في الأسابيع الأخيرة، سُجن ثلاثة أعضاء في البرلمان بتهم تتعلق بالتعبير، ووُضع ما لا يقل عن 50 تونسيًا قيد الإقامة الجبرية التعسفية، بمن فيهم مسؤولون سابقون، وقاض، وثلاثة نواب.
تم نشر هذا البيان أولا على موقع منظمة هيومن رايتس ووتش بتاريخ 11 أيلول 2021
وضع العشرات تحت الإقامة الجبريّة تعسّفا
قالت “هيومن رايتس ووتش” اليوم إنّ تونس شهدت ارتفاعا في أعمال القمع التعسفية وذات الدوافع السياسية منذ 25 يوليو/تموز 2021، لمّا علّق الرئيس قيس سعيّد البرلمان، ورفع الحصانة عن نوّابه، وعزل رئيس الحكومة، وأعلن نفسه رئيسا للنيابة العمومية.
سُجن ثلاثة أعضاء في البرلمان بتهم تتعلّق بحرية التعبير، ووَضع ما لا يقلّ عن 50 تونسيا قيد الإقامة الجبريّة التعسفية، منهم مسؤولون سابقون، وقاض، وثلاثة نواب. واجه عشرات التونسيين الآخرين حظر سفر تعسفي انتهك حريتهم في التنقل. في 23 أغسطس/آب، مدّد سعيّد السلطات الاستثنائية التي منحها لنفسه إلى أجل غير مسمى. لم يُعد فتح البرلمان، ولم يعيّن رئيسا جديدا للحكومة بعد، و زعم أنّ هذه الإجراءات لن تُعرّض حقوق التونسيين للخطر.
قال إريك غولدستين، مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالإنابة في هيومن رايتس ووتش: “تبدو تطمينات الرئيس سعيّد بشأن حقوق الإنسان جوفاء عندما يركّز السلطات في يده، ويصير أعضاء البرلمان والتونسيون الآخرون فجأة عرضة لقيود تعسفية على حريتهم، ويُزجّ ببعضهم في السجن”.
منذ إعلان سعيّد، أعلنت النيابة المدنية والعسكرية عن فتح تحقيقات ضدّ عشرة أعضاء في البرلمان على الأقل، أربعة منهم موقوفون. في 9 سبتمبر/أيلول، قال عماد الغابري، الناطق باسم المحكمة الإدارية في تونس العاصمة، إنّ الأشخاص الخاضعين للإقامة الجبريّة، بأمر من وزير الداخلية المؤقت الذي عيّنه سعيّد، يشملون أيضا مسؤولين حكوميين، ومسؤولين سابقين، ونوابا في البرلمان، وقضاة، ورجال أعمال، ومستشارين في حكومات سابقة. قال أيضا إنّ عشرة منهم قد طعنوا في قرارات الإقامة الجبرية لدى المحكمة الإدارية في تونس العاصمة حتى 9 سبتمبر/أيلول.
رفعُ الحصانة عن أعضاء البرلمان مهّد الطريق للسلطات لتنفيذ عقوبة سجنية لمدّة شهرين في 2018 صادرة عن المحكمة العسكرية ضدّ النائب ياسين العياري بتهمة التشهير، وهو موجود حاليا في سجن المرناقية. يخضع العياري أيضا للتحقيق من قبل النيابة العسكرية بتهمة “التشهير بالجيش”. قالت هيومن رايتس ووتش إنّ على السلطات الإفراج عنه فورا لأنه يُعاقب بسبب ممارسة حقه في التعبير.
