استمرار الإجراءات الحاسمة التي تم اتخاذها في تونس على مدى السنتين الماضيتين بتهديد الفضاء المدني الهش.
نشر أولًا في المادة ١٩.
في 25 جويلية 2021، شهدت تونس لحظة فارقة في تاريخها، حيث أعلن الرئيس قيس سعيد حالة الاستثناء، مصحوبة بإعلان إجراءات صارمة لتقليص الفضاء المدني. لم تكن حالة حقوق الانسان بهذه الهشاشة منذ ثورة 2011. وقد تم تفكيك المؤسسات التي كانت تكفل حماية لحقوق الإنسان بالكامل تقريبا مع تقويض استقلالية القضاء. وقد تم وضع قوانين قمعية تنتهك الحقوق الأساسية بما في ذلك حرية التعبير والصحافة وحرية التظاهر والتجمع وحتى الحق في الوصول إلى المعلومات.
وقد شكل العدد المتزايد من الاعتقالات في عام 2023 التي طالت الصحفيين وسياسيين من المعارضة، إلى جانب مبادرة لتعديل الأطر القانونية المتعلقة بالحريات المرتبطة، مؤشرات مقلقة على عزم السلطات تصعيد قمعها للمجال المدني في البلاد وتقييد حرية التعبير.
ركزت الإجراءات التي اتخذها رئيس الجمهورية قيس سعيد منذ 25 جويلية 2021 السلطة التنفيذية والتشريعية، بالإضافة إلى جوانب من القضاء في يده دون أي ضوابط أو توازنات. وقد تضع هذه الإجراءات تونس في موقف خطير، حيث تم تعليق النظام الديمقراطي فعليًا دون أي ضمانات لإعادة تثبيته.
تتعرض حقوق الإنسان أيضًا للخطر وخاصة حرية التعبير، حيث تستمر الهجمات على حرية الصحافة والحق في الحصول على المعلومات. تعبر منظمة المادة 19 عن قلقها بشأن العدد الكبير من الهجمات المبلغ عنها ضد الصحفيين وعدم التحقيق في هذه الهجمات وتعرض وسائل الإعلام والمذيعين لتوجيهات جديدة تعيق قدرتهم على التقارير بحرية، واعتقال ومحاكمة النشطاء والسياسيين.
في هذا التحليل الموجز، تعرض منظمة المادة 19 مخاوفها بشأن الإجراءات الحاسمة التي تم اتخاذها في تونس على مدى السنتين الماضيتين، وتأثيرها الخطير على حقوق الإنسان والديمقراطية. ندعو الرئيس سعيد إلى ضمان عودة المؤسسات الديمقراطية في تونس وإلى استعادة حماية حقوق الإنسان عاجلا وفقا للمعايير الدولية وإنهاء محاكمة الأشخاص الذين يمارسون حقهم في حرية التعبير.
المراسيم القانونية المدمرة للحرية
*/ هدم استقلالية القضاء: أدت التغييرات في التشريعات إلى ضعف استقلالية القضاء بشكل كبير مما أثر على مبدأ الفصل بين السلط وقلل من قدرة المحاكم على حماية حقوق الإنسان. في 1 جوان 2022 وبموجب جوان 20222-35، الذي يعطي الرئيس صلاحية إقالة القضاة قام على إثره قيس سعيد بإقالة 57 قاضيًا. أصدر الرئيس أيضا المرسوم 2022-11 الذي حل المجلس الأعلى للقضاء، واستبدله بمجلس أعلى مؤقت ومنح السلطة التنفيذية صلاحيات هائلة للتأثير على التعيينات والإقالات والعمل العام للمجلس الأعلى المؤقت. عدل سعيد فيما بعد المرسوم 2022-11 حتى يتم إزالة صلاحية الإقالة من المجلس الأعلى المؤقت والسماح للرئيس بممارسة هذه الصلاحية بعد تلقي تقرير من السلطات المختصة. ولتجنب القرارات القضائية المحتملة التي قد تقوم بتعطيل أو تأجيل تنفيذ الإقالة، ينص المرسوم أيضًا على. أن الإقالة تثير محاكمة جنائية ولا يمكن الطعن فيها إلا بعد صدور حكم نهائي.
