بمناسبة الذكرى السنوية العاشرة للانتفاضة الشعبية المناهضة للحكومة السورية والتي أدت إلى حرب أهلية طاحنة، تستعرض منظمة مراسلون بلا حدود حصيلة هذه الحرب المدمرة في الحقل الإعلامي بالبلاد؛ إذ قُتل مئات الصحفيين، واختفى مئات آخرون، أو فروا إلى المنفى.
إلى يومنا هذا، تُعتبر الحرب الأهلية السورية الصراع الأكثر دموية بالنسبة للفاعلين في الحقل الإعلامي. فأمام خطر الموت الذي تنطوي عليه تغطية حرب أودت بحياة 400 ألف شخص حتى الآن، وما يصاحب ذلك من قمع عنيف على يد سلطة استبدادية وجماعات مسلحة متطرفة، دفع الصحفيون السوريون ثمناً باهظاً للغاية، شأنهم في ذلك شأن معظم مكونات الشعب السوري.
فمنذ عام 2011، وثقت مراسلون بلا حدود مقتل ما لا يقل عن 300 من الصحفيين، المحترفين منهم وغير المحترفين، سواء بسبب تواجدهم في بؤر تبادل إطلاق النار أو لاغتيالهم على أيدي طرف من أطراف النزاع في سياق تغطيتهم للأحداث الجارية على الميدان. أما أرقام الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فتشير إلى حصيلة أفظع بكثير. ففي تقرير صادر عام 2020، قدرت هذه المنظمة المحلية عدد القتلى بما لا يقل عن 700، دون أن يتسنى تأكيد هذه الأعداد حتى الآن، في ظل صعوبة الوصول إلى المعلومات والتعتيم التام الذي تفرضه السلطات والجماعات المتطرفة على الانتهاكات والفظائع المرتكبة في هذا السياق.
مصير المختفين
حتى الآن، لا يزال في عداد المفقودين نحو مائة من هؤلاء الفاعلين الإعلاميين المحتجزين أو المختطفين، حيث انقطعت أخبارهم تماماً عن أسرهم، علماً أن الصحفيين الأجانب ليسوا استثناءً. ذلك أن مصير الأمريكي أوستن تايس، مثلاً، لا يزال مجهولاً منذ اختفائه في أغسطس/آب 2012. وفي ظل انعدام أية معلومات عنهم، يُفترض أن بعض الصحفيين قد تم إعدامهم أو فارقوا الحياة تحت التعذيب. وفي بعض الأحيان، تتثبت الأسر من صحة وفاة أبنائها عندما يؤكد سجناء مُفرج وقوفهم شاهدين على وفاة الصحفيين المعنيين أمام أعينهم داخل الزنزانة، إذ نادرًا ما يحصل الأقارب على تأكيد رسمي بالوفاة.
ذلك أن السلطات لم تبدأ في إصدار شهادات وفاة رسمية إلا مؤخرًا، إذ لم تحصل زوجة الصحفي جهاد جمال (المعروف باسم “ميلان”) على تأكيد بوفاته حتى مطلع 2020، وهو الذي زُج به في السجن عام 2012. وقد أشارت شهادة الوفاة إلى أنه فارق الحياة قبل أربعة أعوام في سجن صيدنايا العسكري، الذي تصفه المنظمات غير الحكومية بأنه “مسلخ بشري”. وينطبق الشيء نفسه على المواطن الصحفي علي عثمان، الذي لعب دورًا رئيسيًا في دعم الصحفيين الأجانب في حمص. فقد اعتُقل في 2012، لكن عائلته لم تحصل على وثيقة رسمية من السجل المدني إلا في مطلع 2019، حيث تشير إلى وفاته داخل السجن مع شقيقه إبراهيم في 2013.
النزوح الجماعي، الملاذ الوحيد أمام الصحفيين