"مع مرور الوقت تصبح الاعمال التي تخضع لمقص الرقيب بعيدة جدا عن الرأي الحر لكاتبها"، هكذا اشارت الممثلة حنان الحاج علي حول خطورة دور مقص الرقيب في التضييق على الحريات، اذ اكدت الحاج علي لـ "مهارات نيوز" ان الكاتب يشعر بعد حذف جزء من نصه "عم ينضحك عليه"، وبالتالي يترافق مع هذا الشعور عدم ثقة بالدولة ككل، اضافة الى نمو ظاهرة الرقابة الذاتية، ليصبح الرأي متأقلما مع مقص الرقيب.
ظهر هذا المقال أولاً علىظهر هذا المقال أولاً على موقع مهارات نيوز، منبر إعلامي متعدد الوسائط تديره مؤسسة مهارات, في تاريخ 2 نوفمبر 2015.
“كلن جملتين، نحنا قطّعنا تلتين المسرحية من دون ما ينقص شي”، بهذه العبارة علم المخرج والكاتب المسرحي لوسيان بورجيلي ان نص مسرحيته “بيروت سيندروم” (التي تتناول صراع بين زعيم سياسي “غير محدد الهوية” فاسد ومجرم في مقابل مواطنة تقرر المحاسبة في غياب آلية للمحاسبة)، والمقدمة الى مكتب الرقابة في الامن العام منذ 3 اسابيع من اجل رخصة عرض خاضع للمساومة، حذف جملتين مقابل منح رخصة عرض. لكن بورجيلي رفض هذه التسوية معتبرا ان لكل جملة مكان مهم في النص المسرحي. والسؤال المطروح هل يحق لمكتب الرقابة في الامن العام حذف الجمل والافكار بشكل استنسابي؟ هل يعتبر حذف جزء وان كان بسيطا من النصوص المسرحية تضيقا على حرية الرأي والتعبير للكاتب أو الفنان بشكل عام؟
يستغرب بورجيلي سهولة اقتطاع اجزاء من النصوص المسرحية المقدمة الى مكتب الرقابة، يؤكد بورجيلي لـ “مهارات نيوز” ان كل عبارة في هذا النص الذي استغرقت كتابته عام ونصف موزونة، “قمت بإعادة كتابة النص اكثر من اربع مرات، لا يوجد حق لاحد لتغيير او حذف ما كتبته، لن اعرض المسرحية من دون هاتين الجملتين”.
حاول بورجيلي تشبيه نصه لدى زيارته لمكتب الرقابة في الامن العام بلوحة رسام يصعب انقاص اي شيء منها علّ الفكرة تجد طريقها الى ذهن الضابط المسؤول في مكتب الرقابة، لكن الرد جاء “راجع المكتب بعد اسبوع للحصول على الرد”، يسأل بورجيلي مستغربا “هل تحتاج مناقشة السماح بجملتين اسبوعا كاملا؟ هل ستدمر تلك العبارات البلد؟”.
“مع مرور الوقت تصبح الاعمال التي تخضع لمقص الرقيب بعيدة جدا عن الرأي الحر لكاتبها”، هكذا اشارت الممثلة حنان الحاج علي حول خطورة دور مقص الرقيب في التضييق على الحريات، اذ اكدت الحاج علي لـ “مهارات نيوز” ان الكاتب يشعر بعد حذف جزء من نصه “عم ينضحك عليه”، وبالتالي يترافق مع هذا الشعور عدم ثقة بالدولة ككل، اضافة الى نمو ظاهرة الرقابة الذاتية، ليصبح الرأي متأقلما مع مقص الرقيب.
بدروها اعتبرت الكاتبة والمخرجة لينا خوري ان النص المتكامل الذي يقدمه الكاتب يتأثر عند حذف كلمة، وبالتالي فالرقابة تشوه الفن المقدم، كذلك تلفت خوري ان القمع والضغط الممارس على الفنان يدفعه الى صنع افكار خلاقة بشكل اكبر، تهرب من مقص الرقيب والنصوص الرقابية البالية.
ويؤكد المحامي طوني مخايل لـ “مهارات نيوز” ان الاجهزة الرقابية في لبنان تمارس الرقابة من منظار الامن السياسي الذي يخدم مصالح الطبقة الحاكمة او النافذة وليس من منظار الامن الاجتماعي وبعده المعنوي الذي يتطلب احترام الفكر والابداع ويشكل حافزاً للإنطلاق لتحقيق السلام المجتمعي من خلال الاصلاح والمحاسبة والنقد خارج دائرة الحظر والخوف والمحرمات. ويعتبر مخايل ان “إستمرار هذا النهج “الدراكوني” في التعامل مع النصوص المسرحية والافلام السينمائية من خلال الافراط في تطبيق نصوص قانونية بالية تعود الى اربعينيات وسبعينيات القرن الماضي وتتعارض مع مقدمة الدستور اللبناني الذي اقرّ في العام 1990 بسمو المبادئ المكرسة في الاتفاقيات والمعاهدات الدولية والتي تحظر اي شكل من الرقابة المسبقة على الاعمال الفنية والابداعية والفكرية، لتعارضها مع المصلحة العامة في الاطلاع على جميع الافكار والمعلومات دون اي عائق او قيود تعسفية، ولعدم ائتلافها مع طبيعة المجتمع اللبناني الديمقراطي المتعدد والمتنوع فضلا عن ان هذه الرقابة هي دون جدوى في عصر الفضاء الألكتروني الحر الذي نعيشه اليوم.
تجدر الاشارة الى ان “مؤسسة مهارات” و”مجموعة مرصد الرقابة” وضعتا مسودة قانون حرية الاعمال السينمائية والمصورة، الذي يهدف الى الغاء الرقابة المسبقة وتكريس حرية الانتاج والعرض، وانشاء هيئة ادارية مستقلة لتصنيف الاعمال المصورة حماية للقاصرين.