*/ تجريم التعبير عبر الإنترنت: صدر المرسوم عدد 2022-54 في 13 سبتمبر 2022، والذي يتناول بشكل ظاهري الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال. ويجرم أنواعا فضفاضة التعريف من التعبير على الإنترنت بدلًا من استهداف الجرائم الفعلية المعتمدة على الإنترنت. تم فتح العديد من التحقيقات ضد المنتقدين للحكومة استنادًا على المرسوم 2022-54. وينتهك هذا الأخير ما جاء في الدستور التونسي والمعايير الدولية لحقوق الإنسان كما يفتقد لحمايات الإجراءات القانونية ولا يلتزم بالمبادئ القانونية علاوة على ذلك، فانه يفرض عقوبات للعديد من الجرائم التي تم التطرق اليها بواسطة نصوص قانونية أخرى. وهذا لا يتوافق مع متطلبات الأمن القانوني ويزيد من إمكانية تطبيق هذه الأحكام بشكل تعسفي. أما نظام العقاب وبالأخص الأحكام السجنية فهي غير متناسبة ومشطة. وأخيرا، يمنح هذا المرسوم صلاحيات تحقيقية واسعة للسلطات التونسية دون تقديم ضمانات إجرائية كافية أو حماية للحقوق مثل تمكين الجهات القانونية من الوصول وجمع البيانات من أي نظام معلومات أو جهاز أو بيانات شبكة الاتصالات السلكية واللاسلكية أو اعتراض الاتصالات مع موافقة قضائية مسبقة.
في مارس 2023، فشلت تونس في الاستجابة للتوصيات الأساسية المقدمة من قبل العديد من الدول مثل سويسرا والمملكة المتحدة وألمانيا ومجموعة العمل للمراجعة الدورية الشاملة (UPR) خلال دورتها الرابعة في نوفمبر 2022. وقد رفضت الحكومة التونسية بشكل ملحوظ كل الاقتراحات التي تطالب بإلغاء المرسوم 2022-54 وتطالب بوقف ممارسة محاكمة المدنيين بما في ذلك الصحفيين والمحامين والمعارضين السياسيين في المحاكم العسكرية.
تضييق الفضاء المدني
استخدمت السلطات التونسية تدابير قمعية وعنيفة ضد المتظاهرين لحظر التجمعات. تتضمن هذه التدابير استخدام القوة غير المتناسبة والترهيب والاعتقالات. كما تم اتخاذ تدابير قمعية ضد الأشخاص الذين يتداولون المنشورات التي تدعو إلى التظاهرات أو تدعم حركات الاحتجاج كما لم يتم التحقيق على الفور وبشكل شامل في اتهامات بأن قوات الأمن استخدمت القوة المفرطة ضد المتظاهرين. وفي 14 جانفي 2022، عبر المتظاهرون بطريقة سلمية رفضهم للقرارات التي اتخذها رئيس الجمهورية في 25 جويلية 2021 إلى جانب العواقب الناتجة عنها. وعند وصولهم إلى الطرق المؤدية إلى مركز العاصمة، واجهوا قمعا وحشيا من قبل قوات الأمن. كما تعرضوا للضرب والإهانات واستخدمت ضدهم تكتيكات كالغاز المسيل للدموع ومدافع الماء لتفريقهم ومنع وصولهم إلى شارع الحبيب بورقيبة المرتبط والرامز لثورة 2011. وتم احتجاز العديد من المشاركين ونقلهم إلى مراكز الشرطة. كما تم ايقاف العديد من الصحفيين الذين كانوا يغطون الاحتجاجات من بينهم زينة ماجري التي تم اعتقالها ومن ثم الإفراج عنها وأميرة الجبالي التي تم مصادرة هاتفها والوصول إلى بياناته من قبل السلطات وماثيو جالتيه، مراسل صحيفة ليبراسيون الفرنسية، الذي تعرض لهجوم جسدي وتم الاستيلاء على معداته.
إضعاف الحق في الوصول إلى المعلومات
الوصول إلى المعلومات هو آلية حاسمة تمكن الجمهور والمجتمع المدني من الوصول إلى المعلومات التي تحتفظ بها الهيئات العامة وتمنحهم القدرة على محاسبة قادتهم. كما هو مذكور في الفصل الأولى من القانون رقم 22 لسنة 2016 حول الحق في الوصول إلى المعلومات. فإن الهدف من هذا القانون هو تعزيز مبادئ الشفافية والمساءلة وتشجيع مشاركة الجمهور في تشكيل وتنفيذ وتقييم السياسات العامة. الانتهاكات التي تطال هذا الحق تؤدي حتمًا إلى عرقلة الأفراد عن ممارسة الرقابة على السلطات العامة وعن المشاركة الناشطة في الشؤون العامة.
