أكتوبر/ تشرين الأول ٢٠٢٤ في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: تقرير موجز عن حرية التعبير والفضاء المدني، من إعداد نسيم طراونة، محرر آيفكس الإقليمي، استنادًا على تقارير أعضاء آيفكس والأخبار من المنطقة.
يستهدف العنف المتصاعد الصحفيين في لبنان وغزة، في نفس الوقت الذي تقيد فيه الشبكات المتضررة الوصول إلى المعلومات المنقذة للحياة؛ فشل مشروع القانون في معالجة الاعتقالات التعسفية في مصر؛ وتزايد الإعدامات في المملكة العربية السعودية؛ بالإضافة إلى التصدي للإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين السوريين.
“بدون المساءلة، لن تكون هناك خطوط حمراء أو نهاية للمأساة”
تصاعدت وتيرة الاعتداءات على الصحفيين في لبنان وغزة، في الأسابيع الأخيرة، وسط تنامي مناخ إفلات إسرائيل من العقاب. أدت الغارة الجوية الإسرائيلية التي وقعت في ٢٥ أكتوبر/تشرين الأول، والتي أسفرت عن مقتل ثلاثة إعلاميين في دار الضيافة في حاصبيا في لبنان، إلى تضخيم دعوات المساءلة والتحقيق في جرائم الحرب المحتملة، بالإضافة إلى حماية الصحفيين الذين يعملون في ظل ظروف مروعة.
أصابت الغارة الجوية، التي أودت بحياة غسان نجار، ومحمد رضا من قناة الميادين، ووسام قاسم من قناة المنار، منشأة تضم ١٨ إعلاميًا أثناء نومهم، على الرغم من الشارات الصحفية الواضحة. يبدو أن الهجوم يهدف إلى إسكات أصوات الإعلاميين، مثيرًا مخاوف الصحفيين في لبنان وفلسطين.
“هذه الجرائم بحق الصحافيين لا يمكن أن تبقى دون حساب، والصمت الدولي يعرض حياة مزيد من الصحافيين والمدنيين للخطر الشديد. الغاء صوت الإعلام في الحروب يمهد لجرائم كبرى بحق الإنسانية.” – مؤسسة مهارات
أبرز تقرير جديد، صادر عن مؤسسة مهارات، ما يواجهه الصحفيون اللبنانيون من اعتداءات وعوائق تحد من وصولهم إلى المعلومات، مسلطًا الضوء على الحاجة الملحة للمساءلة وتوفير الحماية لأولئك الذين يقدمون تغطية حيوية.
[ ترجمة: أدت غارة إسرائيلية إلى مقتل ثلاثة صحفيين/إعلاميين في حاصبيا اللبنانية – اثنان منهما في قناة الميادين، وواحد في قناة المنار، التابعة لحزب الله. أفادت التقارير أن أكثر من عشرة صحفيين كانوا متواجدين هناك. مع وجود علامات صحفية واضحة. يعرض مراسل تلفزيون لبنان الجديد، وهو مغطى بالغبار، مشاهد الدمار.]
لا تزال العدالة بعيدة المنال بالنسبة لمراسل وكالة رويترز، عصام عبد الله، الذي استهدفته القوات الإسرائيلية أثناء تغطيته الصحفية في جنوب لبنان قبل عام. أكدت ستة تحقيقات مستقلة، بما فيها تحقيق أجرته منظمة مراسلون بلا حدود، أن الصحفي كان مستهدفًا من قبل الجيش الإسرائيلي. ذكرت شقيقه عصام في مقابلة أجريت معها مؤخرًا: “لا أشعر أبدأ بأن عصام يحصل على نصف العدالة التي يستحقها”.
في غزة، أسفرت الحرب الإسرائيلية عن مقتل أكثر من ١٨٠ صحفيًا، وإغلاق وتدمير ٣٤ مؤسسة إعلامية فلسطينية، بالإضافة إلى مئات الانتهاكات الموثقة ضد الإعلاميين، وسط حصيلة مروعة من القتلى. ترى جماعات المناصرة إن هذه الاعتداءات تعكس نمطًا أوسع من الإفلات من العقاب، مما يعزز من جرأة العنف، ويزيد من تعرض الصحفيين للخطر.
اتهمت القوات الإسرائيلية ستة صحفيين بالانتماء إلى حركتي حماس والجهاد الإسلامي، من بين أولئك الذين وردت أسماؤهم: طلال محمود، وأنس الشريف، وحسام شبات، جميعهم صحفيون شهدوا مؤخرا جرائم الحرب المستمرة التي ترتكبها إسرائيل خلال عملياتها العسكرية الأخيرة في شمال غزة، حيث يتم تجويع السكان المدنيين، وتهجيرهم، وقتلهم عمدًا في محاولة تطهير القطاع.
