تم نشر هذا البيان أولاً على موقع منظمة هيومن رايتس ووتش بتاريخ 30 حزيران 2022 (القدس) – قالت “هيومن رايتس ووتش” ومنظمة “محامون من أجل العدالة” الحقوقية الفلسطينية اليوم في تقرير موازٍ مشترك قُدم إلى “لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب” إن السلطات الفلسطينية تسيء معاملة المعتقلين الفلسطينيين، من منتقدين ومعارضين، وتعذبهم منهجيا. قد يرقى التعذيب، على يد كل […]
تم نشر هذا البيان أولاً على موقع منظمة هيومن رايتس ووتش بتاريخ 30 حزيران 2022
(القدس) – قالت “هيومن رايتس ووتش” ومنظمة “محامون من أجل العدالة” الحقوقية الفلسطينية اليوم في تقرير موازٍ مشترك قُدم إلى “لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب” إن السلطات الفلسطينية تسيء معاملة المعتقلين الفلسطينيين، من منتقدين ومعارضين، وتعذبهم منهجيا. قد يرقى التعذيب، على يد كل من “السلطة الفلسطينية” بقيادة “فتح” في الضفة الغربية و”حماس” في غزة، إلى مصاف الجرائم ضد الإنسانية، نظرا إلى طبيعته المنهجية على مدى السنين.
لم يحاسَب أحد بعد أكثر من عام على قيام السلطة الفلسطينية بضرب الناشط والناقد البارز نزار بنات حتى الموت أثناء احتجازه، وتفريق المطالبين بالعدالة على مقتله بعنف، واعتقال العشرات على خلفية التظاهر السلمي. وجهت النيابة العامة تُهما إلى 14 عنصر أمن، لكن يقول منتقدون إن السلطات تتحرك ببطء شديد ومنحازة، كما في قرار النيابة العسكرية في 21 يونيو/حزيران بالإفراج عن المتهمين لمدة 12 يوما.
قال عمر شاكر، مدير إسرائيل وفلسطين في هيومن رايتس ووتش: “تواصل السلطة الفلسطينية اعتقال وتعذيب المنتقدين والمعارضين بعد أكثر من عام على ضرب نزار بنات حتى الموت. تقع الانتهاكات المستمرة من قبل السلطة وحماس في صميم قمع الشعب الفلسطيني”.
في ضوء هذه الانتهاكات، ينبغي للدول الأخرى قطع المساعدة عن قوات الأمن الفلسطينية المنتهِكة، مثل شرطة السلطة الفلسطينية التي لعبت دورا رئيسيا في القمع الأخير. ينبغي لمكتب المدعي العام في “المحكمة الجنائية الدولية” التحقيق مع المتورطين بشكل موثوق في هذه الانتهاكات الجسيمة ومحاكمتهم.
في الصباح الباكر من 24 يونيو/حزيران 2021، اعتقل نحو 12 عنصرا من قوات “الأمن الوقائي” بنات واعتدوا عليه بعنف. تتبع قوات الأمن الوقائي السلطة الفلسطينية وتراقب الأنشطة السياسية والتهديدات للسلطات المحلية. كان بنات ناقدا معروفا احتجزته السلطة الفلسطينية سابقا لنشاطه، وكان يسعى للترشح في قائمة مستقلة خلال الانتخابات التشريعية الفلسطينية العام 2021 قبيل تأجيلها.
خلص تشريح الجثة إلى وفاته أثناء الاحتجاز مختنقا جرّاء امتلاء رئتيه بالدم والإفرازات. أفاد تقرير مشترك صدر في مارس/آذار 2022 عن “الهيئة الفلسطينية المستقلة لحقوق الإنسان”، وهي مؤسسة رسمية، ومنظمة “الحق” الفلسطينية الحقوقية، إلى أن مقتل بنات كان جرّاء استخدام قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية القوة المفرطة.
شكّل رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية لجنة رسمية للتحقيق في الوفاة، لكن لم يُنشر تقريرها الذي قُدّم بعد خمسة أيام في يونيو/حزيران 2021 حتى الآن. ما تزال محاكمة المتهمين بالمشاركة في مقتل بنات مستمرة، في حين أعلنت عائلته في مايو/أيار مقاطعتها تلك الإجراءات، مثيرةً مخاوف من بينها منح امتيازات للمتهمين، مثل السماح لهم بمغادرة السجن لزيارة أسرهم من دون أمر من المحكمة.
