بعد مرور سبع سنوات على اندلاع الثورة الليبية، تعيش حرية الإعلام أزمة غير مسبوقة في البلاد تدفع نحو إخلاء البلاد من صحفييها.
نُشر هذا المقال أولاً علىى موقع منظمة مراسلون بلا حدود بتاريخ 16 شباط 2018
تترنح حرية الصحافة الوليدة في ليبيا منذ عام 2011، بسبب الوضع الأمني الذي تعيشه البلاد وما يصاحبه من أزمة سياسية خانقة. ففي ظل الصراع الدائر على السلطة بين المعسكرين الغربي والشرقي، يُلاحظ تفكك واضح في هياكل الدولة، علماً أن هذه الحرب السياسية المحتدمة تقوض استقلالية الصحافة بقدر ما تجعل من الصحفيين مستهدفين بشكل رئيسي.
فقد قُتل ما لا يقل عن 18 صحفياً منذ ثورة 2011، حيث يتهاوى كيان الدولة أمام العمليتين العسكريتين المستمرتين منذ 2014: “الكرامة” في بنغازي و “فجر ليبيا” في طرابلس. وفي ظل الاستقطاب الذي يخيم على الوضع السياسي، أصبح الإعلام مهمة مستحيلة تقريباً فيما بات إسكات الصحفيين هو الشغل الشاغل لعدد من الميليشيات المسلحة أو المسؤولين من كلا الجانبين. وفي هذا السياق، الذي يطغى عليه الإفلات من العقاب، عادة ما لا يجد الصحفيون من خيار سوى المغادرة، حيث أُفرغت البلاد تدريجياً من الصحفيين والمنابر الإعلامية. فوفقاً لأرقام منظمة مراسلون بلا حدود، لجأ ما لا يقل عن 67 صحفياً إلى المنفى بينما اضطرت 8 منابر إعلامية ليبية إلى التواصل مع جمهورها من مختلف بلدان منطقة الشرق الأوسط.
ففي 15 مارس/آذار 2017، توقفت قناة النبأ عن البث بعد أن أقدمت إحدى ميليشيات غرب ليبيا على حرق مقرها الواقع في ضواحي طرابلس. كما نشرت المجموعة المسلحة الأسماء الكاملة للعاملين في المحطة الفضائية، بعد سرقة قائمة تُظهر تفاصيل القسم الذي يعمل فيه كل واحد منهم وقيمة رواتبهم. وقد أثار نشر هذه القائمة سيلاً من التعليقات الحاقدة في حق الصحفيين الذين باتوا يجدون أنفسهم عرضة لخطر كبير. وفي هذا الصدد، قامت مراسلون بلا حدود والمركز الليبي لحرية الصحافة بإحداث خلية أزمة لمساعدة صحفيي القناة على مغادرة البلاد. ومنذ ذلك الحين، تلقت خلية الأزمة ما لا يقل عن 40 طلباً للحصول على المساعدة. وقد تم دعم 13 من الصحفيين المهددين بشكل خطير، حيث تمكنوا من العبور إلى تونس قبل الالتحاق بمؤسستهم الإعلامية التي نقلت بدورها مقرها إلى تركيا.
وفي هذا السياق، تؤكد مراسلون بلا حدود أن “وضع الصحفيين ووسائل الإعلام لا يطاق في ليبيا”، مضيفة أن “البلاد تفقد صحفييها، الذين يفضلون الذهاب إلى المنفى لمواصلة عملهم الإعلامي أو يختارون التوقف عن ممارسة هذه المهنة التي أصبحت محفوفة بالمخاطر إلى حد مفرط. أما أولئك الذين يختارون البقاء، فإنهم يجدون أنفسهم مجبرين على التخندق في صف أحد الأطراف المتناحرة”، مشددة في الوقت ذاته على ما “تنطوي عليه وسائل الإعلام الحرة والمستقلة من أهمية بالغة بالنسبة للديمقراطية وسيادة القانون”.
حماسة جديدة تحت وطأة الاضطراب السياسي والانفلات الأمني
شهدت وسائل الإعلام الليبية موجة غير مسبوقة من الطاقة الهائلة خلال الأشهر الأولى التي تلت الإطاحة بالعقيد معمر القذافي في عام 2011. ولكن كل ذلك الحماس تبخر بفعل حالة عدم الاستقرار التي تستنزف البلاد منذ ذلك الحين، حيث مرت الجرائم المرتكبة ضد حرية الإعلام دون حسيب ولا رقيب، علماً أن الجناة ينعمون بإفلات تام من العقاب.
هذا ولا يزال التقدم على المستوى التشريعي بطيئاً وغير كافٍ على الإطلاق. ففي نوفمبر/تشرين الثاني 2017، رفعت مراسلون بلا حدود وسبع منظمات أخرى معنية بالدفاع عن حرية التعبير والصحافة رسالة مفتوحة إلى هيئة صياغة مشروع الدستور الليبي تدعو فيها إلى تعديل النص التشريعي حتى يتماشى مع المعايير الدولية المعمول بها في هذا الصدد، إذ من شأن اعتماد دستور يكفل حرية الصحافة ويضمن حماية المصادر وأمن الصحفيين أن يشكل رسالة قوية إلى كل من ينتهكون حرية الإعلام بشكل يومي، بل وقد يمثل خطوة هامة في سبيل مكافحة الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين.
يُذكر أن ليبيا تقبع في المرتبة 163 على جدول التصنيف العالمي لحرية الصحافة.