تقوم جولتنا الاخبارية الشهرية بتحليل ودراسة قضايا حرية التعبير في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وتسلط الضوء على الجهود الأخيرة التي تبذلها مصر للسيطرة على وسائل الإعلام (وأعلام قوس قزح)، والاستفتاء الكردي (وما بعده)، وحملة تستهدف الرقابة الذاتية في فلسطين وأكثر من ذلك.
مصر
شهراً بعد شهر، تزيد الحكومة المصرية من تقليص المساحة العامة وتوسّع السيطرة على المؤسسات المختلفة في البلاد. وفي مطلع شهر أيلول، أطلقت خطة تأميم تهدف إلى اضعاف وسائل الإعلام المستقلة. ووفقا لمنظمة مراسلون بلا حدود، تجري حاليا عملية تأميم أربع وسائل إعلامية مستقلة – صحيفتان يوميتان وموقعان على شبكة الإنترنت.
فقبل شهور من الشروع في هذا الأسلوب الجديد للسيطرة على المشهد الإعلامي النابض بالحياة في البلاد، كان الأفراد المقربون من وكالة الاستخبارات المصرية قد استحوذوا على وسائل الإعلام المملوكة للقطاع الخاص، ومن أبرزها تلفزيون الحياة، وقناة أون، وصحيفتي صوت الأمة واليوم السابع.
ولترسيخ النظام الحالي ونظام حكمه القمعي، حكمت الحكومة بتاريخ 25 أيلول على المرشح الرئاسي السابق ومحامي حقوق الإنسان البارز خالد علي بالسجن ثلاثة أشهر بتهمة “انتهاك الآداب العامة”. ووفقا للشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، فإن هذا الحكم الظالم يهدف إلى استبعاده من الترشح للانتخابات الرئاسية لعام 2018. إذا تم تأكيد الحكم عند الاستئناف، سيفقد علي حقه في الترشح.
كما يظهر عدم احترام مصر لسيادة القانون مرة أخرى في رفضها الإفراج عن الشاعر خالد سعيد من السجن على الرغم من صدور أمراً بالإفراج عنه. وفي آخر انتهاك للحق في حرية التعبير، اعتقلت الشرطة المصرية سبعة أشخاص بتهمة “تشجيع الانحراف الجنسي” لمجرد رفعهم علم قوس قزح في حفل موسيقي بتاريخ 25 أيلول.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد. فبتاريخ 21 أيلول، وافق مجلس الوزراء على إدخال تعديلات على قانون الجنسية المصري الذي من شأنه يجرد الأفراد المدانين بارتكاب أنشطة إرهابية من جنسيتهم. وبالنظر إلى عدم اتباع الإجراءات القانونية الواجبة في المحاكم المصرية والقضاء، تستخدم هذه الإدانات لاستهداف المعارضة. وسيتم مناقشة مشروع التعديلات والتصويت عليه فى البرلمان فى شهر تشرين الأول القادم.
اليمن
وفي اليمن، تواصل القوات الحوثية إرهاب وتعذيب وخطف الناشطين بشكل تعسفي. ففي 15 أيلول، اقتحمت الميليشيات منزل الصحافي والمحرر عبد المهاتري واختطفته. كما اعتقلوا الصحافي كامل الخثاني في الأسبوع نفسه لانتقاده معاملة الحوثيين للصحفيين. وأطلق سراح الرجلين بعد ذلك بأسبوع بتاريخ 24 أيلول. ولكن لا زال الصحفي اليمني البارز يحيى الجبيحي محتجزا منذ أكثر من عام. ولا يزال العديد من الصحفيين والناشطين والنقاد الآخرين بمن فيهم هشام العميسي محتجزين لدى الحوثيين.
