تم نشر هذا البيان أولاً على موقع منظمة سمكس بتاريخ 17 كانون الأول 2020 في مثل هذا اليوم قبل عشر سنوات، أشعل المواطن التونسي محمد البوعزيزي (26 عاماً) النار بنفسه احتجاجاً على تهميش الدولة وظلمها للمواطنين، فكانت تلك الشرارة الأولى لاندلاع انتفاضات وثورات جماهيرية في تونس ومصر ودول أخرى في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. […]
تم نشر هذا البيان أولاً على موقع منظمة سمكس بتاريخ 17 كانون الأول 2020
في مثل هذا اليوم قبل عشر سنوات، أشعل المواطن التونسي محمد البوعزيزي (26 عاماً) النار بنفسه احتجاجاً على تهميش الدولة وظلمها للمواطنين، فكانت تلك الشرارة الأولى لاندلاع انتفاضات وثورات جماهيرية في تونس ومصر ودول أخرى في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
تزامناً مع الذكرى العاشرة للربيع العربي، نحن الموقعون/ات أدناه، نشطاء وناشطات وصحفيون/ات ومنظمات حقوقية، نؤكد على عدم رضانا وإحباطنا واستيائنا من سياسات منصات التواصل الاجتماعي وإجراءاتها في إدارة المحتوى، والتي تؤدي في كثير من الأحيان إلى إسكات الأصوات الناقدة من المجتمعات المهمشة والمضطهدة في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
يُعدّ الربيع العربي وثوراته حدثاً تاريخياً هاماً لعدة أسباب، وُيعدّ استخدام النشطاء/الناشطات والمواطنين/ات لمواقع التواصل الاجتماعي كأداة للضغط من أجل التغيير السياسي والعدالة الاجتماعية واحداً من أهم معالم هذه الثورات، حيث أصبح الإنترنت نتيجة لذلك دعامةً أساسيةً لحقوق الإنسان في العصر الرقمي.
تفتخر شركات التواصل الاجتماعي بدورها في الربط بين سكان العالم، فقد كتب مارك زوكربيرغ قبل سنوات في رسالة المؤسس 2012 التالي:
“عبر إعطاء الناس القدرة على المشاركة، بدأنا نرى أنّ أصواتهم أصبحت مسموعة أكثر ممّا كانت عليه في السابق. هذه الأصوات ستزداد كمّاً وحجماً لدرجة لا يمكن إهمالها. ومع مرور الوقت، نتوقع أن تكون الحكومات أكثر استجابة للقضايا المثارة من قبل الشعوب مباشرة، بدلاً من وجود وساطات تسيطر عليها أقلية مختارة”.
لم يكن توقّع زوكربيرغ في مكانه، بل على العكس، ازداد توجّه الحكومات في جميع أنحاء العالم نحو الاستبداد، وتورّطت منصّات التواصل الاجتماعي بدورها في هذا الاستبداد عبر اتفاقيات عقدتها مع رؤساء الحكومات، ما فتح المجال أمام الديكتاتوريين وأغلقه أمام النشطاء والناشطات والصحفيين/ات وغيرهم/ن من صناع التغيير في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. حتّى أنّ القمع وفرض الرقابة كان يحصل في بعض الحالات بطلب من حكومات أخرى. نرفق هنا لمحة عن الوضع في بعض هذه الدول:
- تونس: في يونيو/حزيران 2020، قامت “فيسبوك” (Facebook) بتعطيل أكثر من 60 حساباً بشكل دائم لناشطين/ات، وصحفيين/ات وموسيقيين/ات تونسيين/ات من دون ذكر أيّ أدلّة جوهرية. وبينما تمّ استرجاع عدد من هذه الحسابات بفعل الاستجابة السريعة لمجموعات من المجتمع المدني، بقيت حسابات فنانين/ات وموسيقيين/ات تونيسيين/ات معطلة، مع تجاهل شركة “فيسبوك” للرسالة الائتلافية التي أرسلناها حول هذا الموضوع.
