(لجنة حماية الصحفيين /آيفكس) – تحولت الاحتجاجات المتقطعة التي امتدت لعدة أسابيع للمطالبة بإصلاحات حكومية في سوريا إلى موجة اضطرابات شاملة في 15 آذار/مارس 2011 عندما خرج آلاف المتظاهرين إلى الشوارع في أربع مدن سورية. وخلال بضعة أيام عمدت السلطات إلى منع وصول وسائل الإعلام إلى مدينة درعا التي كانت مركز الاضطرابات، مستهلة بذلك جهدا […]
(لجنة حماية الصحفيين /آيفكس) – تحولت الاحتجاجات المتقطعة التي امتدت لعدة أسابيع للمطالبة بإصلاحات حكومية في سوريا إلى موجة اضطرابات شاملة في 15 آذار/مارس 2011 عندما خرج آلاف المتظاهرين إلى الشوارع في أربع مدن سورية. وخلال بضعة أيام عمدت السلطات إلى منع وصول وسائل الإعلام إلى مدينة درعا التي كانت مركز الاضطرابات، مستهلة بذلك جهدا متواصلا لمنع التغطية الإعلامية الدولية للانتفاضة ولحملة القمع الحكومية التي تزايد عنفها مع مرور الوقت. ومع وصول عدد الخسائر بين المدنيين إلى آلاف الأشخاص وفقاً للأرقام التي أعلنت عنها الأمم المتحدة، شهدت الأشهر الأربعة الأخيرة انعطافة قاتمة بالنسبة للصحافة. فقد لقي ثمانية صحفيين محليين ودوليين مصرعهم أثناء قيامهم بواجبهم منذ تشرين الثاني/نوفمبر، وكانت خمسة من تلك الحالات ضمن ظروف تثير شكوكاً بشأن مسؤولية الحكومة عن ارتكابها. ولكن بعد مرور سنة على انطلاقة الانتفاضة السورية، لم تُقتل الرسالة بقتل حامليها.
أجرت لجنة حماية الصحفيين استعراضاً لحالات مقتل الصحفيين في سوريا ووجدت أدلة قوية تدل على أن القوات الحكومية تعمدت استهداف الصحفيين فرزات جربان وباسل السيد. إضافة إلى ذلك، ثمة أدلة ظرفية وروايات شهود عيان تشير إلى وجود احتمال بأن القوات الحكومية قامت بأعمال معادية ومتعمدة ضد الصحافة مما أدى إلى مقتل ثلاثة صحفيين دوليين، وهم جيل جاكيه وماري كولفين وريمي أوشليك.
أنكرت الحكومة السورية أنها استهدفت الصحافة، ولكنها لم تخفِ عداءها نحو الصحفيين المستقلين إذ لجأت عملياً إلى منع المراسلين الصحفيين الدوليين من دخول البلاد وتغطية الأحداث بحرية. وزعمت وسائل الإعلام الحكومية السورية بعد مقتل الصحفيين كولفين وأوشليك اللذين اضطرا للتسلل إلى البلاد من لبنان مثل عشرات الصحفيين الدوليين الآخرين، أنهما “لا بد أن يكونا جاسوسين أو مرتبطين بمنظمات إرهابية”. وفي يوم السبت قالت وكالة الأنباء السورية الرسمية ‘سانا’ إن السلطات أصدرت تحذيراً للصحفيين الدوليين بأنه إذا تم تهريب أي صحفي إلى البلد فسوف “تتخذ الإجراءات اللازمة بحق هؤلاء الأشخاص والمؤسسات وفق القوانين النافذة”، وأنها تعتبر “مرافقة الإرهابيين” بمثابة “شراكة في الإرهاب”.
وتُظهر المقابلات التي أجرتها لجنة حماية الصحفيين والتقارير الصحفية أن ثمة اعتقاد واسع النطاق بين الصحفيين المحليين والدوليين بأن تصرفات الحكومة السورية رفعت من مستوى الخطر الناشئ عن تغطية الأخبار في مناطق النزاع إلى مستوى يفوق كثيراً المستوى المعتاد في مثل هذه الأوضاع. وقال عدد كبير من الصحفيين ممن كانوا برفقة الصحفي جيل جاكيه عندما قُتل في كانون الثاني/يناير ومع الصحفيين ماري كولفين وريمي أوشليك اللذين قُتلا بعد شهر من ذلك، إنهم يعتقدون أن القوات الحكومية استهدفت الصحافة في الهجومين.