المغرب، وتونس، والجزائر
في المغرب، استمرت محاولات وقف حركة الاحتجاج في منطقة ريف الشمال في شهر أيلول الماضي. وبتاريخ 14 أيلول، رفعت محكمة استئناف عقوبة السجن لأربعة أضعاف بحق المحرر البارز حامد المهداوي الذي كان قد صدر حكماً عليه بالسجن لمدة ثلاثة أشهر بتهمة “التحريض على مظاهرة محظورة” في مدينة الحسيمة. وبعد فترة وجيزة من إعلان القرار، بدأ المهداوي إضرابا عن الطعام “تنديداً بمحاكمته الغير عادلة، وانتهاك حرية التعبير وعدم احترام حقوق الإنسان”. وبتاريخ 25 أيلول، اعتقل المدافع عن حقوق الإنسان رشيد عيشي وتم تحويله إلى المحكمة، بتهمة “التحريض على ارتكاب جناية بوسائل إلكترونية” و “التحريض على العصيان” بعد نشره على الفيسبوك كلمات دعا فيها إلى التضامن مع المعتقلين السياسيين في منطقة الريف.
وفي تونس، شهد شهر أيلول حادثين لإساءة استخدام قوات الشرطة للسلطة. ففي 9 أيلول، ألقت الشرطة القبض على خمسة ناشطين محتجين على قانون المصالحة الإدارية المثير للجدل. وبحسب “المونيتور”، في حال تم تطبيق القانون فإنه سيسمح بالعفو عن موظفي الديكتاتور السابق زين العابدين بن علي. وفي 12 أيلول، تم عرضهم على الحرس الوطني فى انتظار مثولهم أمام النيابة العامة، حسبما أفادت الشبكة العربية لمعلومات لحقوق الإنسان. وبتاريخ 18 أيلول، تعرض المراسل الإذاعي حمدي السويسي للاعتداء على أيدي مجموعة من رجال الشرطة واقتيد إلى مركز للشرطة حيث تم استجوبه لأكثر من ساعتين، أثناء تغطيته مظاهرة في الجنوب الشرقي لمدينة صفاقس.
وفي الجزائر، تم الاعتداء على الصحفيين رضا عمراني ورشيد علي عقاسي بتاريخ 4 أيلول، وذلك أثناء استعدادهم لاستضافة مؤتمر يعلن فيه إطلاق قناة تلفزيونية تشجع لغة القبايل وثقافتها. وفي بيان بشأن هذه المسألة، أدانت منظمة بن الدولية الاعتداء، ودعت السلطات إلى إجراء تحقيق عاجل وتقديم المسؤولين عنها إلى العدالة. وجاء الاعتداء بعد اعلان رئيس بلدية تامازيرت من مكان انعقاد المؤتمر ان هذا المؤتمر يتعارض مع “المبادئ التأسيسية للدولة الجزائرية”. وبتاريخ 12 أيلول، أفادت التقارير الصحفية أن الصحفي الجزائري المستقل سيد شيتور احتجز لمدة 100 يوم. إن القبايل هي لغة بربرية ويتم التحدث بها بشكل أساسي في الجزائر. وكان القبايل ضحية لسياسة التعريب التي حاولت السلطات الجزائرية فرضها على مر السنين.
المملكة العربية السعودية
منذ تداعياتها الأخيرة مع قطر وأزمة الخليج التي تلت ذلك، عززت المملكة العربية السعودية قمعها بحق الشخصيات المعارضة والمنتقدين لسياساتها. ووفقاً للشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، اعتقلت السلطات السعودية منذ تاريخ 14 أيلول، 14 مدافعاً عن حقوق الإنسان ونشطاء ورجال دين إما بسبب معارضتهم لموقف السعودية في الأزمة أو عدم دعمهم الكافي. وقال رجل الدين البارز سلمان العودة إنه اعتقل لرفضه طاعة عدد من التوجيهات الصادرة عن مستشارين من المحكمة الملكية يدعوه فيها إلى التنديد العلني بقطر. كما أبلغت هيومن رايتس ووتش ومركز الخليج لحقوق الإنسان عن اعتقالات بدوافع سياسية في المملكة العربية السعودية هذا الشهر.
وفي مدونة لمؤسسة الحدود الإلكترونية، سلطت جيليان يورك الضوء على امتثال شركات وسائل الإعلام الاجتماعي للمطالب السعودية بفرض رقابة على وسائل الإعلام القطرية. وفقا ليورك، فعلى مدى الأسابيع القليلة الماضية، استجاب موقعي ميديوم وسناب للمطالب السعودية بحجب المحتوى الصحفي في المملكة. وحثت يورك الموقعين على “اعادة النظر في قراراتهما، والشركات الاخرى على اظهار التزامها بحرية التعبير برفضها الانصياع لمطالب الحكومات الاستبدادية عندما لا تكون ملزمة قانونيا”.
