي لإسرائيل في وسيلة لإبراز الاستهداف غير المسبوق والممنهج للصحفيين وعائلاتهم في غزة.
قال رئيس نقابة الصحفيين الفلسطينيين ناصر ابو بكر: ” نحث زملائنا في جميع أنحاء العالم والمنظمات المكرسة لحماية الصحفيين على تكثيف الجهود، ورفع أصواتهم، واتخاذ خطوات هادفة لضمان سلامة ورفاهية الصحفيين الفلسطينيين الذين يواجهون تهديدات لا هوادة فيها”وأكمل “إن الصمت أو التقاعس في مواجهة هذه المخاطر لن يؤدي إلا إلى إدامة الاعتداء على الحقيقة وحقوق الإنسان.”
[ترجمة: اتخذت نقابة الصحفيين الفلسطينيين خطوة مهمة، حيث قدمت مذكرة ودية للمحكمة الفيدرالية الأمريكية لتسليط الضوء على النمط المروع للهجمات الإسرائيلية المستهدفة والقاتلة على الصحفيين الفلسطينيين وسط الإبادة الجماعية المستمرة في غزة. ]
[ترجمة: تقدم نقابة الصحفيين الفلسطينيين موجزًا وديا للمحكمة في دعوى الإبادة الجماعية الأمريكية ضد بايدن. البيان، مذكرة نقابة الصحفيين الفلسطينيين الودية]
عمالقة التكنولوجيا يخمدون الأصوات الفلسطينية
من المرجح أن يشهد هذا العام أيضًا جهودًا متضافرة لمحاسبة شركات التكنولوجيا ومنصات التواصل الاجتماعي على دورها النشط في إسكات الأصوات الفلسطينية المؤيدة للفلسطينيين.
فصّل تقرير حديث لمنظمة هيومن رايتس ووتش كيف أظهرت سياسات وأنظمة الإشراف على المحتوى في ميتا “نمطًا من الإزالة غير المبررة وقمع التعبير المحمي”، والذي يتضمن التعبير الحر السلمي دعمًا لفلسطين، فضلًا عن النقاش العام حول حقوق الإنسان الفلسطينية.
يسلط التقرير المكون من ٥١ صفحة الضوء على سياسات ميتا المعيبة، والتنفيذ غير المتسق، والاعتماد على الأدوات الآلية للإشراف على المحتوى، والنفوذ الحكومي الذي يؤدي إلى الرقابة المنهجية على المحتوى الفلسطيني، من خلال فحص ١٠٥٠ حالة من حالات الرقابة على الإنترنت في ٦٠ دولة.
وفقًا للتقرير، شهدت العديد من الحالات الموثقة قيام شركة ميتا بتطبيق سياسة “الأفراد والمنظمات الخطرة” (DOI) التي تعتمد كليًا على قوائم “المنظمات الإرهابية” التي حددتها الولايات المتحدة.
لم تكن نتائج التقرير مفاجئة، فهي تركز عن الدور المتنامي الذي تلعبه شركات التكنولوجيا الكبرى في تمكين اضطهاد الفلسطينيين، والحفاظ على نظام الفصل العنصري الإسرائيلي، والذي أصبح يخضع بشكل متزايد للتدقيق من قبل جماعات حقوق الإنسان والناشطين، والتقنيين، وحتى العاملين في مجال التكنولوجيا.
من المتوقع أن يتعامل مجلس الرقابة التابع لشركة ميتا مع “الحالات العاجلة” لحذف المحتوى هذا العام، لكن سجل الشركة يكشف عن عدم إحراز تقدم حقيقي في معالجة سياسات الإشراف على المحتوى المعيبة وغير المتسقة، خاصة في السياق الفلسطيني.
إن التواطؤ في إدامة الأضرار في العالم الحقيقي، بدءًا من الفشل في معالجة خطاب الكراهية، والمعلومات المضللة، والمعلومات الخاطئة التي تؤثر بشكل غير متناسب على الأصوات الفلسطينية والاصوات المؤيدة للفلسطينيين، بالإضافة إلى فرض رقابة نشطة على المحتوى، وحظر حسابات المستخدمين، سوف يجذب دعوات عالمية للمساءلة داخل الصناعة خلال الأشهر المقبلة بلا شك.
أشار المركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي (حملة) في تقريره السنوي إلى أن شركات التواصل الاجتماعي، وخاصة منصات ميتا، متهمة بتقييد المحتوى الفلسطيني منذ فترة طويلة، لكن الأدلة تشير إلى تكثف هذه السياسات خلال عام ٢٠٢٣. سلطت حملة الضوء على أن عمليات إزالة المحتوى وممارسة “الحظر الخفي” للمستخدمين الذين ينتقدون إسرائيل أو يعبرون عن التضامن الفلسطيني”ارتفعت إلى مستويات غير مسبوقة” خلال الحرب على غزة.
أخيرًا، فإن استهداف إسرائيل واسع النطاق للبنية التحتية للاتصالات في قطاع غزة – وهو انتهاك للقانون الدولي لحقوق الإنسان – يخضع أيضًا لتدقيق متنامي.
إن التدمير واسع النطاق لشبكات الاتصالات، والذي شمل تقارير عن مقتل فنيين من شركة الاتصالات الفلسطينية أثناء محاولتهم إصلاح برج خلوي مستهدف، قد أدخل غزة في انقطاع واسع النطاق وغير مسبوق للاتصالات.
كما يشير التقرير: “إن الاستهداف المتعمد لشبكات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وشبكات الاتصالات يعزل الفلسطينيين عن العالم الخارجي، ويؤثر على تدفق المعلومات. نتيجة لذلك، يتم استخدام الوصول إلى الإنترنت كسلاح لإسكات الفلسطينيين، ومنع توثيق الواقع على الأرض.”