في إطار الهجمة الشرسة التي تشُنها السلطات المصرية على حرية الإبداع والتعبير الفني، حكمت محكمة جنح مستأنف بولاق أبو العلا، يوم 20 فبراير 2016، بالحبس سنتين على الأديب الشاب، أحمد ناجي.
ظهر هذا البيان على مواقع مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، ومؤسسة حرية الفكر وتعبير في تاريخ 21 فبراير 2016.
في إطار الهجمة الشرسة التي تشُنها السلطات المصرية على حرية الإبداع والتعبير الفني، حكمت محكمة جنح مستأنف بولاق أبو العلا، يوم 20 فبراير 2016، بالحبس سنتين على الأديب الشاب، أحمد ناجي، وغرامة عشرة آلاف جنيه على رئيس تحرير جريدة أخبار الأدب، طارق الطاهر، في واقعة نشر “ناجي” لفصل من روايته، استخدام الحياة، بمجلة أخبار الأدب. في القضية رقم 9292 لسنة 2015م، وهو الحكم الذي جاء ليؤكد على طبيعة المناخ المعادي لحرية الإبداع والتعبير بشكل عام في مصر والذي شهد هجومًا متواصلًا في الفترة الأخيرة.
تمت معاقبة “ناجي“ و“الطاهر” بأقصى عقوبة أباحها القانون لتهمة (خدش الحياء العام)، في رسالة قاسية وواضحة لكل من تُسوِّل له نفسه أن يستخدم خياله أو قلمه ليُعبِّر عن أية آراء مخالفة للثقافة العامة التي تحميها السلطة بهدف قتل روح الخيال والإبداع بما يساهم فيه ذلك من وقف حركة تطور الوعي الجماعي للمجتمع، ويجعله حبيس أفكار معادية للاختلاف وقبول الآخر. يُعد هذا الحكم بمثابة تأكيد على معاداة الأنظمة المتعاقبة لحرية الفكر والإبداع رغم اختلاف أيدولوجية وأفكار تلك النظم بين ديني ومدني.
إن الملمح الثاني المهم والذي تبرزه قضية “ناجي” –إلى جانب عدة قضايا أخرى في الآونة الأخيرة– هو ذلك الانتهاك المستمر والفج الذي تُمارسه مختلف مؤسسات الدولة وعلى رأسها تلك المؤسسات المنوطة بإشاعة العدل وإعادة الحقوق وتطبيق القانون؛ للدستور المصري، فرغم أن الدستور المصري نص في مادته (67) على كفالة حرية الإبداع الفني والأدبي، ورعاية المبدعين وحماية إبداعهم وعدم توقيع عقوبة سالبة للحرية في الجرائم التي تُرتكب بسبب علانية المنتج الفني أو الأدبي أو الفكري، إلا أن المُبدعون يتعرَّضون يوميًا لبلاغات تتعمد النيابة العامة إحالتهم على أثرها للمحاكمة باستغلال، أبواب الدستور الخلفية، ممثلة في نصوص القوانين المختلفة التي لم تُنقَّح بعد وعلى رأسها قانون العقوبات، والتي تُفرِّغ النص الدستوري من مضمونه بشكل كامل، كحالة “ناجي” وغيرها الكثير.
فرغم حصول “ناجي” و”الطاهر” على حكم بالبراء من محكمة أول درجة. إلا أن النيابة العامة استأنفت القرار. وقد شهدت إعادة المحاكمة إخلال فادح الاستماع لشهادة، أ.أحمد مجاهد، رئيس الهيئة العامة للكتاب، والتي كانت في صالح “ناجي“، رغم استماع قاضي أول درجة لثلاث شهادات من كبار المبدعين من بينهم، صنع الله إبراهيم، ومحمد سلماوي. لتُعلن هيئة المحكمة بعد انتهاء المرافعات، والتي كررت خلالها النيابة العامة مرافعتها نفسها أمام قاضي أول درجة دون أي جديد على مستوى تقديم أدلة إدانة أو ما شابه، أن الحكم بعد المداولة. ليفاجئ محاميو هيئة الدفاع عن ناجي بانصراف هيئة المحكمة دون إبلاغهم بالقرار، والذي علموه فيما بعد عن طريق حرس المحكمة، في إهانة شديدة لهيئة الدفاع وللمبدعين بشكل عام.