سُجن عضوان آخران في البرلمان منذ أكثر من شهر بتهمة التشهير: هما الجديدي السبوعي، الذي اعتقلته السلطات يوم 5 أغسطس/آب بعد شكوى رفعها ضده والي زغوان الذي كان قد اتهمه بالتشهير والفساد، وفيصل التبيني، الذي اعتُقل يوم 2 أغسطس/آب بموجب مذكّرة صدرت في أكتوبر/تشرين الأول 2019 وتتعلق بالتشهير والافتراء والتحريض على العصيان ضدّ وكيل الجمهورية بالمحكمة الابتدائية بجندوبة في منشورات وفيديوهات على “فيسبوك”. يواجه خمسة آخرون تهمة إهانة ومهاجمة ضابط شرطة في مطار تونس أثناء مشاجرة، بينما اعتُقل آخر بتهمة كسر أختام محطة إذاعية تابعة لهفي تونس.
في 30 يوليو/تموز، اعتقل ما لا يقلّ عن 30 عون أمن ياسين العياري، النائب عن “حركة أمل وعمل”، في منزله، بحسب ما قاله محاميه مالك الصياحي لـ هيومن رايتس ووتش. قال أيضا إنّ محاميي العياري لم يتمكنوا من زيارته في سجن المرناقية بتونس العاصمة إلا بعد 15 يوما من إيقافه.
العقوبة المسلّطة على العياري صدرت ضدّه في 2018 من قبل محكمة عسكريّة رغم أنه مدني. في أغسطس/آب، وجهت له النيابة العسكرية تهما جديدة بموجب الفصل 91 من “مجلة المرافعات والعقوبات العسكرية” على خلفية منشورات على فيسبوك أيام 26 و27 و28 يوليو/تموز 2021 تتعلق ب”تحقير الجيش والمس من كرامته أو سمعته أو معنويته”. قال الصياحي إنّ العياري دخل في إضراب عن الطعام يوم 8 سبتمبر/أيلول احتجاجا على سجنه. محاكمة مدني في محكمة عسكرية فيها انتهاك للحق في المحاكمة العادلة وضمانات الإجراءات القانونية الواجبة.
وثّقت هيومن رايتس ووتش حالة شخصين بارزين قالا إنهما لا يعرفان سبب وضعهما تحت الإقامة الجبريّة، ولم يحصلا على أيّ وثائق رسمية في الغرض.
قال شوقي الطبيب، المحامي والرئيس السابق لـ “الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد” إنّ أعوان أمن من مركز شرطة حيّ النصر بتونس العاصمة وضعوه تحت الإقامة الجبرية يوم 20 أغسطس/آب، دون كشف الأسباب، وأخبروه أن هذا الوضع سيستمر حتى نهاية حالة الطوارئ، التي تنتهي في 19 يناير/كانون الثاني 2022.
قال إنه طالب بقرار رسمي، لكن أحد الأعوان “أخرج هاتفه وأطلعني على ما قال إنها نسخة رقمية من القرار. وعندما طلبت منه مدّي بالوثيقة الأصلية، قال لي إنه سوف يرسلها لي. لكن مرّت أسابيع ولم أحصل عليها بعد”.
قال: “لا أعرف إن كانت هناك شكوى [قضائية] ضدّي، وإن كنت أواجه أي قضايا قانونية. لم يتمّ استدعائي للاستجواب أو أي شيء، ولم أعرض على قاض في أي قضية حتى الآن”.
قيّدت السلطات تحركات الطبيب إلى التجوال في حيّه. قال إنهم طلبوا منه إعلامهم بمواعيده مع الطبيب قبل 24 ساعة، ورافقوه أثناء الزيارة. قال: “كان المشهد مخزيا للغاية. عاملوني كما لو أنني بن لادن نفسه”.
في 26 أغسطس/آب، طعن الطبيب في القرار لدى المحكمة الإدارية، وهو ينتظر حكمها.
كما قام أعوان أمن بوضع زهير مخلوف، النائب المستقل بالبرلمان، قيد الإقامة الجبرية أثناء زيارته لمنزل والدته يوم 16 أغسطس/آب، دون إبداء الأسباب. قال مخلوف لـ هيومن رايتس ووتش: “تمّ نقلي إلى مركز شرطة المعمورة، وهناك طلب مني أحد الأعوان التوقيع على وثيقة ولم يسمح لي بقراءتها. استشهد العون بالتدابير الاستثنائية التي أعلن عنها سعيّد يوم 25 يوليو/تموز، بقرار تعيين مكلّف بتسيير وزارة الداخلية”.