في الأشهر التي أعقبت مقتل بنات، فرّقت قوات شرطة السلطة الفلسطينية احتجاجات شعبية تطالب بالعدالة، واعتقلت العشرات لاحتجاجهم السلمي. قال جهاد عبده (54 عاما) لـ هيومن رايتس ووتش إن عناصر بثياب مدنية من شرطة السلطة الفلسطينية اعتقلوه في أغسطس/آب 2021، بينما كان في طريقه للمشاركة في مظاهرة. اتهمته النيابة بإهانة المقامات العليا والتجمع غير القانوني، وهما تهمتان تجرّمان فعليا التعبير والتجمع السلميين. أُطلق سراحه بعد أربعة أيام من دون البت في التهم.
قال حمزة زبيدات (38 عاما) لـ هيومن رايتس ووتش إن قوات شرطة السلطة الفلسطينية اعتقلته أيضا لدى وصوله إلى مظاهرة مخطط لها في أغسطس/آب 2021 بشأن قضية بنات. اتهمت النيابة زبيدات لاحقا بإهانة المقامات العليا، والتجمع غير القانوني، وإثارة النعرات المذهبية. قال إنه أمضى ثلاث ليالٍ في زنزانة صغيرة مكتظة دون تهوية مناسبة، وثبتت إصابته بفيروس كورونا بعد عدة أيام من إطلاق سراحه مع عدم البت في تهمه.
قال فخري جرادات (53 عاما) إن عناصر شرطة السلطة الفلسطينية اعتقلوه في منزله في مناسبتين منفصلتين في يوليو/تموز 2021 بعد مشاركته في مظاهرات متعلقة ببنات واستجوبوه بشأن منشوراته على فيسبوك، وأحدها يتوجه إلى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بعبارة “إرحل، إرحل”. كما اتهمته النيابة بإهانة المقامات العليا، والتجمع غير القانوني، وإثارة النعرات المذهبية. احتجزته لمدة أسبوع إجمالا بين الاعتقالين قبل الإفراج عنه بتهم ما زالت عالقة.
قال فادي قران (34 عاما) إن عناصر شرطة السلطة الفلسطينية اعتقلوه في أغسطس/آب 2021 بينما كان يسير في وسط رام الله قرب موقع مظاهرة كان يعتزم المشاركة فيها، لكن منعتها قوات الأمن. قال إن الشرطة استجوبته بشأن الأعلام الفلسطينية التي كان يحملها ومنشورات على فيسبوك، أحدها ينتقد تأجيل انتخابات السلطة الفلسطينية وحكم الرئيس عباس. أفرجت عنه بعد يومين من الاعتقال دون تهمة.
قالت هيومن رايتس ووتش إن وفاة بنات أثناء الاحتجاز واعتقال المتظاهرين في الأسابيع التي تلت يعكس ممارسة الاعتقال التعسفي والتعذيب منهجيا من قبل السلطات الفلسطينية مع إفلاتها من العقاب. كما أوضحت هيومن رايتس ووتش ومحامون من أجل العدالة في تقريرهما الموازي كيف تعتاد قوات أمن السلطة الفلسطينية وحماس تعذيب المحتجزين وتهديدهم، واستخدام الحبس الانفرادي والضرب، بما في ذلك جَلدِ أقدامهم، وإجبارهم على اتخاذ أوضاع مؤلمة لفترات طويلة، منها رفع أذرعهم خلف ظهورهم بالأسلاك أو الحبال، لمعاقبة المنتقدين والمعارضين وترهيبهم وانتزاع الاعترافات.
قالت السلطة الفلسطينية وحماس إن الانتهاكات لا تعدو كونها حالات فردية جرى التحقيق فيها ومحاسبة مرتكبيها. لكن سنوات من الأبحاث التي أجرتها هيومن رايتس ووتش، مثل تقريرها المؤلف من 147 صفحة لعام 2018 بعنوان، “سلطتان، طريقة واحدة، المعارضة ممنوعة“، تتعارض مع هذه الادعاءات. وكما يوثق التقرير الموازي، دأبت السلطات الفلسطينية على التقاعس عن محاسبة قوات الأمن.
