تستمر السلطات المصرية في نهجها المعادي لحرية الصحافة والحق في حرية التعبير والنشر والوصول للمعلومة، والذي يتجلى يومًا بعد الآخر في تصاعد الانتهاكات ضد الجماعة الصحفية بمختلف أطيافها، وكان آخرها الحكم الذي أصدرته محكمة جنايات القاهرة، بمعاقبة كل من محمد فهمي، وباهر محمد الصحفيان سابقًا بقناة الجزيرة الإنجليزية، وكذلك الصحفي الأسترالي بيتر جريست “المُرحَّل إلى موطنه أستراليا”، وآخرين بالحبس المشدد 3 سنوات، في القضية المعروفة إعلاميًا بـ”خلية الماريوت”.
ظهر هذا المقال أولاً على موقع مؤسسة حرية الفكر والتعبير في تاريخ 31 أوغسطس 2015.
تدين مؤسسة حرية الفكر والتعبير ومرصد صحفيون ضد التعذيب استمرار السلطات المصرية في نهجها المعادي لحرية الصحافة والحق في حرية التعبير والنشر والوصول للمعلومة، والذي يتجلى يومًا بعد الآخر في تصاعد الانتهاكات ضد الجماعة الصحفية بمختلف أطيافها، وكان آخرها الحكم الذي أصدرته محكمة جنايات القاهرة، بمعاقبة كل من محمد فهمي، وباهر محمد الصحفيان سابقًا بقناة الجزيرة الإنجليزية، وكذلك الصحفي الأسترالي بيتر جريست “المُرحَّل إلى موطنه أستراليا”، وآخرين بالحبس المشدد 3 سنوات، في القضية المعروفة إعلاميًا بـ”خلية الماريوت”. وهو الحكم الذي جاء صادمًا لكل المراقبين للقضية!! فلم يتوقع أحد أن يكون ذنب الصحفي باهر محمد أنه مصري الجنسية، يباشر عمله الصحفي الذي تلتزم السلطات المصرية بتأمينه، وتوفير البيئة الآمنة والصحية له، بدلًا من عقابه وسجنه.
يُذكر أن الرئيس عبد الفتاح السيسي قد أصدر في 12 نوفمبر 2014م مرسومًا بقانون يسمح بترحيل المدانين الأجانب إلى بلادهم، ما يسمح بترحيل بيتر جريست إلى أستراليا. كذلك بدأت هيئة الدفاع عن “فهمي” بتذليل الإجراءات المتبقية فيما يخص تنازله عن الجنسية المصرية وترحيله لكندا كمواطن أجنبي، ليبقى الشاب الصحفي باهر محمد يدفع ضريبتين في ذات الوقت، ضريبة ممارسته لمهام عمله الصحافي وضريبة أنه مصري.
إن منطوق الحكم وما نُشِر من حيثياته يؤكد أن السلطات المصرية أصبحت تضيق ذرعًا بحاملي الكاميرات وناقلي الحقيقة، فتنتهك حقوقهم، وتخرق التزاماتها المحلية والدولية بضمانها وتأمينها، حيث ذكرت المحكمة في حيثياتها أنه “على مدار 13 جلسة، تبين لها على وجه القطع واليقين، أن المتهمين غير صحفيين وغير مقيدين بنقابة الصحفيين بعد الاستعلام عنهم بالهيئة العامة للاستعلامات، ونقابة الصحفيين، فضلًا عن أن المتهمين من الأول وحتى الثالث حازوا أجهزة دون تصريح لنشر أخبار لقناة الجزيرة القطرية غير المرخص لها البث في مصر”. وبالتالي استخدم القضاء المصري بيروقراطية الحصول على التصاريح لإدانة الصحفيين الثلاثة، بينما تجاهلت هيئة المحكمة كل ما يُثبت وجود هؤلاء الأشخاص بهدف القيام بمهام عملهم الصحفي كمراسلين لقناة “الجزيرة الإنجليزية” التي لم يطلها قرار منع البث، الذي أدانته الكثير من المنظمات الحقوقية الدولية والمحلية وقطاع مهم من المدافعين عن حرية الصحافة. كما أن الحكم يُشرعن عقاب الصحفيين الغير مقيدين بالنقابة في حال القبض عليهم أثناء قيامهم بمهام عملهم الصحفي.
