كانت الناشطة السورية رزان زيتونة توثق انتهاكات حقوق الانسان – وكانت أيضاً صريحة وشجاعة ومحايدة وعلمانية. واختُطِفت بتاريخ 9 كانون الأول عام 2013 مع زوجها وائل حمادة وزميليها سميرة الخليل وناظم حمادي. وأصبح يُطلق عليهم "دوما4" نسبةً إلى مدينة دوما التي تقع في الغوطة الشرقية والتي كانوا يعملون فيها. ولا زالوا مفقودين منذ ذلك الحين.
كان اسم رزان زيتونة معروفاً بين النشطاء في سوريا قبل سنوات من الثورة السورية عام 2011.
ففي عام 2005، أسّست موقع وصلة إعلام حقوق الإنسان السورية باللغتين العربية والانجليزية، وأصبح واحداً من أقدم المصادر التي توثق انتهاكات حقوق الإنسان من قبل قوات النظام السوري عندما بدأت الثورة في عام 2011.
وقد أدى نشاطها إلى منعها من السفر في عام 2002، بعد عامين فقط من تولي بشار الأسد السلطة من والده حافظ.
وعلى الرغم من التهديدات والمخاطر المستمرة، لم ترغب زيتونة بمغادرة سوريا. حيث قالت في مقابلة معها عام 2005: “لن أغادر هذا البلد أبداً – أبداً”. وقالت أيضاً أنها كانت مستعدة نفسياً للاعتقال في أي لحظة، مضيفةً: “لست خائفة”.
بعد وقت قصير من الاحتجاجات الأولية في عام 2011، شاركت زيتونة في تأسيس لجان التنسيق المحلية للمساعدة في تنظيم المظاهرات وتوثيق الاحتجاجات والقمع الوحشي الذي مارسته قوات النظام على المتظاهرين.
وفي شهر حزيران من نفس العام، شاركت في تأسيس مركز توثيق الانتهاكات في سوريا للمساعدة في توثيق “جميع أنواع انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا”.
لقد كان مركز توثيق الانتهاكات في سوريا في الأصل فرعاً للمركز السوري للإعلام وحرية التعبير، وهي منظمة انضمت لاحقاً إلى شبكة آيفكس. ولكنه أصبح مركزاً مستقلاً في عام 2012 عندما داهمت قوات الأمن المركز السوري للإعلام وحرية التعبير واعتقلت 16 موظفاً، بما فيهم رئيس المركز مازن درويش (الذي تم منحه لاحقاً جائزة اليونسكو / غييرمو العالمية لحرية الصحافة لعام 2015).
ولا زال مركز توثيق الانتهاكات في سوريا يعمل حتى يومنا هذا في جميع أنحاء سوريا تحت خطر شخصي كبير. وكما يذكرون على موقعهم الالكتروني، فإن “نشطاء المركز يواجهون مخاطر كبيرة من أجل توثيق انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي التي ترتكبها الحكومة السورية والجهات المسلحة الأخرى في النزاع.
لقد حصلت زيتونة بسبب عملها على جائزة ساخاروف للفكر الحر في عام 2011، وجائزة آنا بوليتكوفسكايا في عام 2011، وجائزة ابن رشد لحرية الفكر في عام 2012، وجائزة المرأة الدولية الشجاعة في عام 2013، وجائزة القيادة الدولية في عام 2014، وجائزة بيترا-كيلي من قبل مؤسسة هينريش بول (لمركز توثيق الانتهاكات في سوريا) في عام 2014، وجائزة مارتن اناليس في عام 2016.
وكانت زيتونة إحدى الشهود على مذبحة الكيماوي عام 2013 من قبل نظام الأسد في الغوطة الشرقية. وقالت حول ذلك: “لم أرى مثل هذا الموت في حياتي كلها” وأن “الناس كانوا ممدين على الأرض في الممرات وعلى جوانب الطرق بالمئات”.
وفي وقت لاحق من ذلك العام، اتهمت زيتونة الحكومات الغربية باستبدال “التزاماتها الأخلاقية المعنوية بالالتزامات القانونية”. وكانت تشير بذلك إلى قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2118، الذي اتخذ بالإجماع بتاريخ 27 أيلول 2013، وتجده زيتونة “يعرض ضمنياً استمرار بشار الأسد لحكم سوريا لسنة أخرى على الأقل”.
“دوما 4”
بحلول نهاية عام 2013، كانت زيتونة قد أفادت عدة مرات بأنها تلقت تهديدات تتعلق بعملها في مجال توثيق الانتهاكات والفظائع المرتكبة من جميع الجهات.
