يتحدث الصحفيون المغربيون وأسر الصحفيين المسجونين إلى لجنة حماية الصحفيين عن تجاربهم في مواجهة المراقبة الحكومية.
تم نشر هذا التقرير أولًا على موقع لجنة حماية الصحفيين
إعداد طاقم العاملين في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بلجنة حماية الصحفيين
لم يملك الصحفي المغربي السجين سليمان الريسوني سوى الضحك عندما كشف التحقيق في مشروع برنامج بيغاسوس التجسسي في تموز/ يوليو الماضي أنه كان ممن وُضعوا تحت المراقبة باستخدام برنامج التجسس الإسرائيلي الصنع ’بيغاسوس‘.
وقالت زوجة الريسوني، خلود مختاري، إنه علّق من داخل سجنه على ذلك قائلًا لها: “كنت متأكدًا” من ذلك.
وسليمان الريسوني هو أحد الصحفيين المحليين السبعة الذين ذكرت التحقيقات التي أُجريت تحت اسم مشروع بيغاسوس – وهو اتحاد استقصائي مؤلف من عدة مؤسسات إعلامية – أسماءهم باعتبارهم هدفًا محتملًا أو مؤكدًا لبرنامج بيغاسوس التجسسي. وقد جاءت هذه الأنباء كي تؤكد شكوك الأوساط الصحفية المغربية منذ وقت طويل بأن جهاز المخابرات واسع النفوذ يراقب جميع تحركات بعض الصحفيين المغربيين.
وكان الصحفيون المغاربة من أوائل الصحفيين في العالم الذين اشتكوا من أنه يتم استخدام البرمجيات التجسسية ضد المراسلين مشيرين إلى وجود مراقبة رقمية وذلك في عام 2015. وفي عامي 2019 و2020، أعلنت منظمة العفو الدولية عن نتائج تحليلات جنائية تؤكد استخدام برنامج بيغاسوس للتجسس على هواتف صحفيين مغربيين اثنين على الأقل، هما عمر راضي ومعاطي منجب. وجاءت الإجراءات اللاحقة التي اتخذتها الدولة ضد بعض الصحفيين الخاضعين للمراقبة لتؤكد على التهديد الساري الذي يتعرض له الإعلام المغربي المستقل – وتعزز أيضًا النتيجة التي خلصت إليها لجنة حماية الصحفيين بأن الهجمات باستخدام البرامج التجسسية تشكل في الغالب بوادر تنذر بانتهاكات أخرى بحق الصحافة الحرة.
ويرزح كلا الصحفيين سليمان الريسوني وعمر راضي في السجن في المغرب بسبب ما يصفه أقاربهما وزملاؤهما بأنها اتهامات ملفقة بارتكاب جرائم جنسية. كذلك سُجن صحفي آخر قال مشروع بيغاسوس أنه استُهدف ببرنامج التجسس، وهو الصحفي توفيق بوعشرين، على خلفية اتهامات مماثلة.
ولم يتمكن مشروع بيغاسوس من تحليل هواتف جميع من ذُكرت أسمائهم على أنهم كانوا هدفًا للمراقبة لتأكيد تعرض هواتفهم للاختراق فيما نفت الحكومة المغربية مرارًا وتكرارًا استخدامها لبرنامج بيغاسوس على الإطلاق؛ وذلك رغم قيام بعض الصحف والمواقع الموالية للحكومة -من قبيل المواقع الإلكترونية ’شوف تي في‘، و’برلمان‘، و’تيليكسبريس‘- بنشر الكثير من الصور ومقاطع الفيديو والنصوص والمكالمات الهاتفية الخاصة العائدة لهؤلاء الصحفيين الثلاثة وتلك العائدة لأفراد عائلاتهم ليتم استخدامها لاحقًا كدليل ضد الصحفيين في المحكمة.
وكان توفيق بوعشرين، رئيس التحرير السابق لصحيفة أخبار اليوم المحلية المستقلة، قد اعتُقل في شباط/ فبراير 2018 حيث يمضي حاليًا حكمًا بالسجن مدته 15 عامًا بتهم ارتكاب عدة اعتداءات جنسية والاتجار بالبشر. من جانبها، قالت زوجته أسماء موسوي في مكالمة هاتفية مع لجنة حماية الصحفيين في أيار/ مايو 2022 إنها تعتقد أنها كانت هي الأخرى خاضعة للمراقبة.
وفي نيسان/ أبريل 2019، قالت أسماء موسوي إنها اتصلت بشركة اتصالات خاصة في واشنطن العاصمة لمساعدتها في نشر إعلانات في الصحف الأمريكية للتعريف بقضية زوجها توفيق بوعشرين على أمل أن يساعد إشهار القضية في جهود الإفراج عنه. وفي اليوم التالي، نشر موقع ’برلمان‘ قصة يزعم فيها أن أسماء موسوي دفعت عشرات آلاف اليوروهات لشركة من أموال زعمت أن الصحفي كان قد كسبها من أنشطة الاتجار بالبشر. إلى ذلك، وصفت منظمة هيومان رايتس ووتش موقع ’برلمان‘ بأنه “مرتبط بصلات وثيقة مع أجهزة الأمن”.
