مايو/أيار ٢٠٢٣ في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: نظرة شاملة عن حرية التعبير، من إعداد نسم الطراونة، المحرر الإقليمي في آيفكس، استنادًا إلى تقارير أعضاء آيفكس وأخبار المنطقة
تنتهج مصر قوائم الإرهاب لقمع المنتقدين؛ وتتعرض الناشطات والصحفيات في السودان للاستهداف؛ ويعزز الإفلات من العقاب الإسرائيلي البيئة الخطرة التي يعمل فيها الصحفيون الفلسطينيون؛ كما تؤكد محكمة فرنسية اختصاصها في قضايا جرائم الحرب في سوريا، بالإضافة إلى انتصارات أخرى للمجتمع المدني.
مصر: جرائم المستقبل، والماضي، والحاضر
أطلقت الحكومة المصرية، الشهر الماضي، الحوار الوطني الذي طال انتظاره وكثر انتقاده، وسط حملة أمنية مستمرة على المنتقدين؛ وعلى الرغم من الإفراج عن الصحفيين المحتجزين، رؤوف عبيد وهشام عبد العزيز يومين قبل بدء مناقشات الحوار الوطني، وتأكيدات الرئيس عبد الفتاح السيسي بأن الحوار مفتوح لـ “جميع القوى السياسية دون استثناء”، إلا أن عشرات الآلاف من السجناء السياسيين لا يزالون قابعين خلف القضبان، في تقويض صريح للمسعى الإصلاحي المزعوم.
تواصل السلطات المصرية تسخير “قوائم الإرهاب” كأداة لقمع حرية التعبير، والتجمع، والانتقام من المعارضة السياسية والمنتقدين. تم الكشف في الشهر الماضي عن إضافة ٨١ شخصًا، بما فيهم مدافعون عن حقوق الإنسان ونشطاء سياسيين، إلى قوائم الإرهاب لمدة خمس سنوات، بالإضافة إلى تجميد أصولهم، ومنعهم من السفر. شملت القائمة أيضًا ما لا يقل عن ٣٢ صحفيًا من منصات إعلامية ناقدة لحكومة السيسي.
أصدرت محكمة جنايات القاهرة حكما بتمديد إدراج ١٥٢٦ مصريًا على قوائم الإرهاب لمدة ٥ سنوات إضافية؛ أغلبهم متهمون في قضية تعود لعام ٢٠١٨، بينهم أسماء لأشخاص متوفين مثل الرئيس المصري السابق، محمد مرسي، الذي توفي في الاحتجاز عام ٢٠١٩.
وفقًا لمجموعات حقوقية مصرية، تعكس هذه القرارات استمرار استخدام قوانين مكافحة الإرهاب الفضفاضة، التي تستهدف مرارًا وتكرارًا آلاف المعارضين السلميين للحكومة، وتحرمهم من حقوقهم في محاكمات عادلة. يتيح تفسير المواد المدرجة في قانون الكيانات الإرهابية في البلاد للسلطة القضائية فرض عقوبات على جرائم لم ترتكب بعد، بناء فقط على افتراض نية ارتكاب جريمة إرهابية مشتبه بها.
علاوة على ذلك، باتت السلطات تستخدم نظام التواصل عبر الفيديو “التعسفي بطبيعته” عن بُعد على نطاق واسع منذ عام ٢٠٢٢ في جلسات الاستماع الخاصة بتجديد الحبس الاحتياطي، حيث باتت تتجنب إحضار المعتقلين إلى المحكمة بشكل شخصي. هذا النظام الذي استخدم في البداية كاستجابة لجائحة كوفيد-١٩ يضمن إبقاء المعتقلين الضعفاء في عزلة، ومنعهم بشكل تعسفي من الزيارات أو المراسلات مع العائلة والمحامين.
وفقًا لمنظمة هيومن رايتس ووتش، من خلال تقويض الحق الذي يحظى به المعتقلون بالمثول أمام القاضي شخصيا والحصول على الدفاع القانوني، يؤدي هذا النظام المعيب: “إلى تفاقم ممارسات الحبس الاحتياطي التعسفيّة المستمرة منذ وقت طويل، والانتهاكات الصارخة للإجراءات القانونيّة الواجبة، ويساهم فعليا في التغطية على ظروف الاحتجاز التعسفيّ”.
تظل حياة العديد من المحتجزين في الاعتقال التعسفي عرضة للخطر حيث يتعرضون لمعاملة قاسية من قبل سلطات السجون. في شهر مايو/ أيار، لفتت منظمات حقوق الإنسان الانتباه إلى قضية الأكاديمي المسجون صلاح سلطان، الذي حرم من الحصول على الرعاية الصحية اللازمة على الرغم من معاناته من أمراض القلب والكبد التي تهدد حياته.
