تمثل جلسة الاستماع فرصة حاسمة للفت الانتباه إلى الجرائم الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني ووضع هذه الفظائع تحت المجهر الدولي.
نشر أولًا على مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان.
يرحب مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان بالجلسة المرتقبة لمحكمة العدل الدولية بشأن انتهاك إسرائيل لاتفاقية الإبادة الجماعية، والمقرر انعقادها اليوم وغدًا، بناءً على دعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل في 29 ديسمبر 2023، وقبول إسرائيل المثول أمام المحكمة. هذه الجلسة تمثل فرصة حاسمة لتسليط الضوء على الجرائم الإسرائيلية المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني في غزة، وتسليط الضوء على المستوى الدولي على هذه الفظائع. خاصة في ظل فشل المجتمع الدولي في الاضطلاع بمسؤولياته واتخاذ جميع التدابير المتاحة في حدود سلطته لمنع الإبادة الجماعية الجارية في غزة، لا سيما تقاعس الدول العربية؛ رغم ادعاءاتها المنافقة بدعم الفلسطينيين.
وبحسب آمنة قلالي، مديرة وحدة البحوث بمركز القاهرة، فإن «واقع ظروف الحياة في غزة حاليًا مقلق للغاية، فبينما ينفذ الوقت لإنقاذ الشعب الفلسطيني من الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل؛ تمثل جلسة محكمة العدل الدولية فرصة هائلة لتسليط الضوء على هذه المخاوف، كما تشكل أداة للضغط على إسرائيل، وأيضًا على الدول الأخرى لسرعة التحرك ومنع الإبادة الجماعية المرتكبة في غزة».
إذ يخشى مركز القاهرة وجود قرائن جدية بشأن ارتكاب إسرائيل إبادة جماعية في غزة، وخاصة ضمن السياق الأوسع لهذه الانتهاكات الجارية المتمثل في نظام الفصل العنصري الإسرائيلي المتواصل منذ 75 عامًا، والاحتلال المطول للأرض الفلسطينية، والحصار المفروض على غزة منذ 16 عامًا. وخلال الفترة بين 7 أكتوبر 2023 وحتى 8 يناير 2024 أسفرت الهجمات العشوائية المميتة التي تنفذها إسرائيل بحق السكان المدنيين عن مقتل 23,084 شخصًا، 70% منهم من النساء والأطفال، فيما أُصيب حوالي 58,926 شخصًا.
كما تتعمد إسرائيل استهداف المرافق المدنية، بما في ذلك المستشفيات والمدارس والمخابز والأراضي الزراعية وأماكن العبادة، فضلًا عن البنية التحتية الحيوية والمساكن. وأفادت تقارير متعددة عن تدمير أو تضرر أكثر من 60% من الوحدات السكنية في غزة. فيما ضاعف من تدهور ظروف المدنيين، أن أكثر من 85% من إجمالي سكان غزة أضحوا نازحين داخليًا، فيما يواجه 2.2 مليون شخص خطر المجاعةالوشيك؛ نتيجة الأعمال العدائية وتقييد وصول المساعدات الإنسانية.
في السياق نفسه، تسببت الأعمال العدائية المستمرة ومنع وصول المساعدات الإنسانية في تفاقم النقص الحاد في المياه، مخلفةً عشرات الآلاف من الأشخاص المحرومين من المياه النظيفة. الأمر الذي دفع الأمم المتحدة إلى الإشارة لغزة ووضعها المروع باعتبارها «مقبرة للأطفال» و«جحيم حي». فيما ذكرت الأمم المتحدة كذلك أن أعداد القتلى من الصحفيين على مدى أربعة أسابيع من النزاع، يفوق أعداد الصحفيين الذين قتلوا في أي صراع خلال ثلاثة عقود على الأقل، مضيفةً «لقد قُتل أكبر عدد من موظفي الأمم المتحدة أكثر من أي فترة مماثلة في تاريخ منظمتنا».
أن الخطاب غير الإنساني الذي يستخدمه ويردده العديد من المسئولين الإسرائيليين، دون عقاب، يعزز مزاعم الإبادة الجماعية ونية تنفيذها. ففي 9 أكتوبر 2023، صرح وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف جالانت، خلال تحديث للوضع في الجيش الإسرائيلي، أن إسرائيل «تفرض حصارًا كاملًا على غزة. لا كهرباء ولا طعام ولا ماء ولا وقود. كل شيء مغلق. نحن نحارب حيوانات بشرية، ونتصرف وفقًا لذلك». فيما قال نائب رئيس الكنيست وعضو لجنة الشئون الخارجية والأمن، نسام فاتوري في تدوينة على موقع التواصل الاجتماعي أكس «X»، في 7 أكتوبر: «الآن لدينا جميعًا هدف واحد مشترك، محو قطاع غزة من على وجه الأرض. وسيتم استبدال أولئك غير القادرين».