يؤكد الدستور الجديد لعام 2022 في فصله 38 أن الدولة “تضمن …الحق في النفاذ إلى المعلومة. تسعى الدولة إلى ضمان الحقّ في النفاذ إلى شبكات الاتصال.” وعلى الرغم من ذلك، لاحظت المادة 19 بشكل متكرر أن الهيئات الحكومية غير كافية في تقديرها للحق في الحصول على المعلومات. وعلاوة على ذلك، لا توظف كل الوزارات ناطقين رسميين مكلفين بتقديم المعلومات الشفافة.
تذكر المادة 19 الرئيس سعيد بالحق لكل مواطن في الوصول إلى المعلومات كما هو مكرس في الدستور التونسي. ندعو إلى اعتماد سياسة اتصال تعتمد على الانفتاح والشفافية والتي تجعل المعلومات متاحة على نطاق واسع للمواطنين بما في ذلك المعلومات والمحتوى الذي ينتقد الحكومة أو ذو طابع سياسي لا يتبع بالضرورة خطوط الحزب الحاكم. كما يجب أن تهدف هذه السياسة إلى اخضاع مؤسسات الدولة لمبادئ الشفافية والمساءلة وفقا للأحكام الدستورية.
الهجمات على الإعلام والصحفيين
*/ تضعيف المشهد الإعلامي التونسي: شهدت فترة الرئيس قيس سعيد تحولات كبيرة في المشهد الإعلامي التونسي مما أدى إلى تدهوره. سلطت قيود مثيرة للقلق خلال السنتين الماضيتين، على حرية الصحافة وزيادة الرقابة الرقمية والتدخل السياسي المتفشي والتحرش والتهديدات تجاه الصحفيين، والوصول المحدود إلى المعلومات والتلاعب بالهيئات الرقابية على الإعلام وخنق وسائل الإعلام المستقلة.
تم إغلاق منصات إعلامية بارزة مثل شمس اف ام و دار الصباح بأمر قضائي. وفي نهاية عام 2022، شهدت الرقابة على الإنترنت ارتفاعًا حادًا بسبب الاعتماد المفرط على المرسوم 2022-54. بالإضافة إلى ذلك، تم فرض التدخل السياسي في المشهد الإعلامي مثل الإقالة المباشرة للرئيس التنفيذي للتلفزة الوطنية وتعيينات رئيس الجمهورية لمناصب في وكالة الأنباء التونسية (TAP) وبالتالي تقويض نزاهة موقفها التحريري. بالإضافة إلى ذلك، تلاعبت السلطة التنفيذية بالهيئات الرقابية على الإعلام من خلال استبدال أعضاء الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري (HAICA) بتعيينات حكومية، مما أدى إلى مخاوف بشأن استقلالية الهيئة.
تعبر المادة 19 عن قلقها العميق حيال مستقبل الهايكا، التي تلعب دورًا حاسمًا في تعزيز التعددية الإعلامية والاستقلالية وحرية التعبير في تونس. كما تذكر بالدور الأساسي الذي تلعبه السلطة التعديلية في ضمان سلامة البيئة الإعلامية والمجتمعات الديمقراطية. فهي تحمي حرية الإعلام والتعددية، مما يتيح لمجموعة متنوعة من الآراء أن تزدهر. كما تفرض هذه الهيئات معايير تعديلية عادلة وموضوعية، وتضمن في الوقت نفسه الحد من انتشار خطاب الكراهية والمعلومات المضللة. في جوهرها، ضمان قوة واستقلالية الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري هو المفتاح للحفاظ على مبادئ الديمقراطية وتعزيز المشهد الإعلامي في تونس.
كما قامت السلطات بالهجوم على موزاييك أف أم، واحدة من أهم وأشهر محطات الراديو في تونس، من خلال اعتقال الصحفي نور الدين بوطار، مدير الراديو، بعد البث الذي انتقد الشؤون العامة والسياسية في البلاد. كما تعرضت وسائل الإعلام البديلة مثل نواة في مارس 2023 لهجمات سيبرانية شديدة، تشكل تهديدا لاستمرار عملياتها. تبين هذه التطورات صورة قاتمة للبيئة الإعلامية في تونس وتتميز بتراجع كبير لحرية الصحافة ونشوء مناخ من الخوف والرقابة.
*/ سجن الصحفيين: يتميز المشهد الصحفي في تونس بانخفاض ملحوظ في حرية التعبير، كما يتضح من زيادة الإدانات والاعتقالات والإجراءات القانونية المتخذة ضد الصحفيين. الحالات البارزة تشمل تلك المتعلقة بمنية العرفاوي، صحفية في جريدة الصباح، التي تم استجوابها من قبل قاضي التحقيق في 24 و31 مارس 2023. وكان ذلك ردا على شكوى تقدمت بهما الوزارة ضدها بعد انتقادها لتعليق شراكة كانت مقررة بين وزارة الشؤون الدينية ومكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان.