باختصار
في الضفة الغربية، وفقا لمنظمة الأصوات العالمية، واصلت السلطة الفلسطينية حملتها على المعارضة على الانترنت من خلال اعتقال الناشط الفلسطيني عيسى عمرو لانتقاده على موقع الفيسبوك اعتقال صحفي. ويواجه عمرو أيضا، بصفته من الدعاة البارزين للمقاومة غير العنيفة، تحديات قانونية من إسرائيل.
وفي إيران، حيث يتم تقييد المشهد الإعلامي بشدة، لا تزال الوعود التي قطعتها حكومة روحاني في وقت سابق لتخفيف القيود المفروضة على وصول الايرانيين إلى الانترنت غير قريبة من أن تصبح حقيقة واقعية. وكشف تقرير لمراسلون بلا حدود هذا الشهر الاتجاه المتغير لنهج وكالات المخابرات الإيرانية في قمع الصحفيين الإيرانيين في الخارج أيضاً. وأشار التقرير إلى أنه بسبب سياسة إيران الخارجية الأكثر تصالحية منذ أن أصبح حسن روحاني رئيسا في عام 2013، فإن النظام قد حد من استخدامه للمضايقات المباشرة لصالح تهديدات خفية. وفي آخر أخبار حرية التعبير من إيران، تم الإفراج عن المعلم والشاعر ماهفاش سابيت، وهو واحد من مجموعة تتكون من سبعة من الزعماء البهائيين المعروفين باسم “أصدقاء إيران” – وكان قد احتجز في عام 2008. ولا يزال العديد من الصحفيين والنقاد وأعضاء المعارضة الآخرين محتجزين في ظروف صعبة.
وفي كردستان العراق، وبعد استفتاء تاريخي بتاريخ 25 أيلول حول استقلال كردستان، ازدادت حدة التوترات على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، وازدادت التقارير حول حظر وسائل الإعلام، وايقاف البعض الآخر، وتهديد الصحفيين. وأصدرت منظمة مراسلون بلا حدود بيانا بتاريخ 28 أيلول تدعو فيه السلطات الكردية إلى “حماية الحق في الانتقاد في ظل بيئة سياسية غامضة على نحو متزايد”.
وبتاريخ 19 أيلول، وجهت السلطات في البحرين اتهامات جديدة ضد المدافع عن حقوق الإنسان والمؤسس المشارك لشبكة البحرين لحقوق الإنسان نبيل رجب، الذي يقبع في السجن منذ حزيران 2016. كما قامت محكمة مكافحة الإرهاب باستدعاء أربعة نشطاء آخرين يعملون في مركز البحرين هذا الشهر للاستجواب. وتم اتهام الاربعة “بالتجمع الغير قانوني” بموجب قانون مكافحة الارهاب المثير للجدل.
وفي الأردن، اتهم مركز الدفاع عن حرية الصحفيين علنا بعدم تسجيله على النحو الواجب كمنظمة غير ربحية. ونقلت هيئة تنظيم التجارة الأردنية القضية إلى النائب العام الأردني الذي يمكنه بعد ذلك بدء الإجراءات القانونية ضد المركز وفقا للجنة حماية الصحفيين.
حملة الشهر
أطلق المركز الفلسطيني للتنمية والحريات الإعلامية حملة تهدف إلى تقليل الرقابة الذاتية على الصحفيين في الضفة الغربية والحد منها. وشملت الحملة التوعية بالآثار السلبية للرقابة الذاتية من قبل الصحفيين على موقع فيسبوك وتنظيم ثلاث ورشات عمل في بيت لحم ونابلس ورام الله للصحفيين حول كيفية مقاومة الرقابة الذاتية. ووفقا لدراسة سابقة أعدها المركز سابقاً، فإن نحو 80 في المائة من الصحفيين الفلسطينيين يراقبون أنفسهم في تقاريرهم. و من المتوقع أن تزداد هذه النسبة منذ بدء سريان قانون الجرائم الإلكترونية الجديد.