من جانبها طالبت جنوب أفريقيا المحكمة بالإشارة لاتخاذ تدابير مؤقتة من أجل «الحيلولة دون إلحاق المزيد من الضرر الشديد الذي لا يمكن إصلاحه بحقوق الشعب الفلسطيني»، بموجب اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها لعام 1948، و«ضمان امتثال إسرائيل لالتزاماتها بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية بعدم التورط في ارتكاب إبادة جماعية، ومنع الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها». وعلى وجه الخصوص، دعت جنوب أفريقيا المحكمة لأن تفرض على إسرائيل التعليق الفوري لعملياتها العسكرية في غزة وضواحيها، ومحاسبة الأشخاص الذين يرتكبون الإبادة الجماعية أو يحاولون ارتكابها، أو يتآمرون لارتكابها، أو يحرضون عليها بشكل مباشر وعلني. كما طلبت جنوب أفريقيا من المحكمة إعلان وجوب وفاء إسرائيل بالتزاماتها بدفع التعويضات للضحايا الفلسطينيين، بما في ذلك السماح للمشردين قسرًا والمختطفين بالعودة الآمنة والكريمة إلى ديارهم. وتجدر هاهنا الإشارة لأنه في قضية إبادة جماعية مماثلة رفعتها جامبيا ضد ميانمار، اعتمدت محكمة العدل الدولية، في ديسمبر 2019، تدابير مؤقتة لحماية المتبقي من شعب الروهينغا في ميانمار من الإبادة الجماعية، إلى جانب مطالبة ميانمار بمنع أعمال الإبادة الجماعية بحقهم، والحفاظ على الأدلة المتعلقة بالقضية، وكلفتها بتقديم تقرير عن هذه التدابير كل 6 أشهر.
يسلط طلب جنوب أفريقيا الضوء على التزام الدول الأطراف في اتفاقية الإبادة الجماعية بمنع الإبادة الجماعية، الأمر الذي فشل العديد من أعضاء المجتمع الدولي في تنفيذه، وبالمثل غالبية الدول العربية. ففي 8 ديسمبر 2023، فشل مجلس الأمن الدولي في اعتماد قرار يفرض وقفًا فوريًا لإطلاق النار؛ بسبب حق النقض الذي استخدمته الولايات المتحدة. بينما اكتفت جامعة الدول العربية والدول الأعضاء فيها بإصدار بيانات تدين الفظائع الإسرائيلية في غزة؛ بعدما أخفقت في اتخاذ تدابير ملموسة لمنع هذه الفظائع أو محاولة محاسبة إسرائيل. وفي نوفمبر 2023، كشفت القمة المشتركة لجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي حجم الانقسامات الإقليمية، بعدما فشلت الدول في الاتفاق على اتخاذ إجراءات عقابية ضد إسرائيل. كما لم تنضم أي دولة عربية لجنوب أفريقيا في دعواها المهمة أمام محكمة العدل الدولية والتي تمثل خطوة مهمة في لفت الانتباه إلى الفظائع التي ترتكبها إسرائيل. وباستثناء الأردن، لم ترحب أي دولة عربية علنًا بهذه الخطوة.
الإبادة الجماعية غالبًا ما يشار إليها باسم «جريمة الجرائم» باعتبار أنها «إنكار لحق مجموعات بشرية بأكملها في الوجود.. يصدم ضمير الإنسانية». وحسب اتفاقية الإبادة الجماعية، تُعرَّف هذه الجريمة بأنها «نية التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية»، وذلك من خلال أفعال حصرية محددة هي: قتل أعضاء الجماعة، أو إلحاق ضرر بدني أو عقلي جسيم بأفراد الجماعة، أو إخضاع الجماعة عمدًا لظروف معيشية يُقصد بها إلحاق الدمار المادي بها كليًا أو جزئيًا؛ أو إخضاع الجماعة عمدًا أو فرض تدابير تهدف لمنع التناسل داخل المجموعة، أو نقل أطفال المجموعة قسرًا إلى مجموعة أخرى. ورغم توافر نية التدمير، ووقوع العديد من هذه الأعمال المُجرمة، إلا أن النتيجة الفعلية للتدمير ليست شرطًا للحديث عن الإبادة الجماعية. إذ دأبت المحاكم الدولية على الحكم بإمكانية إثبات وجود النية بالاستدلال على أفعال الجناة، بما في ذلك الاستهداف المادي العشوائي للجماعة أو ممتلكاتها، وأعداد الضحايا، والأسلحة المستخدمة ومدى الإصابة الجسدية، والتخطيط المنهجي، والطريقة المنهجية للقتل، فضلًا عن طريقة الإبادة الجماعية.
وفي ظل البيانات التحريضية العديدة التي أدلى بها المسئولون الإسرائيليون، والتي استخدمت لغةً مجردة من الإنسانية في الإشارة إلى الفلسطينيين، والحض العلني على التدمير العشوائي لغزة. بالإضافة إلى مستوى القتل وأعداد القتلى من المدنيين، ومستويات التشريد والنزوح وحجم الدمار على مستوى الممتلكات المدنية والبنية التحتية الحيوية. فضلًا عن ظروف المعيشة المفروضة على الشعب الفلسطيني في غزة، بما في ذلك تقييد وصول المساعدات الإنسانية، وحرمانهم من الحصول على ما يكفي من المياه والغذاء والنظافة والصرف الصحي؛ فإن كل ذلك يشير بقوة لارتكاب إسرائيل جريمة الإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني، ناهيك عن فشلها في منع الإبادة الجماعية ومعاقبة المسئولين الإسرائيليين الذين يحرضون عليها.