وبلغت هذه التهديدات ذروتها عند اختطافها ليلة 9 كانون الأول عام 2013 مع زوجها وائل حمادة وزميليها سميرة الخليل وناظم حمادي. وأصبحت قضيتهم تسمى منذ ذلك الحين بـ”دوما 4″ نسبةً إلى مدينة دوما التي تقع في الغوطة الشرقية والتي كانوا يعملون فيها. ولا زالوا مفقودين منذ ذلك الحين.
ولم يتم توجيه اتهام رسمي لأحد، ويُعتَقد على نطاق واسع أن جماعة جيش الإسلام كانت وراء الاختطاف.
وأوضحت مديرة الاعلام والتواصل في المركز السوري للإعلام وحرية التعبير منى زين الدين، لماذا يعتقدون بشدة بأن جيش الاسلام من قام باختطافها قائلة:
“عندما بدأت الانتفاضة السورية في شهر آذار عام 2011، رأت زيتونة بأن هناك حاجة إلى توثيق الانتهاكات التي يرتكبها النظام بدقة، وأسست مركز توثيق الانتهاكات في سوريا. ووثق المركز الفظائع التي ارتكبها جميع الأطراف، بغض النظر عن الانتماء السياسي. ولهذا السبب، تشكل رزان تهديداً لجيش الإسلام، وهم جماعة مسلحة في الغوطة الشرقية ويُشتبه بمسؤوليتهم عن اختفائها القسري مع سميرة ووائل ووناظم”.
وعلاوة على ذلك، اعترف مسؤول في جيش الإسلام في إحدى المحاكم المحلية بأنه أرسل رسالة إلى زيتونة بناء على أوامر من قيادة الجماعة المتمردة، حيث هددها بالقتل قبل أسابيع من اختطافها. وتم إطلاق سراح هذا المسؤول لاحقاً بعد تدخل زعيم جيش الاسلام زهران علوش.
وكتب المفكر السوري المعروف ياسين الحاج صالح، وهو أيضاً زوج سميرة الخليل، مقالاً في عام 2014 بعنوان “لماذا زهران علوش هو المُتهم“. ويقول صالح في المقال بأنه “لم يكد زهران علوش ينفي” مسؤولية جماعته، وحاول بدلاً من ذلك أن يَحرف القضية بقوله أنه ينبغي إيلاء المزيد من الاهتمام لأولئك الذين اختطفهم نظام الأسد.
وجادل الحاج صالح كذلك بأنه تم خطف دوما 4 من منطقة يسيطر عليها جيش الإسلام وليس داعش أو النظام، لذلك يجب عليهم تحمل المسؤولية وتفسير الجريمة. وحتى الآن، لم يتم إجراء تحقيق في الجريمة.
وبعد بضعة أشهر من عملية الخطف، دعا بيان وقع عليه مئات النشطاء وكتبه أسر المخطوفين إلى إطلاق سراحهم دون قيود أو شروط، وحمّلوا الجناة المسؤولية عن حياتهم. ومنذ ذلك الحين، أصبحت الحملة تعرف باسم اطلقوا نشطاء الحرية – Free #Douma4
وقال أسعد العشي، أحد منسقي تلك الحملة، إن هدفهم كان “مطالبة [المجتمع الدولي] بممارسة الضغط على حلفائهم في الخليج، الذين قد يكونوا قادرين على الضغط على المعارضة المسلحة في سوريا من أجل اطلاق سراح المعتقلين بدون شروط” – في إشارة إلى حقيقة أن جيش الاسلام تم تمويله ودعمه من قبل المملكة العربية السعودية.
ويعتقد الكثيرون أن زيتونة كانت لا تزال على قيد الحياة في عام 2016. حيث ذكرت وكالة الأسوشيتدبرس أن سجيناً سابقاً بسجن التوبة، الذي كان يديره جيش الإسلام، قد شاهد زيتونة هناك. وذكرت أيضاً تقارير عن وجود كتابات على جدران سجن التوبة تقول “افتقد والدتي – رزان زيتونة، 2016”. وقال مازن درويش أن هناك دليلاً على أن زيتونة كانت في سجون يديرها جيش الإسلام حتى مطلع عام 2017 على الأقل، وبعد ذلك لم تكن هناك معلومات متاحة عنها.
ومع ذلك، فإن مصير دوما4 لا يزال غير معروف. وقد أصبح البحث أكثر صعوبة، حيث تلقى أفراد العائلة والأصدقاء والمؤيدون الذين كانوا يتمسكون بالأمل نكسة عندما سيطرت قوات النظام على الغوطة الشرقية في شهر نيسان من عام 2018، بعد أكثر من خمس سنوات من الحصار والتفجيرات. وفي حين تم إطلاق سراح بعض السجناء، لم يكن من بينهم أي شخص من دوما4.