رفضت المنظمات المعنية بحرية الصحافة الادعاءات الموجهة ضد الصحفيين، واصفة إياها بأنها غير مثبتة وتنطوي على خطورة لأنها تعرض حياة الصحفيين لخطر كبير. واجه مراسل الجزيرة، إسماعيل الغول، اتهامات مماثلة قبل أن يُقتل في غارة إسرائيلية، حيث أشار تحقيق أجرته منظمة مراسلون بلا حدود إلى وجود تناقضات في الوثائق المستخدمة لتبرير الاتهامات.
[ترجمة: مدير لجنة حماية الصحفيين يقول إن وثائق الجيش الإسرائيلي التي تدعي أن الصحفيين إرهابيين “لا تبدو موثوقة”]
على أرض الواقع، يكافح المراسلون المحليون للبقاء على قيد الحياة أثناء قيامهم بعملهم، بينما لا يزال وصول الصحفيين الأجانب مقيدًا.
تساهم القيود المفروضة على وصول الصحفيين الأجانب، والظروف التي تهدد حياة المراسلين الصحفيين المحليين في تفاقم المخاطر. تواصل منظمات حقوق الإنسان الدعوة إلى< وصول وسائل الإعلام المستقلة إلى غزة، مناشدة الدول الأعضاء في الأمم المتحدة على المطالبة بوقف فوري لإطلاق النار، ووضع حد لإفلات إسرائيل من العقاب، محذرة من أنه “بدون المساءلة، لن تكون هناك خطوط حمراء أو نهاية للمأساة“.
تحتفي آيفكس باليوم الدولي لإنهاء الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين لعام ٢٠٢٤ بالتركيز على إفلات إسرائيل من العقاب، ونشاطات أعضاء الشبكة خلال العام الماضي. للمزيد، اقرأوا هنا.
تقيد الشبكات المتضررة بشدة الوصول إلى المعلومات المنقذة للحياة
أدى القصف الإسرائيلي إلى تعطيل شبكات الاتصالات بشكل كبير، مما أدى إلى عزل السكان، وإعاقة الوصول إلى المعلومات، بالإضافة إلى ارتفاع عدد الضحايا، وتكثيف الهجمات على المجتمع المدني اللبناني. أفادت منظمة تبادل الإعلام الاجتماعي (سمكس)، العضوة في آيفكس، أن انقطاع الشبكة أدى إلى انقطاع التواصل بين المجتمعات المحلية في وقت حرج. وفقًا لزينب حجازي، وهي من سكان معركه، في قضاء صور: “انقطاع الإنترنت لا يعني فقط فقدان التواصل مع الآخرين فحسب، بل أيضًا قدرتنا على تصفّح تطبيقات التواصل التي تُشكل متنفسًا لنا وتزوّدنا بالأخبار حول ما يجري حولنا”.
سلط المركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي (حملة) الضوء على الآثار المدمرة للحرب الدائرة في غزة، مشيرًا إلى أن ٧٥% من البنية التحتية للاتصالات قد تضررت خلال العام الماضي. أدى هذا الدمار إلى شل الخدمات الأساسية، مما جعل المواطنين غير قادرين على الاتصال بالطوارئ، أو التواصل مع أقاربهم، أو الوصول إلى معلومات موثوقة، خاصة بعد استهداف الصحفيين المحليين ومحطات البث.
في غضون ذلك، يمنح قانون “اختراق المواد الحاسوبية” الذي اقترحته إسرائيل والذي يخضع حاليًا للمراجعة الوزارية، الشرطة صلاحيات واسعة للوصول إلى الأجهزة الإلكترونية الخاصة، ومراقبتها سرًا. يحذر مركز حملة من أن ذلك قد يعمق من ممارسات المراقبة الجماعية، لا سيما ضد الفلسطينيين.
حذر نديم ناشف، المدير التنفيذي لمنظمة حملة “إن تمكين جهاز الشرطة من استخدام أدوات التجسس بشكل قانوني سيزيد من الانتهاكات المستمرة ويعمق سياسة المراقبة الجماعية التي تستهدف الفلسطينيين/ات في الداخل بشكل خاص.”
مصر: مشروع قانون يرسخ الحبس الاحتياطي كـ”أداة عقابية”
تشهد مصر تصعيدًا مقلقًا في وتيرة انتهاكات حقوق الإنسان،ويتجلى ذلك في مشروع قانون الإجراءات الجنائية المقترح، الذي يهدد بزيادة تقويض ضمانات المحاكمة العادلة، وتعزيز صلاحيات سلطات إنفاذ القانون.
