"تُصدر المحاكم السعودية أحكاما بالسجن لعشرات السنين على مواطنين عاديين لمجرد تعبيرهم السلمي عن أنفسهم في الإنترنت."
نشر أولًا على هيومن رايتس ووتش.
إن محكمة سعودية حكمت على رجل بالسجن 20 عاما لتُهم تتعلق بنشاطه السلمي على وسائل التواصل الاجتماعي. هذه الإدانة أحدث مثال على القمع المحتمل العابر للحدود في السعودية بسبب أنشطة أحد أفراد عائلة الرجل في الخارج، وهي تصعيد آخر في حملة القمع المتفاقمة في البلاد ضد حرية التعبير والحقوق الأساسية الأخرى.
في 29 مايو/أيار 2024، أدانت “المحكمة الجزائية المتخصصة ” السعودية المتخصصة في مكافحة الإرهاب، المُدرس السعودي أسعد الغامدي (47 عاما) بعدة جرائم جنائية تتعلق فقط بتعبيره السلمي في الإنترنت. أسعد هو شقيق محمد الغامدي، المدرس السعودي المتقاعد، الذي حُكم عليه بالإعدام في يوليو/تموز 2023 فقط بناء على منشوراته على إكس (تويتر سابقا) ويوتيوب. سعيد بن ناصر الغامدي، الأخ الثالث، هو عالم إسلامي سعودي معروف ومنتقد للحكومة، يعيش في المنفى في بريطانيا. تنتقم السلطات السعودية كثيرا من أفراد عائلات المنتقدين والمعارضين في الخارج في مسعى لإجبارهم على العودة إلى البلاد.
قالت جوي شيا، باحثة السعودية في هيومن رايتس ووتش: “تُصدر المحاكم السعودية أحكاما بالسجن لعشرات السنين على مواطنين عاديين لمجرد تعبيرهم السلمي عن أنفسهم في الإنترنت. يتعيّن على الحكومة التوقف عن معاقبة أفراد عائلات المنتقدين الذين يعيشون في الخارج”.
قالت مصادر مطلعة لـ هيومن رايتس ووتش إن قوات الأمن السعودية اعتقلت أسعد الغامدي في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، في مداهمة ليلية لمنزله بحي الحمدانية بجدة، على مرأى من زوجته وأطفاله. صادرت قوات الأمن الأجهزة الإلكترونية وفتشت كل غرف المنزل. لم يُبلغ بأسباب اعتقاله أو بالتهم الموجهة إليه.
احتجزته السلطات في سجن ذهبان في جدة، بداية في الحبس الانفرادي لثلاثة أشهر. احتُجز الغامدي أيضا بمعزل عن العالم الخارجي لشهرين تقريبا، ولم يتلق زيارته الأولى من أفراد العائلة إلا في 11 يناير/كانون الثاني 2023.
في تغريدة له في يوليو/تموز 2023، ردا على حكم إعدام محمد الغامدي، كتب سعيد، الأخ الثالث، أن “هذا الحكم الباطل يستهدف النكاية بي شخصيا بعد محاولات فاشلة من المباحث لإعادتي إلى البلاد”.
تُظهر وثائق المحكمة التي راجعتها هيومن رايتس ووتش أن السلطات اتهمت أسعد الغامدي بموجب المواد 30 و34 و43 و44 من قانون مكافحة الإرهاب السعودي – وهي المواد نفسها المستخدمة في يوليو/تموز 2023 للحكم على شقيقه محمد الغامدي بالإعدام. تُظهر الوثائق أن أسعد الغامدي متهم بـ “وصف الملك وولي العهد بوصف يطعن في الدين والعدالة” و “نشر أخبار وإشاعات كاذبة ومغرضة”. تشير الوثائق إلى أن الغامدي اعتقل بسبب “نشر منشورات تضر بأمن الوطن على مواقع التواصل الاجتماعي (تويتر)”.
