تهدد حملة سلطات الحوثيين لحجب المنصات الاجتماعية الحق في حرية التعبير والمشاركة المدنية.
نشر أولًا على سمكس.
في 18 تموز/يوليو المنصرم، أغلقت شركة “يوتيوب” نحو 20 قناة تابعة لجماعة الحوثيين، وذلك “لانتهاكها للمعايير الخاصة بالشركة”. ردًا على ما جرى، أطلق الحوثيون حملات على مواقع التواصل طالبوا فيها وزارة الاتصالات التابعة لها بحظر “يوتيوب” و”فيسبوك”.
في حديثٍ مع “سمكس”، كشف مصدرٌ فضّل عدم الكشف عن هويته أن الجماعة اعتادت تشكيل لجانٍ إلكترونية تابعة لها، للتغريد تحت “هاشتاغ” محدّد على منصة “تويتر”، وذلك قبل إتخاذ أي إجراء، خصوصًا تلك التي تمسّ المواطنين/ات بشكل مباشر، وذلك لكسب غطاء شعبيّ يبرّر القرارات التي تُتّخذ من قبلهم. في الواقع، هذا ما سعت الجماعة إلى القيام به فيما يخصّ مطالباتها بحظر “فيسبوك” و”يوتيوب” التي بدأت في 5 آب/أغسطس الجاري، وذلك بحسب البيانات التي رصدتها “سمكس” من خلال موقع “كلاودفلير رادار” (Cloudflare Radar)، الذي يبين نشاط الروبوتات المبرمجة على شبكة الإنترنت في اليمن في الساعة ذاتها التي انطلق فيها “هاشتاغ” (#الحظر_بالحظر) الحملة المذكورة.
في 6 آب/أغسطس، عقد الحوثيون اجتماعًا موسعًا لـ”إتحاد الإعلاميين” التابعين لها، والذي أصدر بيانًا طالب فيه النائب العام في صنعاء ووزارة الاتصالات بحظر مواقع وتطبيقات شركتي “يوتيوب” و”فيسبوك”، بذريعة “تهديدها للأمن القومي لليمن” كما ورد في البيان، إلا أن القرار لم يُتّخذ حتى الساعة.
في الواقع، تخالف هذه المطالب الدستور اليمني، الذي تنصّ المادة 42 منه على أنّ “لكلّ مواطن حق الإسهام في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وتكفل الدولة حرية الفكر والإعراب عن الرأي بالقول والكتابة والتصوير في حـدود القانـون”، كما تنصّ المادة 53 على ضرورة احترام “حرية وسرية المواصلات البريدية والهاتفية والبرقية وكافة وسائل الاتصال مكفولة ولا يجوز مراقبتها أو تفتيشها أو إفشاء سريتها أو تأخيرها أو مصادرتها إلا في الحالات التي يبينها القانون وبأمر قضائي”.
بعد ثلاثة أيّامٍ من صدور البيان، أي في 9 آب/أغسطس، بدأ مستخدمو/ات الإنترنت في اليمن يواجهون صعوبة في الوصول إلى منصة “يوتيوب”، كما أبطلت بعض خاصيات التطبيق لساعات قبل أن تُفعّل من جديد، إذ لم يستطع المستخدمون/ات التعليق على مقاطع الفيديو، كما وصلتنا رسائل من مستخدمين/ات يمنيين/ات أوضحوا فيها المشكلات التي واجهتهم، وهو تقييد للمحتوى عن طريق تفعيل الحجب المُعتمِد على “نظام أسماء النطاقات” (DNS restrictions) من قبل مزود الخدمة الوحيد في اليمن، “يمن نت”، التي تسيطر عليه جماعة الحوثي.
في سياقِ متّصل، كشف مصدرٌ فضّل التحفّظ عن ذكر اسمه لـ”سمكس” عن إنشاء جماعة الحوثيين للجانٍ إلكترونية تحمل اسم “الكتائب الإلكترونية”، وذلك بعد أن حذفت “تويتر”، عام 2020، عددًا من الحسابات الوهميّة، كان عددٌ منها عائدًا إلى أشخاص مدعومين/ات ماديًا من قبل الجماعة لتنظيم حملات إلكترونيّة. بحسب المصدر، يتلقّى كلّ فردٍ من هؤلاء مبلغ 100 ألف ريال يمني (أي ما يعادل 200 دولارٍ أميركي) شهريًا، مقابل إدارة 15 – 20 حساب وهميّ. وأخيرًا، تفرز “الكتائب” أكثر من 100 شخص في كل منطقة واقعة تحت سيطرة الحوثيين/ات، بحسب المصدر.