إن المنظمات الموقعة أدناه تؤكد على أن الحكم الصادر بحق ناجي والطاهر لا يُمكن فصله عن ما يتعرض له المناخ العام لحرية الإبداع والتعبير الفني –بشكل خاص– والتعبير عن الرأي بشكل عام في مصر، فقد شنَّت السلطات المصرية –في الآونة الأخيرة– حملة موسعة، شملت مداهمة دار “ميريت للنشر” ومؤسسة “تاون هاوس” وتشميع مسرح “روابط”، وحبس الباحث، إسلام البحيري، بعد تجريمه بتهمة ازدراء الأديان، والحكم على الكاتبة، فاطمة ناعوت، كذلك بتهمة ازدراء الأديان، وقرارات وزير العدل بمنح سلطة الضبطية القضائية لنقيبي المهن التمثيلية والموسيقيين وعدد من أعضاء نقاباتهم في إعلان للحرب على الفنانين والمُبدعين غير المحميين بمظلة النقابة، وغير ذلك الكثير.
وتؤكد المنظمات أن استمرار مثل تلك السياسات سوف يؤدي لمزيد من انسداد الأفق في علاقة المثقفين والمبدعين بالسلطة القائمة ويؤكد زيف إيمانها بحرية الرأي والإبداع وقبول الآخر. ويُزيد من مخاوف الإلقاء بمزيد من أصحاب الرأي والخيال داخل السجون لمجرد تعبيرهم عن تلك الآراء في أي قالب كان. وأن حرية الإبداع والتعبير الفني مكفولة بموجب الدستور والمواثيق والمعاهدات الدولية التي وافقت عليها مصر وأصبح لها قوة القانون.
وتطالب المؤسسات الموقعة أدناه السلطات المصرية، بالوقف الفوري لكافة أشكال انتهاك الدستور، والإفراج الفوري عن أحمد ناجي، وإلغاء الحكم الصادر بحقه، بأي وسيلة قانونية كانت. والشروع الآن وفورًا في مناقشة التشريعات التي تحتاج لكثير من التنقيح والتعديل وعلى رأسها المواد 98 و178 من قانون العقوبات المصري، والتي يستغلها الكثيرون لإلقاء المبدعين والمثقفين خلف الأسوار بدواعي خدش الحياء العام وازدراء الأديان.
كما تُشدِّد المؤسسات الموقعة أدناه على ضرورة اصطفاف جماعة المثقفين والمُبدعين المصريين للتصدي لتلك الهجمة التي تستهدف إعادتهم خطوات هامة إلى الوراء بعد انتزاعهم لمساحات أكثر رحابة بفعل ثورة يناير، خاصةً في ظل غياب أي دور لوزارة الثقافة، والدكتور حلمي النمنم، والذي عوَّل كثير من المبُدعين على ارتقاؤه بمساحات حرية الإبداع والفكر والخيال، واتساع أفق قبول الاختلاف، في عهده باعتباره أحد المدافعين القدامى عن حرية الإبداع. إلا أن حكم ناجي جعل سلامة وأمن كل مُبدع مصري اليوم في خطر، وإن لم تتضافر جهود المُبدعين لوقف الانتهاكات بحق حرية الإبداع والمبدعين وإن لم يكن لهم دور للضغط على السلطة التشريعية ممثلة في البرلمان لإعادة النظر في القوانين التي تُخالف نصوص وروح الدستور وتنتهكه. بما يستتبع ذلك من إعادة النظر في قضايا المُبدعين والمثقفين قيد الحبس في قضايا تتعلق باتهامهم باتهامات واهية كخدش الحياء العام وازدراء الأديان. إن الخط الأحمر الوحيد الذي حدده الدستور ويجب على جماعة المثقفين إقراره والتمسك به هو التمييز بين المواطنين والتحريض على العنف. فيما عدا ذلك فالإبداع حرية وحق يجب حمايته ويجب على الجميع التصدي لأي هجوم يشن عليه والحفاظ على مناخ حُر وآمن لممارسته.
للاطلاع على كافة تفاصيل ومراحل قضية أحمد ناجي:
حرية الإبداع في حيثيات براءة الكاتب أحمد ناجي
محاكمة أحمد ناجي بين الحق في حرية الإبداع ودستور النوايا الحسنة
المنظمات الموقعة على البيان:
الجماعة الوطنية لحقوق الإنسان والقانون
الجمعية المصرية للنهوض بالمشاركة المجتمعية
الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان
المبادرة المصرية للحقوق الشخصية
مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان
مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب
مركز حابي للحقوق البيئية
مركز وسائل الاتصال الملائمة
مصريون ضد التمييز الديني
مؤسسة المرأة الجديدة
مؤسسة حرية الفكر والتعبير
مؤسسة قضايا المرأة المصرية
نظرة للدراسات النسوية
الحكم الصادر بحق ناجي والطاهر لا يُمكن فصله عن ما يتعرض له المناخ العام لحرية الإبداع والتعبير الفني –بشكل خاص– والتعبير عن الرأي بشكل عام في مصر.