أكثر من 200 وثيقة تابعة لأرشيف الصحف اللبنانية، اضاء عليها الفيلم توثق تلك الحقبة، لكنها لم تكف لجنة الرقابة، التي اعتبرت ان اغلبها شهادات شخصية، لا تصل الى مستوى الوثائق. كما لم تكفها العشرات من الافلام الوثائقية والمقابلات التلفزيونية ربما، والتي أبرزت شهادات لزعماء الحرب حينذاك تؤكد صحة ما جاء في فيلم رين متري.
ظهر هذا المقال أولا في يوم 18 يونيو 2015 على موقع مهارات نيوز، منبر إعلامي متعدد الوسائط تديره مؤسسة مهارات.
لا ذاكرة للحرب، هكذا قررت الاجهزة الرقابية على الاعمال السينمائية في لبنان. والضحية هذه المرة الفيلم الوثائقي “لي قبور في هذه الأرض” للمخرجة رين متري، والذي يتناول حقبة الحرب الأهلية بما فيها من تهجير مارسته مجموعة من الاحزاب والطوائف على بعضها البعض. اما سبب المنع، فهو “سبب وطني” بحسب رئيس لجنة الرقابة على الاعمال السينمائية أندريه قصاص.
يتكرر الكلام نفسه مع إصدار الرقابة قراراً بمنع العرض لفيلم يتحدث عن ذاكرة الحرب، اذ أكد قصاص ان “الفيلم يثير العصبيات الطائفية والمذهبية، ويعكر السلم الأهلي في حقبة دقيقة”. بدا ان استخدام هذه اللغة الخشبية أشبه بمحاولة لخلق انفصام في ذاكرة اللبناني، لا ذاكرة في الحرب. خلال 15 عاما نحن في “كوما”، ممنوعون من مشاهدة فصول المآسي المستمرة منذ البدايات الأولى للحرب الأهلية اللبنانية (1975 ـ 1990). يحق لنا معرفة ما قبل وبعد الحرب، أما بينهما فلا شيء. مجرد 15 عاما دمرت الحجر وهجرت البشر، ولا مسؤول. ستمنع جميع المحاولات لبناء وعي عن تلك الحقبة.
أكثر من 200 وثيقة تابعة لأرشيف الصحف اللبنانية، اضاء عليها الفيلم توثق تلك الحقبة، لكنها لم تكف لجنة الرقابة، التي اعتبرت ان اغلبها شهادات شخصية، لا تصل الى مستوى الوثائق. كما لم تكفها العشرات من الافلام الوثائقية والمقابلات التلفزيونية ربما، والتي أبرزت شهادات لزعماء الحرب حينذاك تؤكد صحة ما جاء في فيلم رين متري.
شعرت متري انها متهمة “بزعزعة الاستقرار في لبنان” بعد توضيح قصاص لسبب منع فيلمها. وتساءلت مستغربة سبب الاتهام “هل انا متهمة لأنني اردت بناء وعي لجيل الشباب عن ذاكرة الحرب، وهل تناول جزء من التاريخ اللبناني سيهدد استقرار نظام طائفي مستمر منذ عقود؟!”. والملفت بحسب متري ان السلطات الرقابية لم تطلب قص جملة أو كلمة، بل منعت كل الفيلم، فهل بات الحديث عن الطوائف والاحزاب التي هجرت بعضها خلال الحرب أو جملة “ميليشيا تابعة لحزب” ممنوعا في لبنان؟!
في هذا الإطار، أكدت متري لـ “مهارات نيوز” انها بإنتظار القرار بشكل خطي وليس شفهي، لتتصرف على ضوئه، على ان تشرك الاعلام والمجتمع المدني في الدفاع عن حق اللبنانيين في التعبير وطرح الافكار من دون سيطرة ومنع “مقص الرقيب”.
وشدد المستشار القانوني في “مؤسسة مهارات” طوني مخايل على ضرورة حماية الحق في حرية الرأي والتعبير، والتي تشمل حق الجمهور في الإطلاع على جميع الأفكار والآراء دون اية قيود من قبل الدولة تتعارض مع المصلحة العامة ومع قيم وعادات المجتمعات الديمقراطية التي تشكل إطاراً حراً لمناقشة جميع الأفكار والآراء وتحديداً تلك المتعلقة بتنقية الذاكرة، خصوصاً في بلد كلبنان عانى مجتمعه أبشع صور المأساة خلال الحرب الأهلية التي عصفت به.