قال مخلوف إنّه نُقل إلى مركز شرطة في مدينة نابل، “وهناك وقّعت على محضر للشرطة بشأن قرار وضعي في الإقامة الجبرية. نصّ القرار على عدم مغادرة منزل والدتي أو خرق الإقامة الجبرية بأي طريقة كانت. طالبت بنسخة عن محضر الشرطة فقيل لي إنه يتعيّن عليّ تقديم طلب للمحكمة الإدارية، وهو ما فعلته يوم 25 أغسطس/آب. يُفتشون كل من يأتي لزيارتي، بما في ذلك أختي وزوجتي”.
قال أيضا إنه لم يتم إخباره شخصيا بسبب القرار، لكن محاميه أخبره أنّ القضية الموجّهة ضده في 2019 والمتعلقة بالتحرش الجنسي لم تكن هي السبب. يعتقد مخلوف أن السبب هو “منشورات على فيسبوك ومقابلات تلفزيونية انتقدتُ فيها ما قام به سعيّد، ووصفي لما أقدم عليه بـ’الانتهاك الدستوري الجسيم'”.
قال مخلوف إنه يتوقع أن يظلّ تحت الإقامة الجبرية حتى انتهاء حالة الطوارئ، مضيفا: “أنا الآن أعيش في سجن”.
يسمح الفصل 80 من دستور 2014 الذي استخدمه الرئيس سعيّد يوم 25 يوليو/تموز ليُبرّر به سلطاته الاستثنائية باتخاذ أي تدابير يحتمها الوضع “في حالة خطر داهم مهدّد لكيان الوطن وأمن البلاد واستقلالها”. علّق الرئيس البرلمان رغم أنّ الفصل 80 ينصّ على بقائه في “حالة انعقاد دائم طيلة هذه الفترة” ويحظر على الرئيس “حلّه”.
المحكمة الدستورية التي أنشأها دستور 2014، والتي لها صلاحية الحدّ من سوء استخدام الرئيس للسلطات، غير موجودة بسبب الخلافات المستمرة على تكوينها. يسمح الفصل 80 لهذه المحكمة بمراجعة تمديد السلطات الاستثنائية بعد 30 يوما والبت في ما إذا كانت الأوضاع التي حتمتها مازالت موجودة.
في اليوم السابق لإعلان الرئيس سعيّد للسلطات الاستثنائية استنادا إلى الفصل 80 من الدستور كان قد مدّد حالة الطوارئ إلى 19 يناير/كانون الثاني 2022، والتي تكرر تجديدها منذ أن أعلن عنها الرئيس الأسبق الباجي قايد السبسي في 2015. يمنح مرسوم حالة الطوارئ للسلطة التنفيذية صلاحيات واسعة تشمل حظر الإضرابات والمظاهرات والتجمعات العامة، ووضع الأشخاص في الإقامة الجبرية، والسيطرة على وسائل الإعلام.
بموجب المعايير الدولية، تُعتبر الإقامة الجبريّة شكلا من أشكال الاحتجاز، وتستوجب ضمانات معيّنة لتكون قانونية، حتى أثناء حالة الطوارئ، ومنها ألا تكون فترة الإقامة الجبرية إلى أجل غير مسمى، وحصول الشخص المعني بها على نسخة مكتوبة من قرار فرضها، وضمان قدرة الخاضعين لها على الطعن فيها لدى هيئة محايدة، واخضاعها لمراجعة قضائية منتظمة. كل تجديد لأمر الإقامة الجبرية يجب أن يخضع لموافقة المحكمة.
ذكرت “اللجنة المعنية بحقوق الإنسان” في الأمم المتحدة أنه يجب التعامل مع التشهير على أنه مسألة مدنية وليست جنائية، و”ألا تكون عقوبة السجن على الإطلاق هي العقوبة المناسبة”.