مايو/أيار ٢٠٢٤ في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: ملخص لحرية التعبير من إعداد نسيم طراونة، المحرر الإقليمي لآيفكس، بالاستناد إلى تقارير أعضاء آيفكس وأخبار المنطقة.
تزايد المخاوف بشأن المناخ السياسي في تونس مع اعتقال المنتقدين قبل الانتخابات الرئاسية. تستهدف إسرائيل قناة الجزيرة، وتعتقل صحفيين فلسطينيين وسط استمرار الإفلات من العقاب. محكمة فرنسية تحكم على ثلاثة مسؤولين سوريين في قضية تاريخية.
تآكل الحيز المدني في تونس مع تصاعد حملة القمع
تتزايد المخاوف المتعلقة بتكثيف حملة القمع على المجتمع المدني وحرية الصحافة في ظل إدارة حكومة الرئيس قيس سعيد قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة في تونس، ويبدو أن هذا القمع يزداد حدة في الوقت الذي يسعى به سعيد إلى إحكام قبضته على السلطة من خلال استهداف المنتقدين.
بدأت الحملة الكيدية بعد اجتماع ما بين الحكومة التونسية ووزارة الداخلية الإيطالية حول إدارة ملف الهجرة، حيث استهدفت السلطات ١٢ منظمة تدعم المهاجرين واللاجئين، ومن ضمنها المنظمات الشريكة للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، في ٣ مايو/أيار، بتهم غامضة مثل “جرائم مالية”.
إن اعتقالات أعضاء المنظمات غير الحكومية مثل منامتي، والمجلس التونسي للاجئين، وتونس أرض اللجوء تظهر الوضع المحفوف بالمخاطر للمدافعين عن حقوق المهاجرين وطالبي اللجوء، والقمع الأوسع للمجتمع المدني المستقل في تونس.
قالت لما فقيه، مديرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش:
“تبعث الحملة ضد العمل المتعلق بالهجرة وتزايد الاعتقالات بحق منتقدي الحكومة والصحفيين برسالة مخيفة مفادها أن السلطات ستستهدف أي شخص لا ينصاع لها.
داهم ضباط الأمن مقر نقابة المحامين التونسية، خلال بث تلفزيوني مباشر، في ١١ مايو/أيار، حيث اعتقلوا واحتجزوا المحامية والإعلامية سونيا دهماني، كما ضايقوا أفراد طاقم فرانس ٢٤ الذي كان متواجدا في مكان الحادثة، ومن ضمنهم المراسلة مارلين دوماس، والمصور حمدي التليلي.
🇹🇳 Police in #Tunisia have raided the bar association headquarters for the second time in two days and arrested another lawyer.
The new arrest after a day of strike action by legal professionals after police detained a lawyer critical of the president over the weekend ⤵️ pic.twitter.com/HmsPE٦ugdo
— FRANCE 24 English (@France24_en) May 14, 2024
[ ترجمة: مداهمة مقر نقابة المحامين بعد يوم من الإضراب والشرطة التونسية تعتقل محاميا ثانيا]
اعتقلت دهماني بموجب المرسوم عدد ٥٤ للجرائم الإلكترونية بسبب تعليقات ساخرة على مزاعم المهاجرين من قبل السلطات؛ كما اعتقل زميليها، الصحفيين برهان بسيس ومراد الزغيدي، في نفس اليوم، بسبب منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي، بما فيها انتقاد الحكم الأخير على الصحفي الإذاعي محمد بوغالب بالسجن لمدة ستة أشهر بموجب نفس المرسوم المثير للجدل. بعد أسبوعين من اعتقالهما، حكمت المحكمة على بسيس والزغيدي بالسجن لمدة عام بتهمة نشر “أخبار كاذبة” و” اشاعة أخبار تتضمن نسبة أمور غير حقيقية بهدف التشهير بالغير”، في إشارة إلى رئيس الجمهورية.
وقع آخرون أيضا في مرمى النيران، بمن فيهم حسام الحجلاوي، الصحفي والمؤسس المشارك لموقع “إنكفادا” الإخباري المستقل، الذي تم اعتقاله في ٤ مايو/أيار بسبب منشوراته على وسائل التواصل الاجتماعي.
