سقط النظام القمعي في سوريا، منهيًا بذلك عقود من الاستبداد، ومشعلًا الأمل في مستقبل مبني على العدالة، والكرامة، وحقوق الإنسان.
نشر أولًا على المركز السوري للإعلام وحرية التعبير.
بعد السقوط المدوّي للنظام السوري، تطوي سوريا عقود القمع والاستبداد والفساد وحكم الأسرة المتغلبة، ويعيش الشعب السوري اليوم لحظة تاريخية طالما انتظرها، وضحّى لأجلها بخيرة أبنائه وبناته الذين اعتقلوا وعذبوا وقتلوا وهجروا قسرًا عن وطنهم.
هذه اللحظة ليست فقط نهاية نظام قمعي يعرف العالم جرائمه الوحشية، بل بداية لحقبة جديدة يتطلع فيها السوريون والسوريات إلى حياةٍ تليق بكرامتهم الإنسانية، وقدسية حقوقهم، وتضحياتهم الجليلة والمستمرة.
خلال العقد الأخير دفع الشعب السوري ثمنًا باهظًا في سبيل الحرية والكرامة، حيث قُتل مئات الآلاف، وهُجر الملايين، وسُويت المدن والقرى بالأرض، بينما عاش جيلٌ كاملٌ في ظل الحرب واللجوء والحرمان. في هذه الأيام، نستذكر بقلوبٍ يملؤها الحزن والامتنان كل الضحايا الأبرياء، وكل معتقلٍ ومعتقلة، وكل أمٍ فقدت ابنها، وكل طفلٍ شردته آلة الحرب، وكل من حلموا بوطنٍ حرٍ كريم يحضن جميع أبنائه وبناته.
إن السقوط النهائي لهذا النظام يشكّل مسؤولية تاريخية علينا جميعًا، أفرادًا ومنظمات ومؤسسات، كي لا تضيع التضحيات، ولا تعود حقبة الاستبداد أو حكم الحزب الواحد أو الفرد الواحد بأي شكل من الأشكال.
بناءً على ذلك، فإننا في المركز السوري للإعلام وحرية التعبير وفي هذه اللحظة المنتظرة ندعو إلى ما يلي:
- تحقيق العدالة الانتقالية الشاملة: من خلال محاسبة كل من تورط في الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، سواء من النظام السابق أو من أي جهة أخرى أثناء سنوات الصراع. وإنشاء محاكم مستقلة ونزيهة تؤسس مسارًا وطنيًا للمساءلة وتضمن الشفافية وعدم الإفلات من العقاب. إضافة إلى جبر الضرر وتعويض الضحايا، بما يتضمن تقديم تعويضات عادلة للمتضررين/ات، سواء كانوا من عائلات الضحايا، أو المعتقلين، أو النازحين. وإنشاء برامج لإعادة تأهيل الناجين/ات من التعذيب وسوء المعاملة. والكشف عن مصير ضحايا الإخفاء القسري والمفقودين/ات، والتأكيد على حق الأهالي في معرفة الحقيقة،وضمان عدم تكرار الجرائم والانتهاكات وحماية حقوق الإنسان ومنع أي انتهاكات مستقبلية، من خلال تعزيز دور منظمات المجتمع المدني والرقابة المستقلة. والانضمام إلى جميع الاتفاقيات الدولية التي تعزز حقوق الإنسان وضمان الالتزام بها.
- إعادة اللاجئين والمهجرين إلى ديارهم بكرامة وأمان: من خلال وضع خطط عاجلة لإعادة الإعمار وضمان عودة اللاجئين والمهجرين، وتوفير ضمانات دولية لحماية العائدين ومنع أي شكل من أشكال التمييز أو الانتقام.
- بناء نظام ديمقراطي يعكس تطلعات الشعب السوري: يتضمن صياغة دستور جديد يحترم الحقوق والحريات العامة والخاصة، ويؤسس لدولة القانون. ثم إجراء انتخابات بمراقبة منظمات المجتمع المدني، وضمان حرية العملية الانتخابية ونزاهتها.
- تجديد العقد الاجتماعي السوري على أسس العدالة والمساواة بين المواطنين/ات: الاعتراف بالتنوع الثقافي والديني والإثني للشعب السوري وضمان حقوق جميع المواطنين والمواطنات وتعزيز الحريات الفردية والعامة واحترامها، ونبذ كل أشكال التمييز القائمة على أساس الطائفة أو العرق أو الانتماء السياسي.
في هذه اللحظة التاريخية، نؤكد أن سقوط النظام ليس نهاية الطريق، بل هو بداية مرحلة جديدة تتطلب وعيًا ومسؤولية لبناء سوريا التي نحلم بها جميعًا: سوريا الحرية والكرامة ، سوريا العدالة واحترام حقوق الإنسان.
لذلك نناشد في المركز السوري للإعلام وحرية التعبير الجميع من قوى سياسية وعسكرية، ومنظمات دولية، ودولًا صديقة، وأبناء وبنات الشعب السوري داخل الوطن وخارجه، أن يوحدوا جهودهم لدعم هذه المرحلة الانتقالية بما يحقق أهداف الثورة السورية التي قدّم لأجلها السوريون والسوريات الغالي والنفيس.
ونعاهد أرواح من رحلوا وضحوا وآلام المعتقلين/ات وتضحيات المهجرين/ات والنازحين/ات أن نواصل العمل دون كلل، حتى تكون سوريا وطنًا يحتضن جميع أبنائه وبناته، فلولا نضالاتهم/ن المستمرة منذ عقود ما كان لهذا التغيير أن ينجز، وما كان للأمل ببلاد خالية من الاستبداد والظلم أن يزهر في ساحات وطننا.
المجد وأكاليل الغار للسوريين والسوريات، وتضحياتهم/ن من أجل الحرية والكرامة ودولة القانون.