مكافحة الإرهاب لن تتأتى بالاستهداف المنهجي والواسع النطاق للمجتمع المدني.
نشر أولًا على مركز القاهرة لحقوق الإنسان.
يرحب مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان بالدراسة الأممية الصادرة أمس 21 يونيو تحت عنوان “المجتمع المدني تحت الحصار” حول تأثير تدابير مكافحة الإرهاب عالميًا على حرية المجتمع المدني والفضاء العام، وذلك ضمن ولاية المقرر الخاص المعني بتعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية في سياق مكافحة الإرهاب.
تمثل الدراسة مساهمة بارزة في توفير القرائن والأدلة حول تأثير قوانين وسياسات مكافحة الإرهاب على عمل منظمات المجتمع المدني المستقلة. كما توثق الدراسة وقائع متعددة لإساءة استخدام التدابير الأمنية واسعة النطاق، والتي تم تبنيها بدعوى مكافحة الإرهاب، في الاعتداءات المتصاعدة على منظمات المجتمع المدني المستقلة في مختلف أنحاء العالم.
الدراسة الأممية الجديدة لم تخلص فقط إلى أن مكافحة الإرهاب لن تتأتى بالاستهداف المنتظم واسع النطاق للمجتمع المدني، بل أن أنماط الانتهاكات التي وثقتها كشفت أن تحقيق الأمن والاستقرار ليس الهدف الحقيقي من سياسات مكافحة الإرهاب في كثير من الدول القمعية، وإنما العكس؛ ضمان استمرار مناخ من عدم الاستقرار والترهيب وتبرير الإفلات من العقاب والعنف ” ولعل من المؤسف أن هذا الاستنتاج كان الأكثر اتساقًا مع الوقائع المشار لهافي الدراسة من بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بينما لا تبدي حكومات هذه المنطقة أية علامة على التراجع عن هذا التوجه.
وكان مركز القاهرة قد تشرف بالتعاون مع ولاية المقرر الخاص في إعداد بعض أجزاء هذه الدراسة المتعلقة بالمنطقة العربية، وذلك عبر تيسير المشاورات مع المدافعين عن حقوق الإنسان من مختلف أنحاء المنطقة، وتقديم تقارير ووقائع حول سياسات مكافحة الإرهاب فيها وانعكاساتها على المجتمع المدني. الأمر الذي سلط الضوء على نمط متكرر يتمثل في استغلال سياسات مكافحة الإرهاب لوصم المعارضة السلمية والنشطاء السياسيين والمدافعين عن حقوق الإنسان بالإرهابيين كأداة للقمع والانتقام في كل من؛ الجزائر ومصر وليبيا وفلسطين.
ففي مصر، أصبحت إجراءات مكافحة الإرهاب الأداة المفضلة للسلطات لفرض القمع والحفاظ على السيطرة وضمان الإفلات من العقاب. بينما في ليبيا يعرض قانون مكافحة الإرهاب المعارضة السياسية السلمية والأصوات المستقلة، بما في ذلك المدافعين عن حقوق الإنسان، لخطر السجن لفترات طويلة لمجرد ممارستهم حقهم في حرية التعبير. وبالمثل في الجزائر عدلت السلطات قانون العقوبات، وتعمدت توسيع تعريف الإرهاب بمرسوم رئاسي، في محاولة لخنق الأصوات الناقدة السلمية من خلال تصنيفهم كإرهابين وقد ترتب على ذلك اعتقال ومحاكمة المئات من المدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين ونشطاء الحراك. وفي فلسطين، وصمت السلطات الإسرائيلية المدافعين عن حقوق الإنسان بالإرهابيين وأغلقت منظماتهم كوسيلة لإسكات الأصوات المحتجة على الانتهاكات الإسرائيلية واسعة النطاق والممنهجة لحقوق الإنسان، وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني.
دراسة الأمم المتحدة والتي كشفت أنماطًا مختلفة لتوظيف سياسات مكافحة الإرهاب لقمع المجتمع المدني أكدت على أن “غياب أو خوف أو اختفاء المجتمع المدني، يجعل المجتمعات أكثر ضعفًا وأقل تشاركًا ومن ثم أكثر عُرضةً للظروف المسببة للإرهاب والعنف.” وهو ما سبق وحذرت منه مرارًا المنظمات الحقوقية المحلية والإقليمية والدولية. ولكن تغيير أنماط الانتهاكات وتجاهل حقوق الإنسان والراسخة لعقود، يحتاج لتحركات وخطوات عملية جادة، أبعد من الوعود والتصريحات الدعائية من دول وأنظمة التي تدعي كذبًا حماية حقوق الإنسان واحترامها في سياقات مكافحة الإرهاب. الأمر الذي يستلزم تطوير آليات رصد وتوثيق على المستويين الوطني والدولي لمعالجة انتهاكات حقوق الإنسان، وخطوات جادة لمحاسبة المسئولين عنها وضمان عدم إفلاتهم من العقاب. فبينما تتنامى جهود مكافحة الإرهاب متعددة الأطراف على مدى أكثر من عشرين عامًا، منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2011 على الولايات المتحدة، تسببت هذه الجهود والمساعي في مزيد من التعاون الأمني بين الدول ووفرت إطارًا للتدخلات العسكرية في العديد من البلدان. وتحت دعاوى مكافحة الإرهاب صاغت الحكومات الاستبدادية قوانينها القمعية وتهربت من المساءلة عن انتهاكاتها، بل واستفادت من الدعم العسكري والمالي والدبلوماسي من الحكومات الديمقراطية التي تدعي أنها ملتزمة بدعم حقوق الإنسان وسيادة القانون.