يستمرّ استخدام حجج حفظ الأمن والسيادة ومكافحة الجريمة الإلكترونية، لملاحقة النشطاء والناشطات، والصحفيين/ات، والحقوقيين/ات وغيرهم/نّ، وزجّهم/ن في السجون.
نُشر هذا المقال أولاً على موقع SMEX بتاريخ 14 كانون الاول 2017
لتقييد العمل الصحفي وحرية التعبير وانتهاك خصوصيّة المستخدمين/ات على الويب في فلسطين المحتلّة أوجهٌ عديدة، فمن إغلاق فيسبوك لصفحات عددٍ من الصحفيّين/ات بشكل مؤقّت عام 2016، مروراً بقانون الجرائم الإلكترونية الجدليّ الذي أقرّته السلطة الوطنية الفلسطينية منذ أشهر وجوبه بالرفض والاحتجاج، إلى الخوارزميّة التي برمجتها سلطات الاحتلال الإسرائيلي لتعقّب المنشورات الناقدة لها على فيسبوك، وصولاً إلى تهمة إساءة استخدام التكنولوجيا في قطاع غزّة. يستمرّ استخدام حجج حفظ الأمن والسيادة ومكافحة الجريمة الإلكترونية، لملاحقة النشطاء والناشطات، والصحفيين/ات، والحقوقيين/ات وغيرهم/نّ، وزجّهم/ن في السجون.
لا تزال حركة حماس، التي تسيطر على قطاع غزة، تعمل بتهمة “إساءة استخدام التكنولوجيا” الّتي أضيفت مع القانون رقم 3 لسنة 2009 معدّل لقانون العقوبات رقم 74 لسنة 1936. حيث نصّت المادّة رقم 262 مكرّر، على تجريم كلّ من “أساء عمداً استعمال أجهزة الخطوط الهاتفية أو الإنترنت أو أية وسيلة تكنولوجية أخرى بأن روّج أو نقل أو طبع أو نسخ أية مواد إباحية، أو أزعج الغير، أو وجه إليهم ألفاظاً بذيئة أو مخلة بالحياء أو تضمّن حديثه تحريضاُ على الفسق والفجور.” ولكن ما الّذي تصنّفه حماس كإزعاجٍ للغير أو تحريضٍ على الفسق والفجور؟ إمكانيّة تأويل هذه المصطلحات، وغيرها مما ورد في نصّ هذه المادة، تسمح لحركة حماس باستخدامها لتقييد حرّية التعبير عن الرأي، واختراق خصوصية الناس، عبر تمكينها من الوصول إلى معلوماتهم/نّ وبياناتهم/نّ الخاصة. هذا ما جرى -ولا يزال يجري- مع النشطاء والناشطات الذين وُجِّهت لهم/نّ تهمٌ بسبب منشوراتٍ على وسائل التواصل الاجتماعيّ.
قانونياً، هذه التهمة “تخالف القاعدة القانونية العامة: ‘لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص.’” بحسب توضيح المحامي محمد النجار، الّذي تابع قائلاً: “لا نص واضح هنا يفسر ما هي الجريمة وأركانها وعقوبة من يقوم بارتكابها وأين مخالفته الواضحة للقانون … [إنّه] نصّ فضفاض فارغ من المعنى يصلح لأن يلبسه أي مواطن يعبر عن رأيه.” أما رئيس مكتب الاعلام الحكومي التابع لحكومة “حماس” في قطاع غزة، سلامة معروف، اعتبر في مقابلةٍ مع مؤسّسة عيون سمير قصير SKeyes أن هذه التهمة وجّهت فقط لأسباب أخلاقية، داعياً لوضع “أمر حرية الرأي والتعبير على جنب، فالذين اعتُقلوا واحتُجزوا ليسوا خرّيجي صحافة وإعلام، ولم يُعتقلوا بسبب عمل صحافي.”