قالت مصادر مطلعة لـ هيومن رايتس ووتش إن التغريدات التي استُخدمت كدليل ضده انتقدت مشاريع مرتبطة بـ “رؤية 2030″، برنامج ولي العهد محمد بن سلمان لتنويع اقتصاد البلاد، والتغييرات الأخيرة في الحكومة السعودية، في إشارة إلى “تخليها عن التحالف الديني القديم”. نعى الغامدي في إحدى التغريدات الدكتور عبد الله الحامد، مؤسس “جمعية الحقوق المدنية والسياسية في السعودية” والحقوقي السعودي الرائد الذي توفي في السجن بعد إدانته بتهم تتعلق بنشاطه الحقوقي السلمي، وقدم التعازي لعائلته.
تستشهد الوثائق بتغريدات الغامدي كدليل ضده وطالبت بأقصى عقوبة لكل منشور اتُهم بموجبه. كما طلبت النيابة من السلطات مصادرة جهاز الغامدي الخلوي وإغلاق حسابه في إكس، بحسب وثائق المحكمة.
عقدت السلطات السعودية الجلسة الأولى لمحاكمة الغامدي في 7 سبتمبر/أيلول 2023 بالرياض، وعندها فقط أبلغته بالتهم الموجهة إليه. عيّنت المحكمة أواخر أغسطس/آب محاميا رفض لاحقا تزويده أو عائلته بأي وثائق قضائية تتعلق بالقضية. التقى المحامي بالغامدي في المحكمة فقط أثناء جلسات المحاكمة، ولم يسافر إلى جدة لمقابلته خارج جلسات المحكمة. رفض المحامي مرارا مقابلة عائلته ولم يشارك المعلومات ذات الصلة بالقضية معهم.
قالت مصادر مطلعة إن المحامي رفض أيضا تقديم أدلة على حالة الغامدي الصحية في المحكمة، رغم إلحاح عائلة الغامدي، التي يُفترض أنها اعتقدت أن هذا قد يكون دفاعا مفيدا.
الغامدي لديه الصرع وهو مرض يتطلب رعاية طبية مستمرة للتعامل معه بشكل مناسب. قالت المصادر المطلعة إنه لم يتلق هذه الرعاية أثناء احتجازه. في إحدى النوبات، ظل الغامدي فاقدا للوعي في المرحاض لساعات. قال المصدر: “أصيب بتشنج وسقط وكسر إصبعه وسنه. عندما رأى السجناء الآخرون أنه تأخر في المرحاض، ذهبوا للاطمئنان عليه ووجدوا دمائه في كل مكان”. أخذته سلطات السجن فيما بعد إلى طبيب عام في السجن لكن ليس طبيبا اختصاصيا، وهو ما يحتاجه.
أعربت مصادر مطلعة لـ هيومن رايتس ووتش عن قلقها بشأن محمد، شقيق أسعد، الذي حُكم عليه بالإعدام بسبب نشاطه السلمي على وسائل التواصل الاجتماعي فقط. محمد الغامدي أيضا لديه صرع، وتدهورت صحته كثيرا أثناء الاحتجاز. قالت المصادر إن سلطات السجن تجاهلت طلبات محمد الغامدي المتكررة بزيارة الطبيب أو زيارة المستشفى، حتى أصبح الألم لا يطاق. عندما سمحت له سلطات السجن أخيرا بمقابلة طبيب، لم يقدم له الطبيب العام أي دواء.
ينبغي للسلطات السعودية أن توفر فورا لأسعد ومحمد الغامدي الرعاية الطبية، بما يشمل الاختصاصيين القادرين على علاج حالتهما الصحية والأدوية المناسبة.
انتقدت هيومن رايتس ووتش مرارا الانتهاكات المتفشية في نظام العدالة الجنائية السعودي، بما يشمل فترات الاحتجاز الطويلة دون تهمة أو محاكمة، والحرمان من المساعدة القانونية، واعتماد المحاكم على الاعترافات المُنتزعة تحت التعذيب كأساس وحيد للإدانة. انتهاكات حقوق المتهمين سائدة ومنهجية لدرجة أنه من الصعب التوفيق بين نظام العدالة الجنائية في السعودية ونظام قائم على المبادئ الأساسية لسيادة القانون والمعايير الدولية لحقوق الإنسان.
قالت شيا: “يُظهر حكم شنيع آخر بالسجن لعشرات السنين أن السلطات السعودية مستعدة لسحق أي معارضة. ينبغي لحلفاء السعودية إدانة هذه الأحكام ومطالبة الحكومة السعودية بالإفراج عن السجناء وإنهاء ممارساتها القمعية”.