[الترجمة: صراحة، لم تبق لدي أفكار حول ما يمكنني فعله لإنقاذ حياة والدي قبل فوات الأوان! هو محتجز في أحد السجون الأكثر سوءًا في العالم بمصر، وقد تعرض لمضاعفات قلبية طفيفة خلال الأشهر الماضية، وترك دون رعاية لمدة ٨ ساعات! أحتاج مساعدتكم لإنقاذ سلطان!]
أعربت منظمات حقوق الإنسان أيضًا عن قلقها إزاء الوضع الصحي للشاعر جلال البحيري بعد تصعيد إضرابه عن الطعام الذي بدأ في مارس/آذار، احتجاجًا على مرور خمس سنوات على اعتقاله. صرح البحيري إنه سيمتنع عن تناول السوائل والأدوية في الأول من يونيو/حزيران احتجاجًا على استمرار اعتقاله غير العادل. في رسالة تم تهريبها من زنزانته في السجن، كتب البحيري:
ضدي انا، في كل يوم ببتعد عن الإنسان اللي جوايا خطوه، وبتحول لكيان خرساني، في مكان خرساني، بقانون خرساني؛ ضد كل دا، وعشان احافظ على اللي باقي، يوم ١يونيو الجاي، حبدأ إضراب عن الحياة من اجل نيل الحياة
اعتقلت قوات الأمن الناشط الحقوقي، معاذ الشرقاوي، من منزله في ١١ مايو/ أيار. حسب التقارير، تعرض نائب رئيس الاتحاد الطلابي السابق للاختفاء القسري لمدة ٢٢ يومًا قبل أن يمثل أمام المحكمة لمواجهة اتهامات جديدة تتعلق ب “الانضمام إلى جماعة إرهابية”. حدث ذلك من قبل في سبتمبر/ أيلول ٢٠١٨، حيث تعرض لاحتجاز طويل بسبب نشاطاته في الاتحاد الجامعي، قبل أن يتم الإفراج عنه في عام ٢٠٢٠.
اعتقلت السلطات أيضًا بشكل تعسفي ما لا يقل عن ١٢ فردًا من أفراد عائلة والمؤيدين المفترضين للنائب السابق، أحمد طنطاوي، في الأسابيع التي تلت إعلانه عن عودته إلى مصر والترشح لمنصب الرئيس في الانتخابات المقررة عام ٢٠٢٤. بحسب ما ورد، غادر طنطاوي إلى لبنان في أغسطس/آب ٢٠٢٢، عقب استقالته من منصب رئيس حزب الكرامة اليساري، نتيجة للضغوط التي تعرض لها من وكالات الأمن.
أصبح استخدام الردع ضد عائلات النشطاء والمنتقدين المقيمين في الخارج تكتيكًا متصاعدًا. لا يزال المعارضون الذين سعوا للّجوء في بلدان مثل تركيا ولبنان، عُرضة للضغوط السياسية التي تمارسها مصر على الحكومات الإقليمية.
أثير القلق بشأن سلامة الناشط وسجين الضمير السابق، عبد الرحمن طارق، في الشهر الماضي إثر احتجازه لعدة ساعات من قبل السلطات اللبنانية مع وجود مخاوف من تعرضه للترحيل.
على الرغم من عدم وضوح سبب الاعتقال، أشار المدافعون الذين مارسوا ضغوطا من أجل حرية طارق إلى جهود التعبئة الجماهيرية الفعالة للمجتمع المدني اللبناني التي ساهمت بشكل مؤثر في إطلاق سراحه بسرعة. تم إلغاء الاحتجاج المخطط له خارج مقر الشرطة بعد الإفراج عن الكاتب المغترب. قال الناشط رامي شعث لقناة الجزيرة: “عرضناهم للجحيم”، واصفًا الحادثة بأنها “تحذيرًا،” ولكن النتيجة كانت “إشارة جيدة للمعارضين الآخرين في لبنان”.
[ترجمة: سعدت بسماع أن السلطات اللبنانية أفرجت عن عبد الرحمن طارق موكا، وأنهم لم يُرحّلوه إلى مصر. لكن من المهم أن نتذكر أن العديد من النشطاء السوريين تم بالفعل ترحيلهم. نحتاج إلى نهج أكثر نظامية لمواجهة القمع العابر للحدود.]
