أدى تصعيد النزاع الذي اندلع في سبتمبر 2014 إلى ارتفاع كبير في الهجمات الرقمية التي تستهدف الصحفيين.
نشر أولًا على سمكس.
م يعرف وسام (اسم مستعار فضّل استخدامه حفاظًا على أمنه الشخصي)، وهو صحافيٌ استقصائيٌ يمنيّ، أن ما جرى معه في أواخر عام 2021 سيبقى يلاحقه حتى اليوم. في حديثٍ مع “سمكس”، يروي وسام تفاصيل الهجوم السيبراني الذي تعرّض إليه وقلب حياته رأسًا على عقب: “في كانون الأول/ديسمبر 2021، زرت محافظة صعدة، وكنت أملك تصريحًا للعمل على تحقيق استقصائي حول استخدام السعودية والإمارات لأسلحة محرّمة دوليًا في المدينة. وعندما وصلنا، رافقنا عنصرٌ من المخابرات، ثم طلب منا خلال الرحلة مبلغًا من المال فرفضت ومن معي، فبادر إلى رفع بلاغٍ إلى دائرة الأمن والمخابرات ادّعى فيه أننا نعمل لحساب قناةٍ اسرائيليّة، في حين أننا كنّا نعمل لحساب إذاعة دويتشه فيله الألمانيّة”.
ويضيف أنّه بعد هذه الحادثة، “فقدنا فجأة القدرة على إجراء أو استقبال أي اتصالات عبر هواتفنا الشخصية، فأطفأناها فورًا. استخدمنا هاتفًا احتياطيًا كان بحوزة السائق الذي رافقنا، وتواصلنا مع شخص يعمل مع المخابرات في صنعاء، فأخبرنا أنّ علينا مغادرة صعدة في هذه اللحظة لأن قوّة كانت متّجهة إلينا لاعتقالنا داخل الفندق الذي كنّا فيه”.
منذ كانون الأول/ديسمبر 2021 وحتى اليوم، يتعرّض هاتف وسام المحمول كل ثلاثة أشهر تقريبًا إلى محاولات اختراق، بحسب ما يروي لـ”سمكس”، إذ يفقد القدرة على السيطرة فجأة وتفرغ بطاريته باستمرار حتى دون استخدامه. إضافة إلى ذلك، اضطر الصحافي اليمني إلى تبديل أكثر من ستة منازل خلال سنة واحدة خوفًا من الاعتقال والملاحقة. في آب/أغسطس 2022 وبالتزامن مع بدء عمله على تحقيق جديد، اختُرق هاتفه وجهاز الكمبيوتر الخاص به، وأكّد له صديقٌ يعمل في الشركة الوطنية للاتصالات أنّ كافة اتصالاته مراقبة، إضافة إلى هواتف والدته وجدّه وأخيه الأصغر، كما عمد عددٌ من العناصر إلى مداهمة منزله وترهيب والدته.
ليست قصّة وسام سوى واحدة من عشرات أو مئات الحوادث التي باتت أمرًا متكررًا بالنسبة إلى الصحافيات والصحافيين اليمنيين منذ اندلاع الحرب في البلاد بين جماعة الحوثيين والتحالف الذي تقوده السعودية.
هجمات موثّقة
فرض تكرار الهجمات الإلكترونيّة ضدّ الصحافيين/ات اليمنيين/ات حاجة ملحّة إلى التوثيق والتحقيق لمعرفة تفاصيل هذه الحوادث.
ازدادت وتيرة هذه الهجمات منذ 14 نيسان/أبريل 2022، كما يقول الخبير في مجال الحقوق والسلامة والرقميّة اليمني، فهمي الباحث، لـ”سمكس”، أي بالتزامن مع تواجده في الرياض للمشاركة بمؤتمر حضره عددٌ من الصحافيين/ات والسياسيين/ات والناشطين/ات.
تلقّى الباحث اتصالًا من صحافي، أخبره بدوره إنّ شخصًا ادّعى أنّه من طرف البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن”، عبّر عن رغبة القيّمين على البرنامج بالتعاون معه للاستفادة من ملاحظاته ومساهماته، وطلب منه تنزيل تطبيقٍ يعمل على نظام تشغيل أندرويد بهدف بدء التعاون. ولم يُعرف ما إذا كان المتّصل منتحل هويّة أو ممثلًا فعليًا للبرنامج السعودي.
“حمّل الصحافيّ التطبيق على هاتف آخر غير هاتفه، وأخضعناه إلى تحليلٍ شاملٍ ليتبيّن أن له القدرة على الوصول إلى كل ما هو مخزّن في الهاتف. قررّنا توسيع نطاق التحقيق في وقتٍ لاحق، واكتشفنا أنّ هناك تطبيقات أخرى مبنيّة بالطريقة نفسها وتملك الصلاحيات ذاتها، كلّها تملك عنوان بروتوكول (IP address) يشير إلى اليمن”، يضيف الباحث.