- سوريا: مع بداية عام 2020، أطلق نشطاء وناشطات سوريين/ات حملة للتنديد بقرار “فيسبوك” بتعطيل وحذف آلاف الحسابات والصفحات التابعة للمعارضين – وهي حسابات وصفحات وثّقت جرائم الحرب منذ عام 2011 – بذريعة محاربة المحتوى الإرهابي. وقد بقي الكثير من هذه الحسابات معطلاً بالرغم من المطالبات بالاستئناف (الطعن). الأمر نفسه حصل على “يوتيوب”، حيث وثّق سوريون كيف تقوم المنصّة التابعة لشركة “غوغل” بمحو تاريخهم.
- فلسطين: يعمل الناشطون/ات الفلسطينيون ومستخدمو/ات وسائل التواصل الاجتماعي منذ عام 2016 على حملاتٍ للتوعية بشأن ممارسات المراقبة التي تتبّعها شركات التواصل الاجتماعي. في أيار/مايو هذا العام، تم تعطيل ما يقارب 52 حساباً على “فيسبوك” لناشطين/ات وصحفيين/ات، وتم تقييد عدد آخر من الحسابات وحظر استخدامها. كما قامت “تويتر” بتعطيل حساب موثّق لوكالة إعلامية فلسطينية وهي “شبكة القدس الإخبارية” مدّعية ارتباط الوكالة بجماعات إرهابية، ولم تستجب “تويتر” للكثير من المطالبات من أجل إعادة النظر بهذا الخصوص. هذا ويُعرب مستخدمو/ات منصات التواصل الاجتماعي من الفلسطينيين/ات عن قلقهم حول السياسات التمييزية للمنصات.
- مصر: في تشرين أول/ أكتوبر 2019، علّقت شركة “تويتر” بشكل جماعي عدداً من حسابات المعارضين المصريين ممّن يعيشون في داخل مصر وخارجها، مباشرة بعد اندلاع الاحتجاجات المعارضة للسيسي في مصر. في كانون أول/ديسمبر 2017، عطّلت شركة “تويتر” حساب ناشط مصري يتابعه أكثر من 350 ألف متابع/ة، ولم يتمكّن صاحبه من استعادته حتى اللحظة. وكانت شركة “فيسبوك” من جهتها أوقفت حساب الناشط نفسه في تشرين الثاني/ نوفمبر 2017، قبل أن يُستعاد بعد تدخل دولي، علماً بأنّ “يوتيوب” قد حذفت حسابه عام 2007.
ما سبق ليس إلّاعينة عما يحدث في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والجنوب العالمي، ما يعزز بين الناشطين/ات والمستخدمين/ات فكرة عدم اهتمام منصات التواصل الاجتماعي بهم/ن، وفشل هذه المنصات غالباً في حماية المدافعين/ات عن الحقوق الإنسان.
التعسّف وانعدام الشفافية في حذف الحسابات وتعليقها وحذف الخطاب السياسي المعارض أصبحت ممارسة ممنهجة تتكرّر بوتيرة متزايدة، ولا يمكن التعاطي معها كوقائع منفصلة أو أخطاء عابرة تحصل أثناء عملية اتّخاذ القرارات من قبل الآلة.
ففي الوقت الذي تستجيب فيه “فيسبوك” و”تويتر” بسرعة للاحتجاجات العامة من قبل النشطاء أو لحملات المناصرة الخاصة التي تنفذها جمعيات حقوق الإنسان (بالأخص في الولايات المتحدة وأوروبا)، فإنها في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا قلّما تستجيب لقضايا المناصرة، ونادراً ما تبلغ المستخدمين/ات النهائيين بالقوانين التي خرقوها، كما لا تقدّم وسيلة لاستئناف القضية مع وسيط بشري.
من غير الممكن أن يستمر الوضع الراهن، كما أنّ آليات الانتصاف والتظلّم (والطعن) يجب أن لا تكون امتيازاً لذوي النفوذ والقوة ومن يستطيعون إيصال أصواتهم.