بين أبرز ضحايا هذه التهمة مؤخراً كان مراسل صحيفة “البديل” المصرية، عامر بعلوشة، الّذي استُعديَ في شهر تموز/يوليو 2017 لمقابلة الأمن الداخليّ، على خلفية منشورٍ على فيسبوك تساءل فيه عمّا إذا كان أبناء مسؤولي حركة حماس قادرين على العيش بنفس الظروف التي يمرّ بها الشعب في غزة. حيث جرى بعد ذلك تحويله إلى المباحث ومن ثمّ عرضه على النيابة حيث وُجِّهت له تهمة إساءة استخدام التكنولوجيا. يندرج تحت هذه التهمة، بحسب ما قاله بعلوشة لـ SMEX، أنّه بهذا المنشور، قام بـ “التحريض ضدّ الحكومة، التشجيع على قلب نظام الحكم، النيل من وحدة ثورية، وإثارة النعرات والفوضى.” وقد تم توقيفه لمدة 15 يوماً، “تم خلالها تقديم عدة طلبات للخروج بكفالة وكانت قد قوبلت هذه الطلبات بالرفض عدة مرات،” وفي نهاية المطاف اضطرت حماس لتفرج عنه تحت ضغط شعبي بعد تعهّده بعدم كتابة منشورات ضدّ حكومة حماس ودفع كفالة قيمتها 100000 شيكل، أي ما يعادل 28500 دولار، بحسب بعلوشة.
كان من عواقب الاستدعاءات المتكرّرة بسبب “إساءة استخدام التكنولوجيا،” أن الصحفيين/ات باتوا يتردّدون كثيراً قبل نشر أي شيء، خوفاً على سلامتهم/نّ. مثلاً، الباحث عزيز المصري، الذي كان قد تعرّض للاعتقال عام 2013 بعد أن وُجِّهت له التهمة ذاتها، بات يتحرّى حذراً شديداً لألّا تلصق به هذه التهمة من جديد: “أصبحت أحاول الواقع الذي نعيشه من خلال الحديث عن أحداث تاريخية بشكل غير مباشر، عدا عن كوني أكتب أحيانا بعض المنشورات مرة، واثنتين، وثلاثة وأتردد بعد ذلك في نشرها أو عدم النشر.” هذا النوع من الرقابة الذاتية بات أيضاً ينعكس على أسلوب الصحفية شيرين خليفة، الّتي باتت تسعى لإيجاد “مجموعة من المخارج المهنية والقانونية من خلال استشارة بعض المحامين في الكثير من الأحيان.”
هذه العواقب السلبية في عيون البعض، كانت إيجابيّة في عين الصحفية هداية شمعون، التي رأت أن الرقابة الذاتية باتت ضرورة لدى الإعلاميين: “أنا عادة أحاسب نفسي على كلّ كلمة انطلاقاً من التزامي الأخلاقيّ والمهني، ومن مبدأ المسؤولية المجتمعية.” تشير شمعون أيضاً إلى أنها ترى هامشاً للتعبير عن الرأي في القطاع رغم “عدم قدرة السلطات على السيطرة التامة على الإعلام الاجتماعي وذلك بسبب استخدام أسماء وحسابات وهمية.”
في حال تمّت المصالحة بين السلطة الوطنيّة الفلسطينيّة وحماس، لن يكون استبدال تهمة إساءة استخدام التكنولوجيا في غزّة بقانون الجرائم الإلكترونية الساري في الضفة الغربيّة حلّاً يعيد للغزّيين/ات حرّيتهم. إن حقّ التعبير عن الرأي على الويب، يعتبر أحد الحقوق الرقميّة، وبالتالي أحد حقوق الإنسان. وفي حين يلزم أن تحارب حكومات دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الجرائم الإلكترونية، كغيرها من الجرائم، إلّا أنّه عليها التفريق بدقّةٍ بين ما هو جريمة، وما هو رأيّ يخصّ الوضع السياسي أو الاجتماعي.
أعدّ هذا المقال منى شتيّة من فلسطين وآسر خطاب من بيروت.