الإفلات من العقاب الإسرائيلي يسهم في ” تغطية مميتة” للصحفيين الفلسطينيين
بعد مرور عام واحد، لا زالت العدالة تتحجب في قضية قتل الصحفية الفلسطينية الأمريكية البارزة، شيرين أبو عاقلة. نسبة إلى المدير التنفيذي للمعهد الدولي للصحافة (IPI)، فران مارويفيتش: “إن قضية قتل شيرين تمثل هجومًا مريبا جدا على الصحافة، لا سيما في ظل التقارير الموثوقة التي تشير إلى استهدافها واستهداف الصحفيين الآخرين عمدًا من قبل القوات الإسرائيلية، وأيضًا في ظل انتشار الإفلات من العقاب للجرائم التي ترتكبها إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة ضد الصحفيين”.
يكشف تقرير جديد صادر عن لجنة حماية الصحفيين عن نمط طويل من استخدام القوة الفتاكة ضد الصحفيين من قبل القوات الإسرائيلية، وغياب الاستجابة الكافية لتفادي المساءلة، في مؤشر على مدى إفلات إسرائيل من العقاب. يوثق التقرير مقتل ما لا يقل عن ٢٠صحفيًا على يد القوات الإسرائيلية منذ عام ٢٠٠١، بما فيهم ١٨ فلسطينيًا، دون توجيه تهم أو محاسبة أي شخص على وفاتهم.
[اليوم يصادف الذكرى السنوية الأولى لاغتيال شيرين أبو عاقلة. وفقًا لتقرير “نمط مميت” الصادر عن لجنة حماية الصحفيين، تعتبر شيرين واحدة مما لا يقل عن عشرين صحفيًا قتلوا على يد الجيش الإسرائيلي بدون محاسبة في السنوات العشرين الماضية. يمكنكم قراءة التقرير الكامل هنا]
إن القيود الصارمة المفروضة على تنقل الصحفيين الفلسطينيين تعني أنهم مقيدون بالعيش والتغطية في مناطق العنف الرئيسية؛ يتسبب ذلك، إلى جانب نظرة الجنود الإسرائيليين إلى الصحفيين الفلسطينيين، في خلق حقل تغطية مميت. فيما يتعلق بالعدالة، فإن إجراءات إسرائيل للتحقيق في قتل الصحفيين على يد الجيش تعتبر “صندوق أسود”، حيث يتم تصميم التحقيقات العسكرية الإسرائيلية لحماية الجنود من المساءلة والحفاظ على سرية النتائج.
أدان مركز مدى، العضو في آيفكس، الهجمات الواسعة التي تعرض لها الصحفيون في القدس، خلال ما سمي “بمسيرة العلم” في ١٨ مايو/ أيار الماضي. وفقًا لمدى، استهدفت الشرطة الإسرائيلية الصحفيين الفلسطينيين وعرقلت تغطيتهم، في الوقت الذي كانت تحمي فيه المستوطنين الإسرائيليين الذين قادوا المسيرات، وأطلقوا هجمات وممارسات عنصرية ضد السكان والصحفيين على حد سواء. شهدت الفعالية السنوية مشاركة آلاف الإسرائيليين القوميين المتطرفين، من ضمنهم إيتمار بن جفير، وزير الأمن القومي اليميني المتطرف، حيث اقتحموا المسجد الأقصى لإحياء ذكرى احتلال إسرائيل غير الشرعي للقدس الشرقية في عام ١٩٦٧. قام المشاركون برمي الحجارة، والزجاج، وأجسام مختلفة على المواطنين، مما أدى إلى إصابة العديد من الصحفيين.
[قام المتشددون اليمينيون الإسرائيليون بمهاجمة الصحفيين الذين كانوا يغطون مسيرة العلم السنوية في “يوم القدس”، والتي تصادف احتلال القدس الشرقية في عام ١٩٦٧. شوهد الإسرائيليون الذين شاركوا في مسيرات سابقة وهم يرددون هتافات عنصرية ويتحرشون بالفلسطينيين.]
السودان: استهداف الصحفيات والناشطات في ظل تعتيم معلوماتي
حسب خبراء الأمم المتحدة، يتحمل المدنيون عبء القتال بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، في ظل تزايد عرقلة جهود التغطية الإعلامية.
طالب خبراء أمميون بإجراء تحقيق فوري ومحايد في انتهاكات حقوق الإنسان الجسيمة ضد الفئات الضعيفة، قائلين: “إن استهداف الصحفيين وترويع وتهديد المدافعين عن حقوق الإنسان، بما فيهم الناشطات في دارفور والخرطوم، أثر على قدرتهم على رصد وتوثيق الوضع على الأرض، مساهمًا في التعتيم المعلوماتي“.
