يسعى التقرير إلى إلقاء الضوء على بعد الاشكاليات القانونية والعملية التي تشكل عائقاً أمام تمكين العاملين في حقل الصحافة والإعلام من أداء واجبهم المهني وتوفير الحماية الواجبة لهم في ظروف الإضطراب السياسي.
أطلق مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان صباح اليوم الخميس 3 أكتوبر تقريرًا متخصصًا جديدًا بعنوان “حصار الحقيقة“. التقرير يرصد ويحلل نمط الانتهاكات بحق الإعلاميين الميدانيين المضطلعين بتغطية كافة الأحداث والمواجهات التي شهدتها البلاد، منذ انتفاضة الشعب المصري في 30 يونيو وحتى نهاية أغسطس 2013.
يسعى التقرير المكون من 45 صفحة إلى توثيق وتحليل أنماط الانتهاكات التي استهدفت الإعلاميين خلال الفترة السابقة، وهي الفترة التي شهدت أوسع وأخطر الاعتداءات على الإعلاميين ووسائل الإعلام. يُلاحظ التقرير أنه في الماضي كان الإعلاميون المصريون يواجهون التضييق من قوات الأمن الحكومية، إلا أنهم يواجهون الآن تهديدات من جهات أخرى أيضًا، تشمل مؤيدي جماعة الأخوان المسلمين، ومؤيدي الحكومة المؤقتة، بل يذهب التقرير أن السلطات الانتقالية وجماعة الإخوان المسلمين قد جمعهما قاسم مشترك، وهو تحميل الإعلام مسئولية إخفاقاتهم السياسية، وما اقتُرِفهما من انتهاكات خلال إدارة الفترة الانتقالية.
طبقًا للانتهاكات التي يوثقها هذا التقرير، لاحظ المركز أن نتائج التحليل الكمي تُظهر أن القدر الأكبر من وقائع الانتهاكات يقع على مسئولية جماعة الإخوان ومناصريها (85 حالة انتهاك)، لكن التحليل الكيفي لأنماط الانتهاكات يُظهر أن أكثرها جسامة وعنف تم بواسطة قوات الأمن والجيش، خاصةً فيما يتعلق بأعمال القتل التي طالت أعدادًا من الإعلاميين المصريين والأجانب، حيث ثبت تورط قوات الأمن في واقعتين منهم على الأقل، فضلاً عن إجراءات الاحتجاز التي استهدفت العشرات من الإعلاميين (40 حالة)، بينما مازال ثلاثة عشر شخصًا منهم رهن الاحتجاز حتى الانتهاء من إعداد هذا التقرير.
يؤكد مركز القاهرة على أن إخفاق الحكومة المؤقتة في وضع حد للاعتداءات على الإعلاميين في مصر وتخفيف القيود على الإعلاميين والمراسلين الأجانب لا يقتصر أثره على حرمانهم من العدالة، لكنه أيضًا يزرع في الوسط الإعلامي ككل شعورًا بالخوف من اعتداءات أكثر وأخطر، ويعزز من ثقافة الرقابة الذاتية. وإذا كانت الحكومة الانتقالية جادة في وضع حد للسياسات الفاشلة لجماعة الأخوان المسلمين طوال العام المنصرم فإنه على الحكومة أن تدين كافة الاعتداءات على الصحفيين، وأن تحقق فيها باستفاضة وشفافية وبما يضمن تقديم المتورطين عنها للعدالة.
ورغم أن التقرير لم يرصد أو يقيم من قرب أو من بعد مؤشرات حول مدى مهنية وسائل الإعلام المختلفة في الفترة الراهنة، إلا أن المركز لاحظ، بقلقٍ بالغ، أن الضغوط على حريات التعبير والإعلام مرشحة للتعاظم في ظل مناخ سياسي يسوده الاستقطاب الشديد، وتتبدى فيه من جانب بعض النخب السياسية وأقسام الجماعة الصحفية والإعلامية المناوئة لجماعة الإخوان المسلمين -أو الإسلام السياسي عمومًا- نزعات تميل إلى التحريض ضد الخصوم، والثأر منهم، وغض الطرف عن الانتهاكات التي تنالهم، الأمر الذي يُمهد لترسيخ بيئة سياسية تتعايش مع أنماط انتهاك حريات الرأي والتعبير والإعلام، وتعجز بعد وقت قليل عن بناء التحالفات الواجبة للتصدي لاحقًا لاعتداءات أوسع على حرية التعبير والإعلام، قد تطول أولئك الذين يصمتون الآن أو يتواطئون أو يحرضون على تلك الانتهاكات.
يؤكد مركز القاهرة أنه لا يكفي أن تقوم الحكومة المؤقتة بتقديم وعود لإزالة القيود المفروضة على حرية التعبير في مصر لضمان أن يتمكن الإعلاميون من القيام بعملهم، فالحكومة المؤقتة بحاجة أساسًا لضمان ألا يضطر الصحفيون للنظر خلف ظهورهم باستمرار لحماية أنفسهم.