وستكون القضايا الصحافية التي ينظر فيها حالياً كفيلة بأن تبرهن ذلك. ومما لا شك فيه أنّ الجلسات الأولى تتسم ببعد تاريخي لأنها ستضع المعالم الأساسية لفلسفة التشريع المطبّقة، مما يرتّب على القضاة أخذ بالاعتبار روحية القانون التي تمت الإشارة إليها في المادة الأولى من هذا النص: "يشمل الحق في حرية التعبير حرية تبادل الأخبار والآراء والأفكار مهما كانت ونشرها وتلقيها".
(مراسلون بلا حدود / آيفكس ) – أصبح قانون الصحافة الجديد حيز التطبيق بعد أن تمّ نشره في الجريدة الرسمية لجمهورية تونس وبالرغم من قيام الحكومة بعرقلة البدء بتنفيذ أحكامه المبرمة. ويتعيّن على القضاة المكلّفين بتطبيق هذا القانون الجديد التوقف نهائياً عن اعتماد الأسلوب القمعي الذي كان يمارس في ظل نظام زين العابدين بن علي. بالرغم من أنّه لا يزال بالإمكان تحسين هذا القانون، إلا أنه كفيل بضمان حرية التعبير. وستكون القضايا الصحافية التي ينظر فيها حالياً كفيلة بأن تبرهن ذلك. ومما لا شك فيه أنّ الجلسات الأولى تتسم ببعد تاريخي لأنها ستضع المعالم الأساسية لفلسفة التشريع المطبّقة، مما يرتّب على القضاة أخذ بالاعتبار روحية القانون التي تمت الإشارة إليها في المادة الأولى من هذا النص: “يشمل الحق في حرية التعبير حرية تبادل الأخبار والآراء والأفكار مهما كانت ونشرها وتلقيها”.
قضية نسمة
في إطار قضية نسمة، سمح بدء نفاذ قانون الصحافة الجديد بتخفيف العقوبة على مدير القناة نبيل القروي في أعقاب بث فيلم برسيبوليس في تشرين الأول/أكتوبر 2011. وفي اتصال مع مراسلون بلا حدود، شرح محامي نبيل القروي الأستاذ عمر الأبيض أنه ما زال يجهل بوضوع الأساس الذي تستند إليه الدعاوى القضائية. ولا يسعنا إلا التساؤل حول هدف دعوى مماثلة. تعتبر مراسلون بلا حدود أنها إرادة بسيطة وصريحة لمعاقبة الصحافي من دون أن تتوصل المحكمة إلى إرساء أساس قانون لمثل هذه الإدانة. لذا، يمكن القول إنه لا أساس لهذه الدعاوى. وتمر حرية التعبير أيضاً بالتسامح مع الأفكار الصادمة في حين أنه كان يحق لقناة نسمة بث الفيلم المعني.
أظهرت قضية نسمة مدى أهمية إرساء هيكلية لتنظيم وسائل الإعلام المرئية والمسموعة.
محاكمة شاكر بصبص
في خلال جلسة الاستماع التي انعقت بتاريخ 23 كانون الثاني/يناير في إطار محاكمة نسمة، استجوبت الشرطة الصحافي شاكر بصبص من إذاعة موزاييك أف أم ووجهت إليه تهمة تصوير الجلسة بشكل غير قانوني، علماً بأنّ المادة 62 من قانون الصحافة الجديد تحظر بشكل رسمي تغطية الجلسة من دون إذن مسبق من القاضي. وقد وضع في النظارة لمدة خمس ساعات قبل أن يطلق سراحه ليستمع إليه قاضي التحقيق في اليوم التالي. وتمّ تأجيل محاكمته الذي كان مقرراً عقدها في 2 شباط/فبراير إلى 13 شباط/فبراير.
في هذا الإطار، أعلنت المنظمة: “بعيداً عن مسألة تقدير فرصة وجود أحكام تقييدية للغاية في مجال تغطية القضايا الإعلامية المعروضة على المحاكم وذنب الصحافي، يسلّط هذا الاعتقال لمدة تفوق الخمس ساعات الضوء على غياب الاعتدال التام، فيما كان تذكير رئيس المحكمة بالنظام ليكفي لا سيما أن محاكمة نسمة تحظى بتغطية إعلامية تذكي التوترات. على عكس شاكر بصبص، لم يتم توقيف المعتدي زياد كريشان وحمادي رديسي في جلسة 23 كانون الثاني/يناير فوراً بعد الاعتداء على الصحافيين جسدياً تحت أنظار القوى الأمنية. مع أن المادة 14 من القانون الجديد تقمع حقيقة “إهانة صحافي أو الإساءة إليه لفظياً أو بحركات أو تصرفات أو تهديدات من شأنها أن تعرقل ممارسة عمله. فإن هذه الممارسة المزدوجة المعايير مثيرة للقلق”.
من المهم أن تفهم الشرطة روحية المادة (62)، وإلا فإن استخدام هذه المادة قد يؤدي إلى بعض التجاوزات، وتقويض حرية الإعلام والتعددية. وفقاً لشهادة الصحافيين، يمنع رجال الشرطة أي شخص يحمل كاميرا أو آلة تصوير من دخول قصر العدل بشكل قاطع، حتى ولو لم يكن هذا الحظر ملحوظاً في القانون.
مدوّني مدنين
في مدنين، تقدّم المحامي مبروك خورشيد بثلاثة شكاوى ضد مدون واثنين من المواطنين التونسيين بعد بثهما منشورات وردود فعل تعكس التعبئة ضد تعيينه في منصب مستشار الحاكم.
يلاحق الأستاذ مبروك خورشيد المدون رياض السهلي بتهمة “التشهير” على شبكة الإنترنت في أعقاب استعادته، على صفحة مدنين الإخبارية على فايسبوك، بياناً أرسله متظاهرون. ويلاحق الأستاذ نفسه يوسف فيلالي وهو مواطن علّق على هذا المنشور بتهمة التشهير أيضاً. ومن المرتقب أن تستمع المحكمة الابتدائية في مدنين إلى أقوال الرجلين في 22 شباط/فبراير المقبل.
تتسم هذه المحاكمة بأهمية بالغة لأنها أول قضية تشهير ترفع في المرحلة اللاحقة لعهد بن علي. في هذا الإطار، تشير مراسلون بلا حدود: “نأمل في رؤية القضاة يستفيدون من النفوذ الذي يتمتعون به ليثبتوا عن اتزانهم ويؤكدوا نيتهم حماية المواطنين الإلكترونيين بغية ضمان حقهم في حرية التعبير. ويجدر بهم أن يأخذوا السياق بعين الاعتبار – تماماً كما شخصية رافع الدعوى. لا شك في أن حدود الانتقادات المسموح بها قد أصبحت واسعة عندما يستهدف أحد السياسيين، أكثر منه عندما يتعلق الأمر بمواطن عادي. فيعرّض السياسيون أنفسهم لمراقبة دقيقة لأنشطتهم، وهي مراقبة يؤمنها الصحافيون والمواطنون”. في الواقع، احتفظ القانون بالصمت إزاء مسؤولية وسائل الإعلام على شبكة الإنترنت في حين أن نظام المسؤولية المحددة على الويب بات أكثر من ضروري، كما تظهره حالة هذا المدون.
على صعيد آخر، يلاحق الأستاذ مبروك أيضاً مدوّناً آخر من مدنين هو مروان التمنة بتهمة “التشهير” و”توزيع منشورات” تمس بشخصه. ومطلوب من المدون المثول أمام محكمة بلدية مدنين في 29 شباط/فبراير المقبل.