حجبٌ وقمع رقمي
في اليوم الثاني من اندلاع الحرب في اليمن، الموافق لـ 26 آذار/ مارس 2015، حجب الحوثيون مواقع الويب الخاصة بمعظم القنوات والصحف اليمنية والإقليمية والدولية المعارضة لها، مثل “رويترز” و”وكالة الأنباء الفرنسية” و”الجزيرة” و”العربية” و”بي بي سي” و”واشنطن بوست”، التي ما زالت محظورة حتى اليوم، وذلك من خلال وزارة الاتصالات وكذلك المؤسسة العامة للإتصالات التي سيطرت عليها، إبان تمرد عسكري للجماعة بالتعاون مع الرئيس اليمني الأسبق علي عبد الله صالح، والذي أطاح بالنظام السياسي حينها.
ومنذ ذلك الحين توسعت دائرة الحجب التي طالت المواقع الإلكترونية والإعلامية حتى وصلت إلى 208 مواقع خلال الفترة الممتدّة بين آذار/مارس 2015 وأواخر عام 2022 المنصرم، بحسب عملية رصد أجرتها “سمكس” بالاستناد إلى أرشيف أخبارٍ ضخم، وبحسب منظمة “أكسس ناو” (Access Now) التي صنّفت اليمن ضمن البلدان الأكثر تسجيلًا لحالات حجب الإنترنت في المنطقة.
تعليقًا على ما سبق، يرى الكاتب والباحث الاجتماعي همدان العلي في حديث مع “سمكس” أنّ “وسائل التواصل باتت المتنفس الوحيد لليمنيين/ات، وساهمت بالفعل بالكشف عن الكثير من الجرائم السياسية والجنائية أمام الرأي العام، ولهذا السبب، وعلى الرغم من استفادة الحوثيين من هذه المواقع، ارتأت الجماعة تقييد حرية المواطنين/ات في التعبير عن آرائهم/ن في المساحات الافتراضيّة”.
إفلاس حكومي وتضليل
في وقتٍ سابق، تفاخر وزير الإعلام والثقافة والسياحة في الحكومة المدعومة من التحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية والمعترف بها دوليًا، معمر الإرياني، بموافقة شركتي “يوتيوب” و”فيسبوك” على مطالبه بحذف قنوات الحوثيين، وذلك في تغريدة له على منصة “تويتر”، إلا أنّ مصدرًا في الوزارة أكّد لـ”سمكس” إن ادعاءات الإرياني ليست دقيقة.
بحسب المصدر، لم يكن للحكومة اليمنيّة علاقة بحذف الحسابات، وفق المصدر، وكان هذا سببًا لتناقضِ واضحٍ لوحظ في تصريحات وزير الإعلام، الذي نشر تغريدة أخرى في اليوم نفسه، أكّد فيها أن سبب الحذف كان انتهاك تلك القنوات لمعايير وسياسات المواقع المذكورة من خلال ترويجها للإرهاب والعنف.
“كان السبب وراء إغلاق القنوات هو الترويج للعنف والحشد المُسلح على الفضاء الإلكتروني، وكذلك نشر مقاطع الفيديو والزوامل (الأناشيد الحربية)، والتي أُغلقت على خلفيتها مئات القنوات التابعة للحوثيين وغيرهم في السابق”، يضيف المصدر.