بعد فترة من التحليل والتحقيق، كشفت نتائج تقرير بحثي أصدرته “إنسكت غروب” (Insikt Group) أنّ مجموعةً تجسّس تدعى “أولي ألفا” (OilAlpha) هي المسؤولة عن هذه الهجمات، وهي تستهدف جهات عدّة أبرزها السياسيين/ات ووسائل الإعلام والصحافيين/ات والمنظمات الدولية العاملة في منطقة شبه الجزيرة العربية. كما يُرجّح أن تكون المجموعة متمركزةً في اليمن، في حين لا تزال تبعيّتها السياسية مجهولة.
في الواقع، ليست هذه المادة الوحيدة التي توثّق الواقع السيبراني الخطير الذي يواجهه الصحافيون/ات في البلاد، ففي النصف الأول من عام 2022، سجلت نقابة الصحافيين اليمنيين 11 حالة اعتداء ضدّ صحافيين/ات ووسائل إعلاميّة، وتسع حالات اعتقال، وستّ قضايا ملاحقة واستدعاء نفّذها أحد أطراف النزاع، وكانت قوات “الحكومة الشرعية” مسؤولة عن ارتكاب 23 من هذه الانتهاكات، في حين كان الحوثيون مسؤولين عن 16 منها.
عنف رقمي واجتماعي ضدّ الصحافيات
ساهم النزاع الذي نشب في اليمن في أيلول/سبتمبر 2014 بازدياد وتيرة الهجمات الإلكترونية ضدّ الصحافيين/ات بشكل ملحوظ.
في هذا السياق، تؤكّد الصحافية اليمنيّة أفراح ناصر لـ”سمكس” إنه وفي ظل الحرب الدائرة في اليمن، وبسبب تعدّد أطراف النزاع، تحاول كلّ جهة التفنّن بأنواع الأسلحة التي تستخدمها.
“أتعرّض باستمرار لمحاولات قرصنة عبر رسائل إيميل تحتوي على إعلانات غالبًا، ولكنني أتجنّب الضغط أو الدخول إليها لأنني أستطيع تمييز الرسائل الوهميّة من الرسائل الحقيقية”، وتضيف: “أحيانًا تصلني رسائل تفيد بأنني ربحت قسائم شرائيّة من متجرٍ في السعودية أو من فندقٍ في الإمارات لأنني سبق وأن زرتهم، ولكنني في الحقيقة لم أقصد هذه الأماكن قط ولا أعرف عنها أيّ شيء”.
“أصبح الأمر مقلقًا إلى درجة أنني فوّتت عدة فرصٍ هامّة ودعواتٍ إلى مؤتمرات ولقاءات هامّة فقط لأنني أتجنّب الضغط على روابط الدعوات التي تصلني خوفًا من أن تكون روابط تصيّد أو محاولاتٍ لسرقة حساباتي وسرقة بياناتي”.
يفتقر الصحافيون/ات اليمنيون/ات، الذين يعايشون ظروفًا شديد القسوة زادت الحرب من حدّتها إلى الخبرة في مجال الأمن السيبراني، بحسب ناصر، مما يجعل منهم/ن عرضة للهجمات السيبرانيّة.
“يقع التهديد الأكبر على الصحافيات اليمنيات، وذلك لأنهنّ يخشين الحديث في حال تعرّضهنّ لحوادث سُرقت خلالها الداتا الخاصة بهنّ من صور ومقاطع فيديو وسجلات اتصال. وقد يقع اللوم عليهنّ في بعض الأحيان، فيقرّرن تجنّب رفع الصوت أو طلب المساعدة”.
وبالفعل، يكون الأثر على الصحافيات مضاعفًا في مثل هذه الحالات، إذ يضطررن إلى تحمّل وطأة الهجمات الإلكترونيّة والضغط الذي يمارسه بعض أفراد مجتمعاتهنّ الذين يختارون لومهنّ بدلًا من تزويدهنّ بالدعم اللازم.
تقول مروى (اسم مستعار)، التي فضّلت عدم الكشف عن هويّتها، وهي صحافيّة يمنيّة شابّة تعمل بدوامات جزئيّة في عددٍ من المواقع المحليّة، خلال محادثة أجرتها مع “سمكس”، إنّها تعرّضت في أيار/مايو 2022 إلى هجوم سيبرانيّ نتج عن ضغطها على رابط تصيّد بدا كدعوة إلى تدريب موجّه للصحافيين/ات، وصلها عبر الإيميل.
بعد أسبوعٍ واحد من الحادثة، بدأت مروى بتلقّي رسائل يوميّة (عبر الإيميل أيضًا)، تتضمّن صورًا خاصّة لها. اللافت في القضية هو أن الجهة المهدِّدة لم تطلب شيئًا مقابل عدم نشر الصور، بل اكتفت بتهديد وترهيب الفتاة التي لم تفكّر للحظة واحدة بطلب المساعدة خوفًا من أن “تقع هي نفسها في مشكلة”.