وتوجهت أسماء التي ساورها الشك في أن هاتفها مراقب إلى محامي زوجها فاقترحوا “ترتيب مقلب” يتمكنون من خلاله الكشف عما إذا كانت السلطات تتجسس عليها بالفعل أم لا. وقالت أسماء للجنة حماية الصحفيين إن المحامي “اتصل بي واقترح أن نتكلم مع الضحايا المزعومين لزوجها سعيًا إلى تسوية الأمر، علمًا بأننا لم نكن في الحقيقة ننتوي القيام بذلك. وفي اليوم التالي نشرت بعض الصحف الشعبية مقالًا جاء فيه أن عائلتي تخطط لرشوة كل ضحية بمبلغ مليوني درهم (حوالي 182,000 دولار) مقابل إسقاط الدعوى. وعندها أصبحت متأكدة تمامًا (من أنني مراقبة)”.
كذلك خاض الصحفي المغربي والمناصر لحرية الصحافة معاطي منجب، وهو أحد مؤسسي الجمعية المغربية لصحافة التحقيقات (AMJI)، تجربة مماثلة. إذ اعتُقل معاطي في كانون الأول / ديسمبر 2020 ثم حُكم عليه بعد شهر من ذلك بالسجن لمدة سنة واحدة إثر إدانته بتهم تعريض أمن الدولة للخطر والاحتيال لغسل الأموال. وقد انبثقت هذه التهمة الأخيرة عن عمل الرابطة لمساعدة الصحفيين الاستقصائيين على تقديم طلبات للحصول على منح مالية، بحسب ما ذكره معاطي منجب في مكالمة هاتفية مع لجنة حماية الصحفيين.
وقال معاطي إنه “خلال أحد اجتماعاتنا في الجمعية عام 2015، قلت إنه يجب علينا البحث عن منح لدعم المزيد من الصحفيين. وفي اليوم التالي، نشرت إحدى الصحف الشعبية قصة تزعم فيها أن معاطي منجب يعطي مبلغ 5,000 يورو (4,850 دولار) لكل صحفي ينتقد المدير العام للأمن الوطني. وهذا دليل على أنهم كانوا يتسمعون على اجتماعنا”.
ودفعت هذه الاكتشافات الصحفيين وعائلاتهم إلى اتخاذ تدابير ضد المراقبة – وهي مهمة ليست بالسهلة بالنظر إلى صعوبة الكشف عن اختراق الهواتف ببرامج تجسسية خبيثة دون مساعدة مهنية مختصة. وقالت خلود مختاري، زوجة الصحفي سليمان الريسوني، للجنة حماية الصحفيين إن “[سليمان] طلب مني أن أحاول حماية هاتفي، وأنا أحاول قصارى جهدي”.
وأضافت أنه “بالإضافة إلى الاحتياطات الاعتيادية لحماية هاتفي، أقوم بتحديث الهاتف بانتظام ولا احتفظ بأية صور شخصية أو رسائل نصية أو رسائل بريد إلكتروني مهمة عليه على الإطلاق. كما أنني أشتري هاتفًا جديدًا كل ثلاثة أشهر ثم أقوم بإتلاف الهاتف القديم، مما يرهق عائلتي بتكاليف مالية. ولكن أقول بصدق إنه لا يمكنك النجاة من ذلك؛ إن أكثر شخص أعرفه إلمامًا بالجوانب التقنية هو صديقنا عمر راضي الذي اتخذ كافة الاحتياطات اللازمة ضد القرصنة ومع ذلك تمكنوا من اختراق أجهزته“.
وقال معاطي منجب للجنة حماية الصحفيين إنه يأخذ أجهزته إلى خبراء تقنيين بشكل شبه يومي للتفتيش عن أية اختراقات وتنظيفها، مضيفًا بأنه لا يرد على المكالمات الهاتفية مطلقًا وأنه يستخدم فقط تطبيق سيجنال المشفر للتراسل وأنه يتكلم دائمًا بأسلوب مشفر.
كذلك وُضع الصحفي المغربي البارز والحائز على الجائزة الدولية لحرية الصحافة من لجنة حماية الصحفيين، أبو بكر الجامعي، تحت المراقبة باستخدام برنامج بيغاسوس خلال عامي 2018 و2019 – وتم تأكيد استهدافه بالمراقبة عام 2019- على الرغم من كونه يعيش في فرنسا منذ عام 2007، بحسب ما أورده مشروع بيغاسوس. ويعتقد أبو بكر أن الحكومة المغربية هي من يتحمل المسؤولية عن الهجمات ببرمجيات التجسس، وأن عملية المراقبة قد أكدت فعليًا نهاية الصحافة المستقلة في هذا البلد، وذلك حسب ما ذكره في مكالمة هاتفية مع لجنة حماية الصحفيين.
وقال الجامعي إنه “لا يوجد أية وسائل إعلام أو جمعيات صحافة مستقلة منذ عدة سنوات. وما تبقى اليوم هو قلة قليلة من الأشخاص من أصحاب الأصوات القوية الذين قرروا التعبير عن رؤاهم عن طريق بعض المواقع الإخبارية الإلكترونية، ولكن بشكل رئيسي عن طريق منصات التواصل الاجتماعي”.
وقد بعثت لجنة حماية الصحفيين في أيلول/ سبتمبر الماضي برسائل بريد إلكتروني إلى وزارة الداخلية المغربية للتعليق على الموضوع، ولكنها لم تتلقَ أي رد منها.
ومع ذلك، لا يرى أبو بكر الجامعي – الذي لا يصدق نفي الحكومة في السابق استخدام برنامج بيغاسوس – نتيجة إيجابية واحدة من الكشف عن استخدام البرامج التجسسية ويقول إنها “كشفت للعموم يأس [الحكومة] المغربية ومدى استعدادها للقيام بأي شيء من أجل إسكات الصحفيين. واليوم بات العالم كله يعرف أن الدولة المغربية تستخدم برنامج بيغاسوس للتجسس على الصحفيين”.