هل يملك الحوثيون الإمكانيات التقنية للحجب؟
من أجل التحكم في حجب المواقع وقدرة المستخدمين/ات على الوصول إلى الإنترنت في اليمن، تستخدم الجماعة، بحسب الخبير في الأمن السيبراني فهمي الباحث، نظام الفلترة التابع لشركة “نت سويبر” (Netsweeper) الكندية، هو نظام يُستخدم لتصفية وتصنيف المحتوى على الإنترنت، منذ اشترته وزارة الاتصالات اليمنية وبدأت بتوظيفه عام 2010، لمنع المستخدمين/ات من الوصول إلى مواقع تقدّم أنواع محدّدة من المحتوى، مثل المواقع الإباحية وبعض المواقع الإخبارية قبل أيامٍ من إندلاع ثورة 11 شباط/فبراير 2011.
يشرح الباحث لـ”سمكس” طريقة عمل هذا النظام، قائلًا إنّه يعتمد نظام الفلترة “نت سويبر” (Netsweeper) لمجموعة من القواعد والمعايير لتحديد ما إذا كان المحتوى مرغوبًا أم لا، وتُطبّق هذه القواعد على جميع المواقع والصفحات التي يحاول المستخدمون/ات الوصول إليها. علاوة على ذلك، يعمل النظام، بحسب الباحث، على مسح المحتوى الذي يطلبه المستخدم/ة ومقارنته بقاعدة البيانات التي تحتوي على قواعد الفلترة (المواقع المراد حجبها)، وفي حال حصل تطابق، يُمنع المستخدم/ة من الوصول إليه مع عرض رسالة تفيد بأن المحتوى محظور، وكذلك الأمر بالنسبة إلى التطبيقات.
“نظام الفلترة هو نظام رقابة يستخدمه الآباء لمراقبة نشاط أبنائهم/ن في الأصل، ويُستخدم في المدارس والجامعات، وليس على جميع مستخدمي/ات الإنترنت في البلد”، يقول الباحث. وهذا ما يؤكده تقرير صادر عن مركز “سيتيزن لاب” (Citizen Lab) في جامعة تورونتو الكندية، الذي اتهم شركة “نت سويبر” بانتهاك العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والتساهل مع جماعة فرضت عليها الأمم المتحدّة عقوبات واضحة.
إضافة إلى ذلك، كانت الجماعة حظرت المواقع التي تقدم خدمة الشبكات الافتراضية الخاصة (VPN) مثل “تور” (Tor) و”سايفون” (Psiphon) وغيرها من التطبيقات الآمنة التي يستخدمها الصحافيون/ات والناشطون/ات والحقوقيون/ات، لكنها تركت المجال مفتوحًا أمام تطبيقات غير آمنة تقدم الخدمة ذاتها.
تاريخ مظلم من قمع الحريات
لجماعة الحوثيين تاريخٌ حافل بالممارسات المقيّدة للحريات على مواقع التواصل من خلال حجبها لمواقع ومنصات بشكل مستمرّ ومن دون مسوّغات واضحة، حيث قامت بحجب “واتساب” و”فيسبوك” و”تويتر” و”تلغرام” سابقًا، خصوصًا في أوقات الأزمات، كما حصل في أحداث كانون الأول/ ديسمبر 2017 التي انتهت بمقتل الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح.
في أواخر عام 2019، حُجب تطبيق “إنستغرام” لأيام عدّة، كما حُجب في نهاية تشرين الأول/أكتوبر من العام المنصرم موقعا “غوغل ميت” (Google meet) و”زووم” (ZOOM)، المستخدمان من قبل كلّ من الحكومة الشرعية والمجلس الرئاسي اليمني لعقد اجتماعاتٍ أسبوعيّة، ما تسبّب بموجة غضب أجبرت جماعة الحوثيين على رفع عن الحجب بعد أيام.
يؤكّد هذا النمط المتّبع من قبل جماعة الحوثيين والحكومة المدعومة من التحالف بشكل شبه منتظم، أنّ أسلوب قطع الإنترنت في اليمن يُستخدم كوسيلة للضغط بهدف الحصول على مكاسب سياسية وعسكرية كما حدث في يوليو/تموز 2018، عندما قطعت الجماعة خدمة الإنترنت والإتصالات لنحو شهر ونصف عن محافظة الحديدة، ومزَّقت كابل الألياف الضوئية في مدينة الحُديدة الساحلية، أثناء تقدم القوات العسكرية التابعة للجيش اليمني باتجاه المحافظة آنذاك.