تعود وقائع القضية التي حملت رقم 1145 لسنة 2014م جنايات قصر النيل إلى قيام أجهزة الأمن، في غضون شهر ديسمبر 2013م، بضبط عدد من المحكوم عليهم من أماكن متفرقة منها فندق “الماريوت” بالقاهرة، وإحالتهم لنيابة أمن الدولة العليا التي تولت التحقيقات قبل أن تقرر إحالتهم لمحكمة الجنايات، وبعد أن وجَّهت لهم اتهامات بالانضمام لجماعة أسست على خلاف أحكام القانون الغرض منها تعطيل العمل بأحكام الدستور والقوانين، ومنع مؤسسات الدولة وسلطاتها من ممارسة أعمالها، وحيازة مطبوعات وتسجيلات تتضمن ترويجًا لأغراض الجماعة، وإمدادها بمعونات مادية ومالية، وحيازة أجهزة اتصالات وبث (هاتف ثريا – جهاز موبيل فيو بوينت) دون الحصول على ترخيص من الجهات المختصة، وإذاعة أخبار وبيانات وإشاعات كاذبة وبثها عبر شبكة المعلومات الدولية حول الأوضاع الداخلية للبلاد وذلك عبر إحدى القنوات الفضائية (الجزيرة)، وحيازة وسيلة من وسائل التسجيل والعلانية، وحيازة- بقصد العرض- صور غير حقيقية عن الأوضاع الداخلية للبلاد من شأنها الإساءة لسمعتها.
وفي 23 يونيو 2014م: حكمت محكمة جنايات الجيزة، الدائرة الخامسة، المخصصة لنظر قضايا الإرهاب، برئاسة المستشار محمد ناجي شحاته، حضوريًا، بالسجن المشدد ٧ سنوات على 6 متهمين، من بينهم صحفيي قناة «الجزيرة»، محمد فهمي وبيتر جريست وباهر محمد، وعاقبت المحكمة الأخير بالسجن 3 سنوات إضافية، وغرامة 5 آلاف جنيه، لحيازته ذخيرة دون ترخيص، والسجن ١٠ سنوات، غيابيًا، ضد 12 متهمًا آخرين، وبرّأت أنس البلتاجي، وأحمد عبد الحميد.
٢٣ يوليو 2014م: نشرت وسائل إعلام مختلفة حيثيات حكم المحكمة، والتي جاء فيها أن الصحفيين استخدموا الصحافة ووجهوها نحو أنشطة معادية للوطن، والتعاون مع جماعة الإخوان، للإساءة للبلاد بالخارج، وخلق رأي عام سلبي تجاه النظام الحالي من خلال بث أخبار وبيانات كاذبة عبر قناة «الجزيرة».
12 نوفمبر 2014م: أصدر السيسي مرسومًا بقانون يسمح بترحيل المدانين الأجانب إلى بلادهم، ما سمح بترحيل بيتر جريست إلى أستراليا، وبقاء محمد فهمي في السجن.
1 يناير ٢٠١٥م: محكمة النقض تُعيد محاكمة صحفيي «الجزيرة» بعد قبولها الطعن على حكم الدرجة الأولى، وترفض إخلاء سبيلهم على ذمة القضية.
1 فبراير: ترحيل الصحفي الأسترالي إلى بلاده،
3 فبراير: تنازل محمد فهمي عن جنسيته للإفراج عنه، وفق القانون الذي أصدره السيسي.
١٢ فبراير: أُعيدت محاكمة «باهر وفهمي» وباقي المتهمين في القضية مرة أخرى، وأخلت المحكمة سبيلهم في الجلسة الأولى بضمان محل إقامتهم، بينما أخلت سبيل فهمي بكفالة ٢٥٠ ألف جنيه، لأنه لا يحمل الجنسية المصرية، واستمرت المحاكمة حتى النطق بالحكم فيها يوم 29 أغسطس.