وفقًا لجماعات حقوقية ونشطاء، يُستخدم قانون مكافحة جرائم أنظمة المعلومات والاتصال التونسي لعام ٢٠٢٢ بانتظام لإسكات وسائل الإعلام، وانتهاك حرية التعبير، تحت ستار مكافحة “نشر بيانات كاذبة” على الإنترنت، فارضا أحكامًا صارمة بالسجن.
في حين أثارت الاعتقالات والأحكام احتجاجات بين الصحفيين التونسيين والمجتمع المدني، الذين أدانوا التهديدات غير المسبوقة والقيود المتزايدة، إلا إن القمع المتصاعد يمثل بلا شك انتكاسة كبيرة للحريات التي تحققت في أعقاب ثورة تونس عام ٢٠١١.
على الرغم من الدعوات المطالبة بإلغاء القوانين القمعية، والإفراج عن النشطاء والصحفيين المحتجزين، فإن مساحة المعارضة تتقلص بسرعة في ظل حكومة سعيد، مثيرة المخاوف حول المناخ السياسي للانتخابات المقبلة.
وسائل الإعلام الإسرائيلية تعمل على إسكات السردية والسيطرة عليها
في الشهر الماضي، داهمت القوات الإسرائيلية مكتب قناة الجزيرة في القدس الشرقية المحتلة، وعلقت بثها، كما حجبت موقعها الإلكتروني، واتهمت القناة بـ”دعم الإرهاب” و”تهديد الأمن القومي الإسرائيلي”. تمثل هذه الخطوة، المدعومة بقانون الإعلام الجديد المثير للجدل، ضربة قاسية للوصول إلى المعلومات، وخاصة في ظل الهجوم الإسرائيلي المستمر على غزة.
إن الجهود الرامية لإسكات قناة الجزيرة هي جزء من نمط مثير للقلق تتبعه إسرائيل في استهداف الصحفيين الفلسطينيين، وخاصة مراسلي الجزيرة، الذين كانوا مصادر رئيسية للمعلومات على الأرض منذ بداية الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة.
وفقا للمركز الفلسطيني للتنمية والحريات الإعلامية (مدى)، قُتل ما لا يقل عن ١٣٩ صحفيا منذ ٧ أكتوبر/تشرين الأول، من بينهم عددا من مراسلي الجزيرة مثل حمزة الدحدوح، والمصور سامر أبو دقة، الذين قتلتهما القوات الإسرائيلية في يناير/كانون الثاني أثناء تغطيتهما الصحفية عن المدنيين النازحين.
“إن إغلاق محطة إذاعية دولية كبرى بعد أيام قليلة من اليوم العالمي لحرية الصحافة يبعث برسالة صارخة ومخيفة إلى جميع وسائل الإعلام في إسرائيل”.
— المدير التنفيذي للمعهد الدولي للصحافة، فران ماروفيتش.
أدان مركز مدى الإجراءات الإسرائيلية، ووصفها بأنها انتهاك خطير للحريات الإعلامية، وحث المؤسسات الدولية بالضغط على السلطات الإسرائيلية للتراجع عن قرارها، والكف عن استهداف الإعلاميين. ردد العديد من أعضاء آيفكس، ومن ضمنها المركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي (حملة) والمادة ١٩، هذه المشاعر، مؤكدين أن الجهود التي تبذلها السلطات الإسرائيلية من أجل: “السيطرة على سردية الحرب من خلال القيود الإعلامية تنتهك المعايير الدولية لحرية التعبير”.
في الشهر ذاته، استخدم المسؤولون الإسرائيليون قانون الإعلام الجديد لاستهداف وكالة أسوشيتد برس، حيث استولوا لفترة وجيزة على المعدات، وعطلوا التغطية الحية من غزة، واتهموا وكالة الأنباء بتوفير الصور لقناة الجزيرة. تم التراجع عن القرار بعد ساعات، إثر ضغوط فورية من إدارة الرئيس الأمريكي، بايدن، مما سلط الضوء على المعايير المزدوجة الصارخة في الجهود الدولية فيما يتعلق بإسكات إسرائيل للتغطية الإعلامية.
خارج قطاع غزة، أصبحت الاعتقالات الإدارية التعسفية سمة نظامية أخرى لجهود القمع الإسرائيلي، إذ وثّقت لجنة حماية الصحفيين اعتقال ما مجموعه ٤٤ صحفيًا بشكل تعسفي على يد السلطات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ ٧ تشرين الأول/أكتوبر، وغالبًا بدون تهمة. ما زال ٣٣ صحفيا على الأقل محتجزين.