أدانت المنظمات الحقوقية مشروع القانون، مؤكدةً أنه يكرس الانتهاكات القائمة، مثل حالات الاختفاء القسري، والاعتقالات التعسفية، فضلًا عن إفلات قوات الأمن من المساءلة. أبرزت المنظمات الحقوقية أن التشريع يفشل تحديدًا بالتصدي لإساءة استخدام السلطات للحبس الاحتياطي، الذي لا يزال يُستخدم كأداة عقابية.
تؤكد الظروف القاسية التي تحيط بسجناء الرأي في مصر على ثقافة القمع المتفشية، والاعتداء الصارم على المعارضة، التي أصبحت السمة المميزة لحكم الرئيس السيسي.
كرمت أرونداتي روي الناشط، والكاتب البارز، علاء عبد الفتاح، الذي لا يزال مسجونًا في مصر، بجائزة القلم بنتر “كاتب الشجاعة ’ لعام ٢٠٢٤؛ وقد أشادت بصوته ووصفته بأنه ‘جميل بقدر ما هو خطير. لأن فهمه لما نواجهه اليوم حاد كحد الخنجر”. تسلمت لينا عطا الله، رئيسة تحرير “مدى مصر” الجائزة نيابة عنه، مسلطةً الضوء على شجاعته في “البحث عن الحقيقة”.
في الوقت نفسه، بدأت والدة علاء عبد الفتاح، ليلى سويف إضرابًا عن الطعام للمطالبة بالإفراج عنه.
لفت أعضاء آيفكس الانتباه إلى عدد من قضايا رئيسية في الأسابيع الأخيرة، بما فيها:
- عبد الخالق فاروق: اعتُقل لانتقاده سياسات الرئيس السيسي الاقتصادية في أكثر من ٤٠ مقالًا
- أحمد حسن مصطفى: طالب مختفٍ قسريًا منذ أكثر من ألفي يوم، ولا يزال مصيره مجهولًا حتى اليوم، مما يجعله مثال آخر يضاف على القائمة المتنامية للمواطنين المختفين قسريًا.
- هدى عبدالمنعم: محامية تواجه عقوبة السجن التعسفي لمدة ست سنوات على خلفية تهم تعتبر ملفقة على نطاق واسع، وقد وجهت إليها اتهامات جديدة في اليوم الأخير من مدة عقوبتها البالغة خمس سنوات في أكتوبر/ تشرين الأول ٢٠٢٣.
- أشرف عمر: ناشط ورسام كاريكاتير يقضي يومه المائة في الحبس الاحتياطي، بعد تمديد حبسه الاحتياطي لليوم السابع على التوالي بتهم لا أساس لها من الصحة؛ وقد واجه سوء معاملة كما قُيِدَ اتصاله بأسرته.
يواجه أربعة صحفيين سودانيين، في أحد مراكز اللاجئين المصرية، خطر الترحيل الوشيك إلى السودان، حيث يواجهون أعمالًا انتقامية شديدة. دعت منظمة “مراسلون بلا حدود” السلطات المصرية إلى حماية الصحفيين والإفراج عنهم، مسلطةً الضوء على المخاطر الشديدة التي يتعرض لها الصحفيون في السودان.
المملكة العربية السعودية: تصعيد عمليات الإعدام وتزايد الدعوات للإفراج عن السجناء
في أكتوبر/تشرين الأول، سلطت منظمة “أمريكيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين” الضوء على القمع الممنهج للمعارضة، بما في ذلك الاعتقالات التعسفية، والقيود المفروضة على حرية التعبير، وذلك خلال الدورة السابعة والخمسين لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. تشير التقارير الأخيرة إلى زيادة مذهلة في عمليات الإعدام، حيث أعدمت السلطات السعودية ما لا يقل عن ٢٠٠ شخص في الأشهر التسعة الأولى من عام ٢٠٢٤ – متجاوزة بذلك إجمالي عدد الإعدامات في أي عام كامل خلال العقود الثلاثة الماضية. يتزامن هذا الاتجاه المثير للقلق مع إخفاق المملكة للمرة الثانية على التوالي في الحصول على مقعد في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، مما يبرز تعثرها المستمر في تحسين سمعتها الدولية في مجال حقوق الإنسان.
لا تزال العدالة في قضية القتل الهمجي للصحفي جمال خاشقجي في عام ٢٠١٨ تشكل مصدر قلق بالغ؛ فبعد مرور ست سنوات، تتواصل الدعوات للمساءلة، وإجراء تحقيق مستقل يكشف عن دور المسؤولين رفيعي المستوى، بمن فيهم ولي العهد محمد بن سلمان.