في 2021، تلقت الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان 252 شكوى تتعلق بالتعذيب وسوء المعاملة، و279 شكوى بشأن الاعتقال التعسفي ضد السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية؛ و193 شكوى بشأن التعذيب وسوء المعاملة، و97 بشأن الاعتقالات التعسفية ضد حماس في غزة. كما أعدمت حماس 28 شخصا في غزة منذ سيطرتها على السلطة السياسية في يونيو/حزيران 2007، في سياق تسود فيه انتهاكات الإجراءات القانونية، والإكراه، والتعذيب. كما أعدمت حماس العشرات بإجراءات موجزة دون أي مسار قضائي، غالبا بناء على اتهامات بالعمالة لإسرائيل.
ينبغي للسلطات الفلسطينية الالتزام بالمعاهدات الحقوقية الدولية التي انضمت إليها وإنهاء الانتهاكات الجسيمة والإفلات من العقاب المستشري من خلال محاسبة المسؤولين عن ذلك. بعد خمس سنوات من انضمام فلسطين إلى “البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب”، الذي يتطلب إنشاء “آلية وقائية وطنية” لمراقبة مراكز الاحتجاز بشكل مستقل بما في ذلك القيام بزيارات مفاجئة، أصدر الرئيس عباس في مايو/أيار مرسوما بإنشاء “الهيئة الوطنية لمناهضة التعذيب”.
لكن ينص المرسوم على أن رئيس السلطة الفلسطينية هو من سيعيّن أعضاء اللجنة، والذين سيكونون موظفين حكوميين، وأن اللجنة ستعمل كهيئة حكومية. سيؤدي ذلك إلى تجريد اللجنة من قدر كبير من الاستقلال الفعلي، وفقا للهيئة المستقلة لحقوق الإنسان وبيان مشترك لـ 26 منظمة مجتمع مدني فلسطينية. ينبغي للرئيس عباس إلغاء المرسوم وطرح تشريع جديد ينشئ هيئة مستقلة بالكامل.
يغطي التقرير الموازي لـ هيومن رايتس ووتش ومحامون من أجل العدالة سوء المعاملة والتعذيب على أيدي السلطات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة والإفلات من العقاب على هذه الانتهاكات. وفقا لـ “اللجنة العامة لمناهضة التعذيب في إسرائيل”، وهي منظمة حقوقية إسرائيلية، رغم تقديم أكثر من 1,300 شكوى تعذيب إلى وزارة العدل الإسرائيلية منذ عام 2001 بسبب أفعال يُزعم ارتكابها على يد السلطات الإسرائيلية في إسرائيل أو الضفة الغربية، مثل التكبيل المؤلم والحرمان من النوم والتعرض لدرجات حرارة شديدة، لم تسفر هذه الشكاوى إلا عن تحقيقين جنائيين في الأعوام الـ 20 الماضية دون توجيه أي اتهامات.
قالت هيومن رايتس ووتش إنه ينبغي لدولة فلسطين، كجزء من واجباتها بموجب اتفاقية مناهضة التعذيب المتمثلة في “منع أعمال التعذيب في أي إقليم يخضع لاختصاصها القضائي”، وقف كل التنسيق الأمني مع الجيش الإسرائيلي الذي يساهم في تسهيل التعذيب والانتهاكات الجسيمة الأخرى، والتوقف عن تسليم الفلسطينيين، ما دام ثمة خطر حقيقي بتعرض الذين يتم تسليمهم للتعذيب وغيره من أشكال سوء المعاملة المحظورة.
قال شاكر: “تُعرب حكومات عديدة عن رغبتها في دعم سيادة القانون في فلسطين، لكن تستمر سنويا في تمويل قوات الشرطة التي تقوّض سيادة القانون. يجب ألا تقف المخاوف المزعومة بشأن هشاشة المؤسسات الفلسطينية وغيرها من الأعذار الواهية في الطريق بعد الآن. على الحكومات المانحة قطع علاقاتها مع قوات الأمن والشرطة الفلسطينية المنتهِكة، وجعل حقوق الإنسان محور سياساتها بشأن فلسطين وإسرائيل”.