لم تجب مروى على أيّ من التهديدات التي وصلتها، وبعد نحو 45 يوم، توقّف المهاجمون/ات عن مراسلتها.
القانون لا يحمي الصحافيين/ات في اليمن المقسّم
لا شكّ في أن غياب الحصانة التي يجب أن تضمنها التشريعات المتخصّصة لحماية الصحافيين/ات من أي مخاطر قد تهدّد أمنهم/ن الشخصي ومسيرتهم/ن المهنيّة، هي ضرورة يفتقدها العديد من دول منطقتنا.
يوافق المحامي اليمني ياسر المليكي على ما كشفه الصحافيون اليمنيون بشأن ارتفاع وتيرة الهجمات السيبرانيّة التي تستهدف الصحافيين/ات بالتزامن مع النزاع الذي تشهده البلاد، ويضيف لـ”سمكس”:”للأسف الشديد، لم ينظّم التشريع اليمني الجرائم الالكترونية ولا حتى الجرائم الواقعة بواسطة الوسائل الإلكترونية إلا في حالات نادرة، فهو قديمٌ وينظّم الجرائم التقليدية المباشرة، إذ أنّه أقرّ في السنوات العشر الأولى من قيام الجمهورية اليمنية في 1990، أي منذ مدّة طويلة”.
في الوقت نفسه، لا ينفي هذا الواقع إمكانيّة إسقاط بعض النصوص التشريعيّة التقليدية على “النوع الجديد من الجرائم”، بحسب المليكي، خاصّة تلك التي تندرج تحت مسمّى حماية الخصوصية أو حرمة الاعتداء على الحياة الخاصة.
شدّد قانون الجرائم والعقوبات رقم (12) لسنة 1994 على حرمة الحياة الخاصة وعاقب على أي أفعال تُرتكب بغير رضا المجني عليه كاستراق السّمع أو التسجيل أو النقل عن طريق أي جهاز، بما في ذلك الهاتف، محادثات جرت في مكان خاص، وكذا جرّم التقاط ونقل صورة شخص بأي جهاز من الأجهزة.
كما ينصّ قانون الإجراءات الجزائية رقم (13) لسنة 1994 على أنّ حرية وسريّة المراسلات البريدية والسلكية واللاسلكية وكافة وسائل الاتصال أمرٌ مكفول وفق الدستور، وأكّد على عدم جواز مراقبتها أو تفتيشها أو إفشاء سريتها أو تأخيرها أو مصادرتها إلا في حالات خاصة وبأمر من النيابة أو المحكمة.
لا شكّ في أنّ هذه القوانين لم تتطرّق بالفعل إلى الهجمات السيبرانية، إلا أنّها قابلةٌ للتطبيق على حالات الجرائم الرقميّة، بحسب المليكي. “تعدّ هذه المواد الحدّ الأدنى من الحماية التشريعية المتاحة في الوقت الحاضر، سواء للصحافيين/ات او للمواطنين/ات بشكل عام وكذا للجهات والمؤسسات، في ظلّ جمود التشريعات اليمنية وعدم إخضاعها لأيّ تعديلات منذ صدورها”.
لا يتطرّق قانون الصحافة والمطبوعات اليمني أيضًا إلى أيّ من الجرائم المتعلقة بالإنترنت أو الشبكات والمعلومات الالكترونية وغيرها.
علاوة على ذلك، لا توجد أيّ جهة رسمية متخصّصة بأمن المعلومات وغيره في الوقت الحاضر، وعدا عن ذلك، يلجأ الصحافيون/ات والناشطون/ات الذين يقعون ضحايا الجرائم الإلكترونيّة إلى منظمات الأمن الرقمي أو إلى المبادرات الشبابية المتخصصة في هذا المجال، بحسب المحامي اليمني.
في المحصّلة، ليس اليمن إلا نموذجًا عن تحوّل البلدان الغارقة في النزاعات السياسية والعسكرية إلى حقول ألغام تفتك بالصحافيين/ات. يؤكّد ذلك تقريرٌ أصدره “المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان“، وهو منظّمة غير ربحيّة مركزها جنيف، في تشرين الثاني/نوفمبر 2022، كشف أنّ خمسة صحافيين/ات أو أكثر يقتلون سنويًا في اليمن، وأكّد أنّ الصحافة باتت تعدّ واحدةً من أكثر المهن خطورة، لا سيما في مناطق النزاع المسلح، ويمثّل مزاولوها الفئة الأكثر استهدافًا في العديد من بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
*يمكنكم/ن دائمًا التواصل مع منصّة دعم السلامة الرقمية في “سمكس” في حال تعرّضكم/ن لأي حوادث إلكترونيّة مشابهة، عبر العناوين والأرقام التالية:
- تطبيق “سيغنال” (Signal): 0096181633133
- البريد الإلكتروني: helpdesk@smex.org
- تطبيق “واتساب” (Whatsapp): 0096181633133