في الشهر الماضي، هاجم جنود قوات الدعم السريع وسلبوا ما لا يقل عن ثلاثة صحفيين، حيث احتجزوا اثنين منهم بشكل مؤقت.
حثت لجنة حماية الصحفيين جميع الأطراف على الكف عن احتجاز، والاعتداء على وسائل الإعلام بسبب عملهم، بالإضافة إلى ضمان قدرتهم على العمل دون خوف. وفقًا لنقابة الصحفيين السودانيين، يتعرض الصحفيون المحليون والدوليون للتهديد، والتخويف، والاعتداءات الجسدية، لمنعهم من تغطية النزاع، مما يزيد من القيود المفروضة بالفعل على حرية الصحافة.
دعت المدافعات الحقوقيات السودانيات والجمعيات النسائية مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، في الشهر الماضي، إلى إنشاء آلية تحقيق دولية للتحقيق في التهديدات المتزايدة، وردود الفعل، والعنف القائم على النوع الاجتماعي، التي تواجهها المدافعات عن حقوق الإنسان بسبب عملهن، منذ بدء النزاع بين الفصائل المتحاربة في أبريل/نيسان؛ كما أفادت الناشطات الداعيات لوقف الحرب بتلقي تهديدات بعد حملة افتراءات عبر الإنترنت، قادها أعضاء من النظام السابق وأنصار الجيش.
جدير بالملاحظة أيضا
في انتصار لضحايا الحرب السورية، أصدرت محكمة النقض في فرنسا قرارين في الشهر الماضي يؤكدان اختصاص المحاكم الفرنسية في النظر في قضايا جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية المرتكبة في سوريا. حسب مازن درويش، المحامي السوري في مجال حقوق الإنسان: “تلك القرارات تعطي أملًا كبيرًا لضحايا الحرب السورية وعموم ضحايا الجرائم الدولية الذين توجهوا إلى العدالة الفرنسية”.
أقيمت النسخة السابعة من منتدى فلسطين للنشاط الرقمي في الشهر الماضي تحت عنوان “إنهاء التمييز الرقمي ضد الفلسطينيين/ات”. شهد المنتدى، الذي نظمه المركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي (حملة)، عضو آيفكس، تناول المشاركين للتحديات والتهديدات المختلفة التي تواجه الفلسطينيين والمجتمعات المهمشة الأخرى على الإنترنت.
في لبنان، أنتجت منظمة مارش، عضوة آيفكس، كتيبًا حول حرية التعبير والحوار. يتناول الكتيب، الذي كتب وصمم من قبل المشاركين الشباب في برنامج التحديات المتعلقة بالرقابة، مجموعة واسعة من قضايا حرية التعبير، بما فيها تعزيز التواصل الإيجابي، والحوار البناء، وقيم حرية التعبير والتعددية.
أصدرت مؤسسة “مهارات” نتائج رصدها الإعلامي للخطابات العامة خلال الانتخابات اللبنانية لعام ٢٠٢٢. رصد التقرير وفحص السرديات المضللة، وحملات التلاعب، والدعاية السياسية، وخطابات الكراهية على منصات فيسبوك وتويتر، كما قامت المؤسسة العضوة في آيفكس برصد الخطاب العام، وكذلك الخطابات العنيفة حول مشاركة النساء في الانتخابات البلدية لعام ٢٠٢٣ في وسائل الإعلام.
قدم عضو آيفكس، اليقظة من أجل الديمقراطية والمجتمع المدن، جائزة نجيبة حمروني السنوية لأخلاقيات الصحافة للصحفي المغربي المحتجز توفيق بوعشرين، وهي جائزة سنوية تُمنح للصحفيين في منطقة المغرب العربي تكريمًا لذكرى الصحفية التونسية الراحلة، نجيبة حمروني.
حصل الصحفي التونسي عبد اللطيف الحماموشي، الذي يعمل في مجال التحقيق الصحفي، على جائزة حرية التعبير ووسائل الإعلام في شمال أفريقيا من منظمة المادة ١٩ وصندوق الأمم المتحدة للديمقراطية.
أخيرًا وليس آخرًا، صوت مجلس مدينة لوس أنجلوس، في الشهر الماضي، على إعادة تسمية اسم الشارع الواقع خارج القنصلية السعودية إلى “طريق جمال خاشقجي” تكريمًا للصحفي المغتال. عملت منظمة “الديمقراطية للعالم العربي الآن” التي أسسها الخاشقجي مع ممثلي مجلس المدينة لتأمين تمرير القرار، مستندين إلى الجهود الناجحة لتغيير اسم الشارع أمام السفارة السعودية في واشنطن العاصمة في عام ٢٠٢١.