سوريا هي أخطر بلد في العالم للمراسلين الصحفين، ومع ذلك فإن المئات من مواطنيها يخاطرون بحياتهم لالتقاط الصور وتسجيل مقاطع فيديو وإرسال تقارير حول النزاع الأهلي.
سوريا هي أخطر بلد في العالم للمراسلين الصحفين، ومع ذلك فإن المئات من مواطنيها يخاطرون بحياتهم لالتقاط الصور وتسجيل مقاطع فيديو وإرسال تقارير حول النزاع الأهلي. ويسعى الكثير منهم إلى إيصال تقاريرهم إلى المجتمع الدولي، في حين يرغب آخرون برفع مستوى الوعي على الأرض. ويخشى الكثيرون أنه من دون عملهم ستظل الفظائع التي تُرتكب في هذا النزاع من دون توثيق. ويقول البعض إنهم يقومون بذلك لأنه لا يوجد أي عمل آخر أثناء الحرب.
منذ انطلاق الانتفاضة السورية في مارس/آذار 2011، تم استهداف الصحفيين والعاملين الإعلاميين السوريين والدوليين، حسبما تُظهر أبحاث لجنة حماية الصحفيين. وقد قُتل ما لا يقل عن 63 صحفيا بسبب عملهم، إضافة إلى ما يقارب 30 صحفياً آخر ما زالوا في عداد المفقودين، وذلك لغاية نهاية عام 2013. وكانت حكومة الرئيس بشار الأسد ومنذ مرحلة مبكرة قد منعت عمل الصحافة الدولية في سوريا، في حين عمدت قوات الأمن إلى اعتقال عشرات الأشخاص من جامعي الأخبار وعاملتهم بقسوة. وشنت قوات الثوار هجوماً معاكسا – إذ استهدفت الصحفيين ووسائل الإعلام التي تعتقد أنها مؤيدة للحكومة. وبحلول أواخر عام 2011، واجه الصحفيون جبهة ثالثة مع ظهور جماعات إسلامية مقاتلة من غير السوريين في ساحات المعارك والتي اعتدت على صحفيين واختطفتهم وقتلتهم.
نشأت حركة محلية للصحافة المستقلة في وسط هذه الفوضى، وتُظهر أبحاث لجنة حماية الصحفيين أن عشرات وسائل الإعلام السورية تعمل على الأرض، ولكن ليس هناك أرقام موثقة حول عددها. وقال موفق صفدي، وهو صحفي سوري يعيش في المنفى في تركيا، “قبل الثورة لم يكن يوجد سوى رواية صحفية واحدة: وهي الرواية التي يرغب النظام بنشرها. أما الآن، وعلى الرغم من أن وسائل الإعلام ليست جميعها مهنية، إلا أنه على الأقل بدأت تظهر روايات أخرى”.
ورث الرئيس السوري منصبه من والده، حاكم سوريا المستبد حافظ الأسد، الذي حكم سوريا كرئيس منذ عام 1971 وحتى وفاته في عام 2000. وحتى ذلك الوقت، كانت وسائل الإعلام الوحيدة التي تسمح لها الحكومة بالعمل هي وسائل الإعلام التي تديرها الحكومة أو المرتبطة بحزب البعث العربي الاشتراكي الحاكم. وعندما تسلم الأسد الابن مقاليد السلطة، ظهرت آمال في البداية أن تغييراً سيحدث، وبدأت الصحافة المحلية خطواتها الأولى المترددة نحو استقلال أكبر وتوجيه نقد مفتوح أكثر. ومع ذلك، أقرت السلطات في عام 2001 قانون الصحافة الذي سمح بالمطبوعات الخاصة (التي كانت ممنوعة منذ عام 1963)، إلا أنه حافظ على قيود مشددة. وهو يتطلب من جميع المطبوعات الخاصة الحصول على ترخيص من الحكومة، ويمنعها من إيراد تغطية صحفية حول شؤون الجيش أو موضوعات يمكنها “إلحاق الضرر” بالأمن القومي أو “الوحدة الوطنية”. ويواجه منتهكو القانون عقوبة تصل إلى السجن لمدة ثلاث سنوات وغرامات باهظة.
ومع وجود هذه القيود، بدأت بعض المواقع الإلكترونية المستقلة تزدهر في بدايات العقد الماضي، وفقاً لمسعود أكو، وهو سوري يعمل في مراقبة الحريات الصحفية في سوريا من مقره في النرويج، ويصف نفسه بأنه ناشط إعلامي. وقال أكو عبر مقابلة هاتفية، إن تلك المدونات المبكرة ركزت على الأخبار العامة والشؤون السياسية. وقال، “لقد استخدمها الناس كي يعبروا عن آرائهم”. بيد أن الحكومة أخذت بالتضييق على المعارضة عبر المواقع الإلكترونية، وحجبت المواقع الحساسة سياسياً، واعتقلت مدونين. وأصبحت الرقابة الذاتية واسعة النطاق بين أصحاب المواقع الإلكترونية، وفي عام 2009 صنّفت لجنة حماية الصحفيين سوريا في المرتبة الثالثة على قائمة أسوأ 10 بلدان في العالم للمدونين.