اتهمت منظمات حقوقية السلطات السعودية بسبب إساءة استخدامها للإجراءات الإدارية والقضائية ضد المدافعين عن حقوق الإنسان المفرج عنهم، بما في ذلك الناشطتان في مجال حقوق المرأة، لجين الهذلول، ومريم العتيبي. تواجه الهذلول منعًا غير قانوني من السفر، وتأخيرات بيروقراطية في استئنافها، على الرغم من الإفراج عنها في فبراير/شباط ٢٠٢١. في ذات السياق، منعت العتيبي، الناشطة ضد قوانين الولاية، والتي قضت ١٠٠ يوم خلف القضبان، من السفر بسبب نشاطها، بينما تقضي شقيقتها، مناهل العتيبي، حاليًا، حكمًا بالسجن لمدة ١١ عامًا بسبب نشاطها على الإنترنت؛ وقد أفادت التقارير أنها تعرضت لانتهاكات شديدة، بما في ذلك اعتداءات تعرضت لها مؤخرًا من قبل سجينة، بالإضافة إلى حبس انفرادي.
تطالب مجموعات حقوقية، بإلحاح، بالإفراج عن العتيبي، إلى جانب إداريي ويكيبيديا، أسامة خالد، وزياد السفياني، الذين يقضيان أحكامًا طويلة بتهمة “التأثير على الرأي العام” في الوقت الذي تستعد فيه المملكة العربية السعودية لاستضافة منتدى الأمم المتحدة لحوكمة الإنترنت في ١٥ ديسمبر/كانون الأول. في الوقت نفسه، أثار تقييم حقوق الإنسان المعيب الذي أجرته شركة كليفورد تشانس بشأن ملف المملكة العربية السعودية لاستضافة كأس العالم ٢٠٣٤ انتقادات لتجاهله الانتهاكات الموثقة، وسط خوف من تواطؤ الشركة قبل الإعلان عن البلد المضيف في ١١ ديسمبر/كانون الأول.
باختصار
تصاعدت حدة التوتر في المنطقة بسبب تغطية الإعلام للحروب الإسرائيلية على فلسطين ولبنان؛ ففي العراق، اقتحم متظاهرون مكاتب قناة إم بي سي السعودية، وألحقوا أضرارًا بمكاتبها، بعد أن بثت تقريرًا يصف قادة حماس وحزب الله بـ”الإرهابيين”، مما أدى إلى دعوات لسحب ترخيص البث. رحب المركز الفلسطيني للتنمية والحريات الإعلامية (مدى) بقرار الهيئة التنظيمية للإعلام في السعودية بالتحقيق مع مسؤولي قناة إم بي سي، منتقدًا التقرير لتحيزه ضد المقاومة الفلسطينية واحتمال أضراره بوحدة الصف الفلسطيني. على إثر ذلك، علقت الجزائر ترخيص قناة العربية المملوكة للدولة السعودية متهمة إياها بالتحيز ضد الفلسطينيين.
سوريا: يتناول تقرير جديد للمركز السوري للإعلام وحرية التعبير الجرائم المرتكبة بحق الصحفيين السوريين، مسلطا الضوء على انتهاكات حقوق الإنسان التي تقيد حريتهم في التعبير. يدعو التقرير إلى وضع آليات فعالة لمكافحة الإفلات من العقاب، وضمان المساءلة، على الرغم من محدودية الخيارات القانونية المتاحة داخل البلاد. في سياق متصل، على الرغم من استمرار قمع الحريات الصحفية في شمال حلب، فقد تم الإفراج عن الصحفيين بكر قاسم، وكرم كليا بعد أسبوع من الاعتقال التعسفي.
لبنان: في تقرير يكشف عن الانقسامات الداخلية في وسائل الإعلام اللبنانية، وصعوبة التعامل مع الرقابة العسكرية، سلطت مؤسسة مهارات الضوء على تحديات التغطية الإعلامية خلال الحرب الإسرائيلية مؤكدة على الدور الحاسم للصحافة المستقلة في ضمان دقة التغطية الإعلامية.
أخيرًا وليس آخرا، ينظم مركز الخليج لحقوق الإنسان و٣٥ شريكًا المعرض الثالث لحقوق الإنسان البديلة في ٢٧ نوفمبر/تشرين الثاني، والذي ويهدف إلى تسليط الضوء على قضايا حقوق الإنسان، والدعوة إلى إطلاق سراح المدافعين عن حقوق الإنسان المعتقلين في الإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية، وإيران، وفي جميع أنحاء المنطقة.