13 فبراير: غادر «باهر وفهمي» السجن.
29 أغسطس: قضت محكمة جنايات جنوب القاهرة، الدائرة 28، المخصصة -أيضًا- لنظر قضايا الإرهاب، برئاسة المستشار حسن فريد، المنعقدة بمعهد أمناء الشرطة بطرة، بمعاقبة محمد فهمي، وباهر محمد نصر، وصهيب سعد، وخالد محمد عبد الرؤوف، وشادي عبد العظيم، وبيتر جريست، بالسجن المشدد 3 سنوات، كما قضت بمعاقبة المتهم باهر محمد نصر، بالحبس 6 أشهر أخرى وتغريمه 5 آلاف جنيه، وببراءة خالد عبد الرحمن ونورا حسن البنا من التهم المنسوبة إليهما.
الجدير بالذكر -أيضًا- أن القضية في مراحل تقاضيها المختلفة أحيلت لدوائر “إرهاب” وهو ما يعصف بشكل كبير بحقوق الصحفيين المتهمين فيها، ويعاملهم كإرهابيين دون النظر لأهمية الدور الذي يقومون به في نقل الحقيقة للجمهور. كما أن تعمُد نفي الصفة الصحفية عنهم ومحاكمتهم باتهامات جنائية أصبح أمرًا متكررًا في التعامل مع الصحفيين، كما هي الحال في أغلب قضايا الصحفيين المحبوسين.
وتؤكد المنظمات الموقعة على البيان أن المؤسسة القضائية أصبحت تعصف بكل المبادئ الدستورية التي تستوجب احترام حريات التعبير والصحافة والإعلام وتبادل المعلومات، ومن ثم أهانت منصة القضاء وحوَّلت المحاكمات إلى إجراء صوري يهدف إلى وضع مسحة قانونية على التنكيل بالمعارضين السياسيين.
أيضًا فإن هذا الحكم يشير إلى تنصل السلطات المصرية من التزاماتها الدولية الواردة في عدد من المواثيق والمعاهدات بشأن حرية التعبير والصحافة، خاصة المادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، والتي حظرت تقييد حرية التعبير إلا لضرورة وبناء على قانون ولسبب مشروع، وهي المعايير التي غابت عن الحكم الصادر ضد صحفيي الجزيرة الذين لم يأت أيًا منهم بما هو مؤثم قانونًا، بل أن كل ما قاموا به هو ممارسة مهنة الصحافة التي حصنها الدستور المصري وكذلك قانون الصحافة رقم 96 لسنة 1996م الذي نص في مادته السابعة على أنه “لا يجوز أن يكون الرأي الذي يصدر عن الصحفي أو المعلومات الصحيحة التي ينشرها سببًا للمساس بأمنه…”.
إن الرئيس عبد الفتاح السيسي قد صرَّح من قبل أثناء لقاءه برؤساء تحرير الصحف المصرية القومية والخاصة، إنه كان يُفضِّل ترحيل صحفيي «الجزيرة»، بدلًا من محاكمتهم، لكنه أكد أنه لا يتدخل في أعمال القضاء. واليوم ونحن أمام حكم قضائي نهائي، ولكنه ليس باتًا، باعتبار أن هناك مرحلة أخيرة للطعن بالنقض والتي يطول خلالها أمد التقاضي بشكل كبير، تطالب المؤسسات الموقعة أدناه مؤسسة الرئاسة الالتزام بوعدها وإصدار عفو شامل عن الصحفيين المتهمين في القضية، واتخاذ خطوات جادة نحو تحرير مساحات حرية العمل الصحافي، ووقف الانتهاكات بحق الجماعة الصحفية والإعلامية، وضرورة مراجعة أوضاع الصحفيين المحبوسين الذين يمضون فترات طويلة من الحبس الاحتياطي دون جريمة سوى ممارستهم لمهام عملهم الصحفي.
الموقعون:
– مؤسسة حرية الفكر والتعبير.
– مرصد صحفيون ضد التعذيب.