وقال الصحفي بوول كونري لمحطة ‘سي بي أس’ التلفزيونية واصفاً نمط القصف الذي أصاب المركز الصحفي المرتجل في حمص وأدى إلى إصابته والصحفية الفرنسية إيديث بوفيه ومقتل كولفين وأوشليك، “عندما أفكر فيما حدث، يتبين لي أن الاعتداء كان متعمداً”. ويعمل كونري مصورا مع صحيفة ‘ذا صنداي تايمز’ التي تصدر من لندن، كما أنه جندي سابق في الجيش البريطاني، وقال لمحطة ‘سي بي أس’ ولوسائل إعلام أخرى إن عمليات القصف الأولى في المنطقة كانت عشوائية، بيد أن “هذا القصف أدى إلى النتيجة التي كان مصمماً لتحقيقها”.
ومع ذلك قد لا يكون تأثير عمليات قتل الصحفيين على التغطية الصحفية كما يبدو عليه الحال تماماً. وبالطبع لا زالت سوريا تقيّد النشاط الصحفي بشدة، وتظل التغطية محدودة جداً. ويعتمد الجمهور الدولي إلى حد كبير على نوعين من الصحافة: التغطية التي يقوم بها مواطنون تحولوا إلى مصوري فيديو ويلتقطون آلاف الساعات من المقاطع المصورة، والصحفيين الدوليين الذين تسللوا إلى سوريا.
ولكن يبدو أن المجموعتين حافظتا على مستوى التغطية على امتداد الأسابيع الفتاكة في بدايات عام 2012. وخلال الأسبوع الحالي، أوردت الصحفية أنيتا مكنوت من قناة ‘الجزيرة الإنجليزية’ والصحفي بوول وود من محطة ‘بي بي سي’ تغطية صحفية علنية من داخل سوريا. وفي يوم الأثنين، بثت قناة ‘الجزيرة الإنجليزية’ تقريراً خاصاً أعدته أنيتا مكنوت حول الأوضاع في مدينة إدلب التي أصبحت حالياً جبهة رئيسية في النزاع. وتُظهر أبحاث لجنة حماية الصحفيين أن ما لا يقل عن 20 صحفيا دوليا آخر أعلنوا أنهم تسللوا إلى سوريا خلال الشهرين السابقين لتغطية الاضطرابات. ولا شك أن العدد الحقيقي أكبر من ذلك لأن العديد من الصحفيين قرروا عدم الظهور علناً.
أما الصحفيون المحليون فهم في الغالب مواطنون قرروا ملء الفراغ في التغطية الصحفية المحلية وخاطروا بحياتهم لتوثيق حملة القمع التي تشنها الحكومة. وقد قام عدد من هؤلاء المواطنين بتحميل مئات المقاطع المصورة على موقع يوتيوب ومواقع أخرى على شبكة الإنترنت التي تُظهر نشاطات القوات الحكومية والخسائر التي يتكبدها السكان المدنيون. وظلت المؤسسات الإعلامية الدولية والإقليمية تبث هذه المقاطع بصفة منتظمة. وما انفكت القناتان الفضائيتان العربيتان ‘العربية’ و ‘الجزيرة’ تستخدمان تقارير إخبارية من بعض الصحفيين المحليين، وتبث أقوالهم وصورهم عبر موقع ‘سكايب’ على شبكة الإنترنت.
وقال الصحفي الإسباني خافيير إسبينوزا للجنة حماية الصحفيين، وكان برفقة كولفين وأوشليك في حمص، إنه يشعر بإعجاب شديد جراء التصميم والعزم اللذين أظهرهما الصحفيون المواطنون، فهم “لم يتوقفوا عن العمل أبداً حتى عندما قتل بعض الأفراد من فريقهم”.
(. . .)