حالة أخرى تتعلق بمحمد بوغلاب، صحفي في محطة راديو كاب أف أم، الذي مثل أمام المحكمة في 7 أفريل 2023 ردا على تقاريره حول سيارة فاخرة تمت مصادرتها سابقا من قبل الديوانة التونسية، وتم التفويت فيها لصالح وزير الشؤون الدينية وهو موضوع بالتأكيد يهم الشأن العام.
في ماي 2023، تم تقديم شكوى ضد الصحفيين، هيثم المكي وإلياس والغربي، ردا على تعليقات أدلوا بها في برنامج ميدي شو، الذي بُث على موزاييك أف أم في 15 ماي الفارط. تتعلق الشكوى بتهمة القذف بموجب الفصل 245 من القانون الجنائي واتهامات بنشر شائعات تؤثر على الأمن الداخلي، وهو جريمة بموجب الفصل 24 من المرسوم رقم 2022-54. في 16 ماي 2023، تعرض الصحفي خليفة القاسمي إلى حكم غير مسبوق في تونس وأصدرت ضده عقوبة سجن لمدة خمس سنوات بموجب أحكام قانون مكافحة الإرهاب.
كما تم اعتقال زياد الهاني ثم أُفرج عنه في 20 جوان 2023 بعد تعليقه على راديو ا.ف.م لجريمة “ارتكاب عمل وحشي ضد رئيس الجمهورية”.
في غضون سنتين، تراجع ترتيب تونس بشكل كبير، في تقرير المادة 19 العالمي للتعبير 2023، الذي يوثق ويصنف مستويات حرية التعبير في البلدان حول العالم سنويا. ووفقا للتقرير، يتم تصنيف تونس الآن في المركز 79 من أصل 161. يصنف مؤشر حرية الصحافة العالمي لمنظمة مراسلون بلا حدود لعام 2023 تونس في المرتبة 121 من أصل 181.
توصيات
من أجل ضمان حرية التعبير والوصول إلى المعلومات في تونس، تقدم المادة 19 التوصيات التالية إلى رئيس الجمهورية والسلطة القضائية وقوات الأمن والمجتمع المدني.
توصيات لرئيس الجمهورية
✓ أولوية تعزيز الحريات الأساسية، بما في ذلك حرية التعبير والحق في الوصول إلى المعلومات، وضمان أن تتوافق كل القوانين مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان.
✓ إلغاء أو تعديل القوانين التي تقمع حرية التعبير، مثل تلك التي تسمح بالرقابة أو تعاقب بشكل مفرط مثل المرسوم 54.
✓ ضمان بيئة صحية لاستقلالية مؤسسات التعديل و التعديل الذاتي
✓ الدعوة إلى احترام حرية الصحافة وإطلاق سراح جميع الصحفيين من الاحتجاز.
✓ دعوة الوزارات إلى تعيين المتحدثين باسمها لتسهيل الوصول إلى المعلومات لجميع المواطنين.
توصيات لقوات الأمن
✓ ضمان عدم استخدام القوة ضد المتظاهرين السلميين، مع ضمان أن تكون أي استجابة للاحتجاجات متناسبة وضرورية.
✓ ضمان توفير التدريب المناسب على التعامل مع الاحتجاجات بطريقة غير عنيفة واحترام حقوق المتظاهرين. يجب محاسبة قوات الأمن على أي استخدام مفرط للقوة أو سوء السلوك.
✓ ضمان سلامة وحرية الصحفيين معترفا بدورهم الحاسم في توثيق الأحداث وتقديم المساعدة.
توصيات للسلطات القضائية
✓ ضمان أن تلتزم أي قيود على حرية التعبير بالمبادئ القانونية والشرعية والضرورة والتناسب.
✓ حماية الصحفيين وغيرهم من الأفراد الذين يمارسون حقهم في حرية التعبير من الإجراءات القانونية غير المبررة، مثل الدعاوى القضائية الموجهة لقمع أنشطتهم.
توصيات للمجتمع المدني
✓ مواصلة الدعوة إلى حرية التعبير والحق في الوصول إلى المعلومات، وزيادة الوعي بشأن هذه المواضيع بين الجمهور.
✓ تطوير برامج لتعزيز التربية على الإعلام، مما يتيح للجمهور التمييز بين المعلومات ذات الجودة وفهم حقوقهم.
✓ حماية المجال المدني ضد أي ترهيب والبقاء متحدين في التضامن السلمي.