"إن قتل شيرين أبو عاقلة وفشل عمليات التحقيق لدى الجيش في إخضاع أي أحد للمساءلة لا يمثل أمرًا منعزلًا"
نشر أولًا على لجنة حماية الصحفيين.
الامتناع عن تحقيق العدالة للصحفيين القتلى يقوض حرية الصحافة
بعد مرور سنة على إصابة مراسلة قناة ‘الجزيرة’ العربية، شيرين أبو عاقلة، برصاصة قاتلة في رأسها أثناء قيامها بتغطية مداهمة للجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية، كشف تقرير جديد صادر عن لجنة حماية الصحفيين عن نمط من استخدام القوة الفتاكة من قبل قوات الدفاع الإسرائيلية مصحوبًا باستجابات غير كافية بهدف التملص من المساءلة.
وثّقت لجنة حماية الصحفيين منذ عام 2001 ما لا يقل عن 20 حالة قُتل فيها صحفيون على يد قوات الدفاع الإسرائيلية، كان أغلبهم – 18 صحفيًا – من الفلسطينيين. ولم تُوجّه اتهامات أبدًا ضد أي أحد ولم يخضع أحد للمساءلة عن هذه الوفيات.
وقال روبرت ماهوني، مدير المشاريع الخاصة في لجنة حماية الصحفيين وأحد محرري التقرير، “إن قتل شيرين أبو عاقلة وفشل عمليات التحقيق لدى الجيش في إخضاع أي أحد للمساءلة لا يمثل أمرًا منعزلًا، بل هو جزء من نمط للاستجابات التي تبدو مصممة للتملص من المسؤولية. فلم يخضع أي عنصر من قوات الدفاع الإسرائيلية للمساءلة في أي من الحالات الـ 20 لقتل الصحفيين بنيران الجيش الإسرائيلي على امتداد السنوات الـ 22 الماضية”.
ووجد تقرير لجنة حماية الصحفيين، وعنوانه “نمط فتاك”، أن التحقيقات التي تجريها قوات الدفاع الإسرائيلية في حالات قتل الصحفيين تتبع تسلسلًا روتينيًا، فالمسؤولون الإسرائيليون يستبعدون الأدلة ومزاعم شهود العيان، وعادة ما يبدون بأنهم يخلون ساحة الجنود من ارتكاب القتل بينما تكون التحقيقات ما زالت جارية. ويشير التقرير إلى أن إجراءات قوات الدفاع الإسرائيلية في التحقيق في حالات قتل المدنيين من قبيل الصحفيين بنيران الجيش هي أشبه ما تكون بصندوق أسود، فلا توجد وثيقة سياسات تصف العملية بالتفصيل، كما تظل نتائج أي تحقيق سرية. وعندما تَجري تحقيقات بالفعل، فغالبًا ما يستغرق الجيش الإسرائيلي أشهرًا أو سنوات للتحقيق في حالات قتل الصحفيين، ولا تتوفر لأسر الصحفيين، ومعظمهم من الفلسطينيين، سوى سبل ضئيلة للإنصاف في داخل إسرائيل لتحقيق العدالة.
ووجد التقرير أيضًا أن القوات الإسرائيلية لم تحترم في حالات متكررة شارة الصحافة، مما يبث رسالة مخيفة للصحفيين والعاملين الإعلاميين في جميع أنحاء الضفة الغربية وقطاع غزة، وتشكل هاتان المنطقتان الأراضي الفلسطينية الخاضعة لسيطرة الجيش الإسرائيلي واللتين حدثت فيهما جميع الحالات الـ 20 لقتل الصحفيين. وكما هي حال شيرين أبو عاقلة، كان معظم الصحفيين الـ 20 القتلى – ما لا يقل عن 13 منهم – معرّفين على نحو واضح بأنهم عاملون إعلاميون أو أنهم كانوا في داخل مركبات تحمل شارة الصحافة في وقت مقتلهم. فعلى سبيل المثال، كان المصور الصحفي فاضل شانا الذي كان يعمل مع وكالة ’رويترز‘ يرتدي سترة واقية من الرصاص زرقاء اللون تحمل شارة “صحافة” وكان يقف قرب سيارة مكتوب عليها كلمة “تلفزيون” وكلمة “صحافة” في عام 2008 عندما أطلقت دبابة قذيفة أطلقت شظايا فوق رأسه. وقد اخترقت الشظايا صدره وساقيه في عدة أماكن مما أدى إلى وفاته.
وقال شريف منصور، منسق برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في لجنة حماية الصحفيين، “تعتمد الدرجة التي تزعم فيها إسرائيل بأنها تجري تحقيقات بشأن مقتل صحفيين اعتمادًا كبيرًا على الضغوط الخارجية. فهي تجري تحقيقات ظاهرية في مقتل الصحفيين الذين يحملون جوازات سفر أجنبية، لكن يندر إجراء تحقيقات في حالة مقتل صحفيين فلسطينيين. وفي نهاية المطاف، لم يتحقق في أي حالة أي مظهر من مظاهر العدالة”.
وما حالات قتل الصحفيين سوى جزء من القصة، فقد أصيب العديد من الصحفيين بجراح، وفي عام 2021 قصف الجيش الإسرائيلي مبانٍ في غزة تأوي مكاتب لأكثر من عشر مؤسسات إعلامية محلية ودولية، بما في ذلك وكالة ’أسوشيتد برس‘ وقناة ’الجزيرة‘.
وقد أرسلت لجنة حماية الصحفيين عدة طلبات إلى المكتب الصحفي التابع لقوات الدفاع الإسرائيلية بغية إجراء مقابلات مع مدعين عامين ومسؤولين عسكريين، بيد أن الجيش رفض الالتقاء مع لجنة حماية الصحفيين لإجراء مقابلات رسمية.
ويترك قتل الصحفيين على يد قوات الدفاع الإسرائيلية تأثيرًا مخيفًا على المراسلين الصحفيين الذين يغطون العمليات العسكرية، كما يقوّض حرية الصحافة ويزيد الشواغل الأمنية لدى الصحفيين الفلسطينيين والأجانب. ويتضمن تقرير لجنة حماية الصحفيين توصيات إلى إسرائيل والولايات المتحدة والمجتمع الدولي لتنفيذ إجراءات لحماية الصحفيين، وإنهاء الإفلات من العقاب في حالات قتل الصحفيين، ومنع حدوث أي حالات قتل لصحفيين في المستقبل. وهذا يتضمن إجراء تحقيقات سريعة ومستقلة وشفافة وفعّالة بشأن حالات قتل الصحفيين التي يُحتمل أنها غير مشروعة. كما تدعو لجنة حماية الصحفيين إسرائيل إلى فتح تحقيقات جنائية بشأن حالات قتل ثلاثة صحفيين: شيرين أبو عاقلة (2022)، وأحمد أبو حسين (2018)، وياسر مرتجى (2018).