قالت المجموعة الصحفية: “إن الإجراءات القانونية الواجبة تفشل، حيث لا يتمكن المحامون والعائلات، في كثير من الأحيان، من معرفة سبب اعتقال الصحفيين”، واعترفت بأن عدد الصحفيين المحتجزين قد يكون أعلى، حيث أصبح من الصعب التحقق من المعلومات.
تسلط المخاوف المتزايدة بشأن سلامة المعتقلين، مثل الصحفية رولا حسنين، التي احتجزتها السلطات الإسرائيلية تعسفيًا في شهر مارس/آذار، الضوء على الواقع المرير الذي يواجهه العاملون في مجال الإعلام الفلسطيني. دقت جماعات المناصرة ناقوس الخطر بشأن التقارير الأخيرة عن تدهور صحة الصحفية المحتجزة وابنتها الرضيعة.
تمثل قضية حسنين، التي كانت هدفًا لحملة تحريض عبر الإنترنت، نموذجًا للنمط الأوسع من القمع. اعتقلت القوات الإسرائيلية حسنين، وهي محررة في شبكة وطن الإعلامية، ومقرها رام الله، حيث داهمت منزلها في بيت لحم في ١٩ مارس/آذار دون تقديم أي تفسير، كما قيدت يديها وعصبت عينيها، كما صادرت حاسوبها المحمول وهاتفها الخلوي، ونقلتها إلى سجن الدامون.
منذ ذلك الحين، وجهت محكمة إسرائيلية لحسنين تهمة التحريض عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ورفضت طلب محاميها بإطلاق سراحها كحالة إنسانية لرعاية ابنتها البالغة من العمر تسعة أشهر، والتي تدهورت حالتها الصحية بسبب غيابها.
مكافحة الإفلات من العقاب، والانتظار الطويل لتحقيق العدالة لشيرين
لا يزال الكفاح ضد الإفلات من العقاب مستمر على الرغم من الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة والمتصاعدة. في ٢٤ مايو/أيار، أصدرت محكمة العدل الدولية تدابير مؤقتة تأمر من خلالها إسرائيل بوقف هجومها العسكري في رفح الغزاوية، وفتح المعابر الحدودية أمام إيصال المساعدات، وذلك في أعقاب التماس من جنوب أفريقيا، ووسط اتهامات بانتهاكات إسرائيل لاتفاقية مناهضة الإبادة الجماعية.
أيدت الجماعات الحقوقية دعوة جنوب أفريقيا لمحكمة العدل الدولية لتسهيل وصول وسائل الإعلام إلى غزة دون عوائق، كما شددوا على أن القيود التي تفرضها إسرائيل تجعل من المستحيل تقريبًا توثيق الأحداث على الأرض بشكل شامل، مما يعرض جهود المساءلة في المستقبل للخطر.
تقدمت منظمة مراسلون بلا حدود بشكوى ثالثة إلى المحكمة الجنائية الدولية حول جرائم الحرب الإسرائيلية ضد الصحفيين في غزة، مطالبة بمحاسبة إسرائيل عن قتل الصحفيين. طلبت الشكوى من المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية التحقيق في الجرائم المرتكبة في الفترة ما بين ١٥ ديسمبر/كانون الأول و٢٠ مايو/أيار ضد تسعة صحفيين فلسطينيين، على الأقل، بالإضافة إلى أكثر من ١٠٠ صحفي قتلوا على يد القوات الإسرائيلية منذ ٧ أكتوبر/تشرين الأول.
يبدو أن تحقيق العدالة للصحفيين الفلسطينيين الذين قتلوا في غزة بعيد المنال، حتى مع وجود توثيق، نظرًا لمستوى الإفلات من العقاب الذي تتمتع به إسرائيل. إن عدم إحراز تقدم في تحقيق العدالة في مقتل صحفية الجزيرة، شيرين أبو عاقلة، هو مثال صارخ على إصرار إفلات إسرائيل من العقاب؛ إذ مر عامين على وفاتها في الشهر الماضي، بدون محاسبة أحد.