وفي الوقت الذي تسجل فيه منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا واحدة من أسوأ السجلات فيما يتعلق بحرية التعبير، تظلّ وسائل التواصل الاجتماعي وسيلة ضرورية لمساعدة الأشخاص على التواصل وتوثيق الانتهاكات التي تطال حقوق الإنسان.
ومن هنا، نطالبكم بعدم التواطؤ في المراقبة ومحو رواية المجتمعات المهمشة وتاريخها، كما نطالبكم باتّخاذ التدابير التالية للتأكد من أنّ المستخدمين/ات في المنطقة يُعاملون بعدل ويستطيعون التعبير عن أنفسهم/ن بحرية:
- الامتناع عن التمييز العنصري الاستبدادي و/أو غير العادل، وضرورة التجاوب بفعالية مع المستخدمين/ات المحليين، والناشطين/ات، وخبراء وخبيرات حقوق الإنسان، والأكاديميين، والمجتمع المدني في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بحيث تراجعون الشكاوى، وتراعون الفروق في السياق/ السياقات السياسية، والاجتماعية والثقافية للمنطقة، حين تنفذون السياسات والخدمات المقدمة وتراجعونها وتطوّرونها.
- الاستثمار في خبراء/خبيرات محليين وإقليميين لتطوير وتنفيذ القرارات المتعلقة بسياسات إدارة المحتوى والمضمون، بما يتوافق مع الأطر العامة لحقوق الإنسان في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وفي هذا السياق، فإنّ أقلّ ما يمكن فعله هو توظيف مديري محتوى يستطيعون فهم اللهجات العربية المتعددة والمتنوعة في 22 دولة عربية، وتقديم الدعم لهؤلاء بما يحتاجونه كي ينفذوا عملهم الطريقة الصحيحة والآمنة، بالتشاور مع أقرانهم، بمن فيهم الإدارة العليا.
- إيلاء اهتمام خاص للقضايا التي تنشأ في مناطق الحرب والنزاع للتأكد من أنّ سياسات إدارة المحتوى لا تستهدف ظلماً المجتمعات المهمشة. على سبيل المثال، يُعدّ توثيق انتهاكات حقوق الإنسان نشاطاً مشروعاً يختلف عن النشر أو المساهمة في المحتوى الإرهابي و/أو المتطرّف. وكما أشير حديثاً في رسالة “منتدى الإنترنت العالمي لمكافحة الإرهاب”، فإنّ هناك حاجة إلى مزيد من الشفافية بما يتعلق بالتعريفات وإدارة المحتوى الإرهابي المتطرف والعنيف (TVEC).
- الاحتفاظ بالمحتوى المحظور المتعلق بالقضايا الناشئة من مناطق الحرب والنزاع والذي لا تتيحه “فيسبوك“، حيث يمكن لهذا المحتوى أن يكون دليلاً للضحايا والمنظمات التي تسعى إلى محاسبة الجناة. بالإضافة إلى ذلك، ينبغي ضمان إتاحة هذا المحتوى للسلطات القضائية الدولية والوطنية من دون أيّ تأخير غير مبرر.
- الاعتذار العلني عن الأخطاء الفنية غير كافٍ، خصوصاً وأنّه لا يترافق مع أيّ تغيير في قرارات إدارة المحتوى الخاطئة. يجب على الشركات أن تكون أكثر شفافية في هذا الخصوص، وينبغي أن تبلغ المستخدمين/ات بقراراتها وأن تتيح لهم إمكانية استئناف (الطعن) القضايا في الوقت المناسب. وفي هذا السياق، تقدّم “مبادئ سانتا كلارا بشأن الشفافية والمساءلة في إدارة المحتوى”، والتي أقرّتها شركات “فيسبوك” و”تويتر” و”يوتيوب” عام 2019، مجموعة أساسية من الإرشادات التي يجب تنفيذها على الفور.