«من المروع أن يتهم الحوثيون المنظمات غير الحكومية بالتجسس بدلاً من الاعتراف بدورها في حماية ومساعدة اليمنيين.»
نشر أولًا على مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان.
يطالب مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان جماعة أنصار الله الحوثي (الحوثيين)، باعتبارهم السلطة الحاكمة في العاصمة صنعاء والمدن الأخرى، بالإفراج الفوري وغير المشروط عن موظفي منظمات المجتمع المدني اليمنية والدولية ومختلف وكالات الأمم المتحدة، المحتجزين على خلفية اتهامات مزعومة بـ«التجسس».
كان مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك قد أعلن في 6 يونيو 2024، احتجاز الحوثيين لـ 13 موظفًا، بينهم 6 من مكتبه. وبذلك يرتفع العدد الإجمالي لموظفي الأمم المتحدة الذين احتجزهم الحوثيون إلى 17 موظفًا، من بينهم موظف في المفوضية السامية لحقوق الإنسان محتجز منذ نوفمبر 2021. هؤلاء جميعهم محتجزون بمعزل عن العالم الخارجي، وفي غياب جميع الإجراءات القانونية الواجبة.
تستهدف حملة الاعتقالات مواطنين يمنيين يعملون أو كانوا يعملون لدى منظمات غير حكومية، مختصة بمجالات مختلفة منها التنمية والمساعدات الإنسانية. وقد علم مركز القاهرة من أسرة أحد المعتقلين؛ أن قوات الحوثيين داهمت منزلهم، وصادرت أجهزة كمبيوتر محمولة، ومقتنيات شخصية، وأثاروا الرعب بين أفراد الأسرة. هذا بالإضافة إلى اعتقال الأب الذي كان يعمل مستشارًا لعدد من المنظمات غير الحكومية، واحتجازه في مكان مجهول. وحتى الآن لم يتثن للأسرة معرفة مكانه. وبالمثل، تُظهر روايات نشرتها منظمات حقوقية أخرى نمطًا مماثلًا من اعتقال أعضاء المجتمع المدني الآخرين تم استهدافهم ضمن حملة القمع الأخيرة.
وتتضمن قائمة، لم يتمكن المركز بعد من حصرها والتحقق منها بشكل دقيق، شاركها أفراد وجماعات حقوقية على موقع إكس – تويتر سابقًا – تفاصيلًا لـ 60 شخصًا محتجزًا مؤخرًا، بما في ذلك المنظمات التي يعملون/ أو كانوا يعملون بها. علمًا بأن الحصول على معلومات من صنعاء يشكل أمرًا صعبًا للغاية؛ إذ أن عائلات وزملاء المحتجزين يخشون على سلامة ذويهم في حال أدلوا بشهاداتهم حول ملابسات القبض. كما تفيد بعض التقارير باحتجاز موظفة مع زوجها وطفليها، 3 سنوات و9 أشهر، لا يزال مكان احتجازهم مجهولًا.
تقول أمنة القلالي، مديرة البحوث بمركز القاهرة: «المجتمع المدني في اليمن يمارس دورًا مفصليًا يكمن في توفير الخدمات الأساسية وتوثيق الانتهاكات بحق المواطنين. فعلى مدى 10 سنوات من حرب لا جدوى لها في اليمن، تواصل فيها الأطراف المتحاربة تدمير البلاد، من المروع أن يتهم الحوثيون المنظمات غير الحكومية بالتجسس بدلاً من الاعتراف بدورها في حماية ومساعدة اليمنيين.»
في 10 يونيو 2024، وفي مؤتمر صحفي جاء بعد أيام قليلة من حملة الاعتقالات، أعلن الحوثيون اعتقال «خلية تجسس أمريكية إسرائيلية». وزعموا تورط عاملين سابقين في السفارة الأمريكية في أنشطة تجسس و«مواصلة تنفيذ أجنداتهم الاستخباراتية تحت غطاء المنظمات الدولية ومنظمات الأمم المتحدة.» وعقب المؤتمر الصحفي، بث تلفزيون المسيرة الحوثي عدة مقاطع مسجلة لـ«اعترافات» مزعومة لبعض المعتقلين في حملات اعتقال سابقة، الأمر الذي يشكل انتهاكًا واضحًا للحق في المحاكمة العادلة، بما في ذلك حق الأفراد في عدم إجبارهم على الشهادة على أنفسهم. فضلاً عن مخاوف جدية بشأن انتزاع هذه الاعترافات بالإكراه والتعذيب وسوء المعاملة، مما يدق ناقوس الخطر بشأن مصير المعتقلين مؤخرًا.
منذ بدء الحرب على غزة في 7 أكتوبر 2023، يؤكد الحوثيون أنهم يقاتلون إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، بينما يستخدمون الادعاء بدعمهم للشعب الفلسطيني المضطهد كغطاء لإخفاء تصعيدهم الهائل في انتهاكات حقوق الإنسان بحق الشعب اليمني الذي مزقته الحرب.
في سبتمبر 2023، احتجز الحوثيون مدير السلامة والأمن في منظمة إنقاذ الطفولة، هشام الحكيمي، واحتجزوه بمعزل عن العالم الخارجي، ثم أعلنوا وفاته في أكتوبر 2023. وحتى الآن، لم تجر أي تحقيقات حول ملابسات وأسباب الوفاة. الأمر الذي يؤكد تفشي الإفلات من العقاب في اليمن. كما أفادت تقارير أن مختلف الأطراف التي تتقلد السلطة في أنحاء البلاد قد ارتكبت انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، فضلاً عن تورط الحوثيين في إخفاء عشرات الأفراد قسرًا، وتجاهل كافة الإجراءات القانونية الواجبة، واحتجازهم في ظروف غير إنسانية، بما في ذلك حرمانهم من الحصول على الرعاية الصحية.
يوظف الحوثيون تهم التجسس بكثافة لقمع المعارضين، ومؤخرًا قضت المحكمة الجزائية المتخصصة في صنعاء بإعدام 44 شخصًا، على خلفية هذا الاتهام المزعوم، في محاكمة افتقرت للحد الأدنى من معايير الإجراءات القانونية الواجبة.
وبما أنه من المقرر أن تبدأ جلسة مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة في 18 يونيو 2024؛ يحث مركز القاهرة الدول الأعضاء على اغتنام هذه الفرصة لتجديد الدعوات للمساءلة عن الانتهاكات المرتكبة في اليمن. لقد طال انتظار تشكيل آلية تحقيق دولية مستقلة بشأن الجرائم المرتكبة في اليمن. كما ينبغي على الدول أن تتكاتف لضمان حماية المدنيين بموجب القانون الدولي. ويجب على أولئك الذين لديهم نفوذ على الحوثيين مواصلة الضغط لضمان الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين لمجرد ممارستهم حقهم في حرية التعبير وتكوين الجمعيات والتجمع، أو دون أي أساس قانوني.