[ترجمة: يصادف اليوم مرور عام على مقتل الصحفية شيرين أبو عاقلة على يد الجيش الإسرائيلي. ولا تعتبر قضيتها حالة منفردة، ولكنها تعكس نمطًا من الإفلات الإسرائيلي من العقاب على استهداف الصحفيين.#PressFreedom عرض وتنزيل هذه الصورة: ]
قتلت القوات الإسرائيلية الصحفية الفلسطينية الأمريكية في عام ٢٠٢٢، أثناء تغطيتها لغارة عسكرية إسرائيلية على مخيم جنين للاجئين. بعد بضعة أشهر، اعترف تحقيق للجيش الإسرائيلي بوجود “احتمال كبير” بأن تكون أبو عاقلة قد “أصيبت بطريق الخطأ” بنيران إسرائيلية، وأعلن أنه لا ينوي محاسبة الجنود المتورطين. هاجمت القوات الإسرائيلية مراسم تشييع الصحفية.
في الشهر الماضي، دعت لجنة حماية الصحفيين مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي (FBI) إلى تقديم جدول زمني لاستكمال التحقيق الذي استمر لمدة ١٨ شهرًا منذ مقتلها. كما قدمت عائلتها شكاوى إلى المحكمة الجنائية الدولية مع قناة الجزيرة، سعيًا لتحقيق العدالة.
قالت لينا أبوعاقلة: “الصحافة ليست جريمة، لكن استهداف الصحفيين جريمة” وأضافت: “وقد أدى الإفلات من العقاب الذي تتمتع به إسرائيل إلى مقتل واستهداف المزيد من الصحفيين في غزة.”
في بادرة تضامن، تم مؤخرًا تكريم الصحفيين الفلسطينيين الذين يغطون غزة بجائزة بطل حرية الصحافة العالمية لهذا العام من المعهد الدولي للصحافة (IPI-IMS)، وجائزة اليونسكو/غييرمو كانو العالمية لحرية الصحافة.
تضامنًا مع الصحفيين الفلسطينيين، والمؤسسات الإعلامية، واعضائنا في الأرض الفلسطينية المحتلة، تقف آيفكس بثبات في دعوتها لإنهاء إفلات إسرائيل من العقاب وتطالب بالمحاسبة على جرائمها ضد الصحفيين والمجتمع المدني. اقرأوا بياننا الكامل.
باختصار
أدانت المحاكم الفرنسية ثلاثة مسؤولين سوريين كبار، في الشهر الماضي، بينهم علي مملوك، وجميل حسن، وعبد السلام محمود غيابيا بتهم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب. تنبع التهم الموجهة إليهم من دورهم في سجن، واخفاء قسري، وتعذيب مواطنين سوريين فرنسيين وهما باتريك ومازن الدباغ، في عام ٢٠١٣.
على الرغم من وجود خاتمة بالنسبة للمدعين، إلا أن غياب معاهدة تسليم المجرمين بين فرنسا وسوريا يجعل النتيجة رمزية إلى حد كبير. مع ذلك، فإن المحاكمة تمثل قضية تاريخية ضد نظام الأسد، مما يساعد على كشف المزيد من الفظائع التي يرتكبها النظام.
في مصر، ألقي القبض على المعارض أحمد طنطاوي خلال جلسة محكمة بالقاهرة، حسبما أكد محاميه نبيه الجندي. استأنف طنطاوي، الذي كان يومًا منافسًا كبيرًا للرئيس السيسي، حكمًا صدر في فبراير/شباط يقضي بسجنه لمدة عام ويمنعه من خوض الانتخابات الوطنية المقبلة لمدة خمس سنوات بسبب تأييده غير المصرح به لحملات رئاسية. واجه طنطاوي إلى جانب مدير حملته الانتخابية، محمد أبو الديار، اتهامات تتعلق بتوزيع صحف حول الانتخابات دون تصريح رسمي. انسحب الطنطاوي من السباق في أكتوبر/تشرين الأول، بسبب الترهيب والقمع.
أخيرًا، جمع مؤتمر خبز ونت الذي انعقد الشهر الماضي المشاركين عبر الإنترنت لمعالجة قضايا الحقوق الرقمية الملحة التي تواجه المنطقة. تناولت المناقشات التغطية غير التقليدية في مناطق النزاع، والرقابة على وسائل التواصل الاجتماعي، والمراقبة الحكومية المشددة، بالإضافة إلى تسليط الضوء على التهديدات التي تتعرض لها حرية التعبير، وسلامة الصحفيين والناشطين.