ثم أتت حماسة الربيع العربي. وعندما بدأت المعارضة المتصاعدة تظهر في سوريا – التي ألهمت تظاهرات عامة هائلة في النصف الأول من عام 2011 – بدأت تظهر وسائل إعلام مستقلة مرتجلة. ولكن لم يكن جميع العاملين فيها من المحترفين، بل قال معظهم بإنهم مواطنون دفعتهم الثورة للقيام بهذا العمل، أو إنهم ثوار يقومون بدور جامعي الأخبار كمساهمة في التغيير السياسي في سوريا. ويطلقون على أنفسهم وصف مواطنين صحفيين، أو عاملين إعلاميين، أو نشطاء إعلاميين.
وقال موفق صفدي للجنة حماية الصحفيين، “لقد كانت الثورة لحظة عاطفية جداً للجميع، بمن فيهم أنا، وكان من الطبيعي أن يرغب المرء بالانضمام للتظاهرات. وقررت أن أبدأ بتصوير الاحتجاجات إذ أن ما تعرضه وسائل الإعلام الحكومية هو أمر تافه، بل مهين. وكان التصوير هو المسار الطبيعي بالنسبة لي لنشر قصة ما يحدث. لذا بدأت بالتصوير وتحميل المقاطع التي أصورها على موقع يوتيوب”.
توجه المراسلون الصحفيون الدوليون بأعداد كبيرة إلى سوريا عند تصاعد الاحتجاجات الأولى. ولكن بحلول نهاية آذار/مارس 2011 بدأت الحكومة بتشديد قبضتها فطردت الصحفيين ومنعت آخرين من دخول البلد، وأجبرت وسائل إعلامية على إيقاف عملها، مما جعل السوريين أكثر لهفة على نشر الأخبار.
وشرع العديد من السوريين، الذين لا يمتلكون سوى قدرات إعلامية محدودة مثل موفق صفدي، إلا أنه لديهم قدرة لاستخدام الهواتف الخلوية والكاميرات وشبكة الإنترنت، شرعوا يرتجلون العمل كصحفيين. وفي مارس/آذار 2011، كان عمر الخاني قد عاد للتو إلى سوريا بعد سنوات أمضاها في الخارج وكان يأمل أن يؤسس شركة للتسويق. وقال للجنة حماية الصحفيين إنه مع خروج التظاهرات الأولى في الحي الذي يسكنه في دمشق، كانت استجابته العفوية الأولى هي أن يلتقط الصور. ولاحقاً أنشأ صفحة على موقع فيسبوك وكرسها لتوثيق الانتفاضة السورية. وقال عمر الخاني، “لقد بدأت وحيداً. ولكن ليس بوسع شخص واحد أن يغطي كل شيء، لذا طلبت من أصدقائي الذين يمتلكون مهارات أن يساعدوني، وإذ أخذت الأمور تتسع نطاقاً، أسسنا اتحاداً للأشخاص الذين يعملون مع الثورة وينسقون التظاهرات، كي نقوم نحن بتغطية ما يحدث”.
بدأت تظهر عشرات من المجموعات الشبيهة في جميع أنحاء سوريا، حسبما أوردت صحيفة ‘نيويورك تايمز’ في يونيو/ حزيران 2011. وقد نشأ معظمها كجماعات تركز على وسائل التواصل الاجتماع وتعمل على تنظيم التظاهرات. ولكن تنامت الحاجة إلى نشر المعلومات بين السوريين وإلى العالم الخارجي، في البداية بشأن الاحتجاجات ولاحقاً بشأن ممارسات القمع الحكومية، لذا تحولت هذه المجموعات إلى وكالات إعلام بحكم الأمر الواقع، وظلت منهمكة بقوة في الشؤون السياسية للثورة.
واصلت هذه التحالفات غير الرسمية، والمعروفة أيضاً باللجان التنسيقية، والمراكز الإعلامية، والمراكز الصحفية، أو الاتحادات الإعلامية، عملها في أجزاء من سوريا. ويقوم الصحفيون العاملون مع المراكز الإعلامية بنشر المعلومات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أو يرسلون المواد الصحفية إلى إذاعات عبر الإنترنت أو مدونات سورية مستقلة. وتتمكن بعض المراكز الإعلامية التي تعمل في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة المسلحة من نشر مجالات مخصصة تحتوي على معلومات موجزة حول النزاع، والقضايا الاقتصادية والاجتماعية، وأخبار عامة. وتقوم بطباعة 300 نسخة في كل مرة، وتوزعها بصفة غير منتظمة. ويعمل صحفيون سوريون آخرون بصفة مستقلة عن المراكز الإعلامية، ويرسلون المواد الإخبارية بصفة مباشرة إلى وسائل الإعلام الدولية والسورية الموجودة في الخارج.
اقرأوا المقال الكامل على موقع لجنة لحماية الصحفيين.
الصحفيان براين كرشة من كندا في الوسط وطشفمي فوجيموتو من اليابان على اليمين يهربان من الخطر مع مساعد صحفى مجهول الهوية في حي صلاح الدين في حلب في29 ديسمبر2012REUTERS/Muzaffar Salman